الهيئة الوطنية لحقوق الانسان تطالب بتحقيق جدي ودقيق في قضية حسان الضيقة
عقدت الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان المتضمنة لجنة الوقاية من التعذيب (المشكلة بموجب المرسوم رقم 3267 تاريخ 19 حزيران 2018)
مؤتمرًا صحفيًا، بعد ظهر اليوم،في نقابة محرّري الصحافة اللبنانيّة في الحازميّة، للتعليق على قضية وفاة السجين حسّان الضيقة على خلفية مزاعم تعرضه للتعذيب اثناء التوقيف، وآلية انفاذ قانون معاقبة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللا انسانية أو المهينة (رقم 65) وقانون إنشاء الهيئة الوطنية لحقوق الانسان المتضمنة لجنة الوقاية من التعذيب (رقم 62) .
النقيب القصيفي
استهل النقيب جوزف القصيفي المؤتمر بكلمة ترحبيّة بالمنتدين، جاء فيها: شاءت الهيئة الوطنية المستقلة لحقوق الانسان، المتضمنة "لجنة الوقاية من التعذيب". المنشأة بالقانون الصادر عن مجلس النواب الرقم 62/2016، والمشكلّة بموجب المرسوم الصادر عن مجلس الوزراء بتاريخ 19 حزيران 2018، أن تعقد مؤتمراً صحافياً، تضيء فيه على موضوع شغل المجتمع اللبناني والدولي في الأيام المنصرمة والمتصّل بوفاة حسّان الضيقة والإتهامات التي ساقها ذووه بأن وفاته ناتجة من تعذيب تعرض له اثناء توقيفه من قبل جهاز أمني، وما استتبع هذه الاتهامات من نفي صادر عن القضاء ومديرية قوى الامن الداخلي.
ان نقابة محرري الصحافة اللبنانية، من موقع إحترامها للرأي والرأي الآخر، هي منبر مفتوح لجميع اللبنانيين، ولا يمكن إلاّ أن تولي هذه القضية الإهتمام، لا سيما وأن الذين سيتطرقون إليها هم من ذوي الصفة والاختصاص، ويتولون مسؤوليات في مجال حقوق الانسان. ونرحّب بمفوضي حقوق الانسان في الهيئة الوطنية المستقلة الذي يتحدث بإسمها اليوم الزميل الاستاذ علي يوسف، ونائب رئيس اللجنة الفرعية للوقاية من التعذيب في الأمم المتحدة الدكتورة سوزان جبور، التي ستتحدث بدورها عن هذا الموضوع.
كما نرحّب بالنائب السابق الاستاذ غسان مخيبر الذي يتابع الملّف نظراً لخبرته القانونية الطويلة في هذا المجال. وبالطبع سيكون لكل من المتحدثين رأيه، ولكل معني حقّ الرد.
وفي نهاية المطاف، فإن هذه القضية باتت قضية رأي عام، وأصبحت في عهدة القضاء الذي نأمل أن يقول كلمته الفصل لوضع حّد لهذا السجال.
وان نقابة المحررين من موقع مسؤوليتها، تلفت المعنييّن الى وجوب التنبه، واعتماد كل معايير حقوق الانسان في كل ما يقدمون عليه، خدمة للبنان الذي هو أحوج ما يكون اليوم الى دعم المجتمع الدولي للخروج من أزماته المتعدّدة.
الأستاذ علي يوسف
ثمّ ألقى الأستاذ علي يوسف عضو الهيئة الوطنيّة لحقوق الإنسان، المتضمنة لجنة الوقاية من التعذيب، كلمة جاء فيها:
تلقت الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان المستقلة المتضمنة لجنة الوقاية من التعذيب ببالغ الحزن والاسف خبر وفاة السجين حسان توفيق الضيقة أثناء احتجازه في مستشفى الحياة ليلة السبت الماضي، وذلك بعد مكوثه قرابة خمسين يوم تحت رعاية طبية بسبب تدهور وضعه الصحي، وهو اوقف منذ 3 تشرين الثاني 2018 من قبل شعبة المعلومات في قوى الامن الداخلي على خلفية الاشتباه بارتكابه جرماً جزائياً.
إننا اذ نتقدم من عائلة الفقيد بالتعزية بفقدان ابنهم، نعقد هذا المؤتمر الصحفي للتأكيد على مجموعة من القضايا.
أولاً: إن التاكد من صحة المزاعم التي ادلى به محامي الضحية حول تعرض موكله للتعذيب، تستدعي تحقيقاً جزائياً وتأديبياً، يطال مختلف أجهزة انفاذ القانون، والسلك القضائي، فالتحقيق الشفاف والسريع، والذي يراعي الاصول القانونية ويتواءم مع التزامات لبنان الدولية بموجب المعاهدات والبروتوكولات الاختيارية المصادق عليها، هو وحده الكفيل بتبيان الحقائق وضمان عدم تكرار أي مخالفات او خرق للقوانين النافذة.
ثانياً: ان التحقق من أسباب الوفاة هي مسألة بالغة الحساسية والتعقيد، والمطلوب القيام بجميع الاجراءات الطبية والجنائية اللازمة لتبيان الحقيقة امام الرأي العام. كما ان التحقق من مزاعم التعذيب التي تعرض لها الضحية اثناء فترة توقيفه، قد ضمنها المشرع اللبناني من خلال اقرار قانون معاقبة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاانسانية أو المهينة والذي يحمل الرقم 65 والذي بدأ العمل به بتاريخ 20 تشرين الاول 2017.
وينص هذا القانون على انه عند ورود شكوى أو إخبار الى النيابة العامة في شأن الجرائم المنصوص عليها في المادة 401 من قانون العقوبات، على هذه النيابة العامة، ضمن مهلة 48 ساعة، ان تقرر إما حفظ الشكوى وإما الادعاء أمام قاضي التحقيق دون اجراء اي استقصاء او تحقيق أولي في هذا الصدد الا من قبلها شخصياً، باستثناء القرارات الضرورية للمحافظة على الادلة وضبطها، وتكليف طبيب شرعي للكشف على ضحية التعذيب المفترضة اذا لم تكن مرفقات الشكوى او الاخبار تضم تقريراً طبياً من هذا القبيل. وهنا على قاضي التحقيق الناظر في الدعوى أن يتولى بنفسه القيام بجميع اجراءات التحقيق في شأن الأفعال المنصوص عليها في المادة 401 من قانون العقوبات، دون استنابة الضابطة العدلية أو أي جهاز أمني آخر للقيام بأي إجراء باستثناء المهمات الفنية.
كما ينص القانون على أنه لأي من النيابة العامة أو قضاة التحقيق أو المحاكم وعلى وجه السرعة اتخاذ التدابير والقرارات الآيلة الى ضمان حماية مقدم الشكوى والشهود من جميع أنواع المعاملات السيئة او التهويل نتيجة الشكاوى والإخبارات التي تردهم، ومعاملة ضحايا التعذيب اثناء الاستماع اليهم والمحاكمة، بشكل يحفظ الأدلة والقرائن ويأخذ بالاعتبار حالتهم النفسية الناشئة عن تعرضهم للتعذيب.
بناء عليه، تؤكد الهيئة الوطنية لحقوق الانسان على ضرورة احترام منطوق القانون 65 .
ثالثاً: منذ الأسبوع الاول للتوقيف، تواصلت عائلة الضحية مع اعضاء الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان المتضمنة لجنة الوقاية من التعذيب، وطلبت مساعدة اللجنة بالاستناد الى الصلاحيات الواسعة التي نص عليها قانون انشائها الذي يحمل الرقم 62 تاريخ والصادر بتاريخ 27 تشرين الاول 2016.
إلا انه وللأسف الشديد، فان هذه اللجنة لم تستطع ان تمارس صلاحياتها والتدخل في هذه القضية الا من باب المشورة، فرغم صدور المرسوم رقم 3267 تاريخ 19 حزيران 2018 القاضي بتشكيل الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان المتضمنة لجنة الوقاية من التعذيب والتي تضم في عضويتها نخبة من المحامين والاطباء ونشطاء حقوق الانسان وصحافي وقاض واستاذ جامعي، فان هذه الهيئة لا تزال تنتظر اتخاذ جميع الاجراءات القانونية والتنظيمية والمالية لضمان انطلاقها بفعالية واستقلالية وبدء ممارسة ولايتها بعد اداء قسم اليمين امام رئيس الجمهورية. وهو امر طال انتظاره، ولا يعوزه سوى توافر ارادة سياسية جدية بتفعيل هذه الهيئة للقيام بدورها، ولتصبح أهم جهة فاعلة وأساسية في الوقاية من التعذيب، بفضل المكانة الفريدة للولايات التي كلف بها اعضاؤها، وبفضل خبرتهم وانخراطهم في القضايا؛ وعلاقتهم الوطيدة مع الفئات المتضررة والجماعات الضعيفة. وما يمكن ان يشكله دورهم في وجود رادع معنوي لأي تجاوز.
رابعاً: كفل القانون حق لجنة الوقاية من التعذيب بالاطلاع على مضمون وسير الشكاوى أو الإدعاءات أو الدفوع المقدمة للجهات القضائية أو التأديبية أو الإدارية والمتعلقة بالتعرض للتعذيب أو ضرب من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو المهينة. وكما تبلغ كل قرار قضائي أو تأديبي صادر في هذا الشأن من قبل الجهة التي اتخذته، وذلك خلال مهلة شهر من تاريخ صدوره. وبناء عليه من واجب اللجنة ان تتابع هذه القضية بجميع جوانبها، وصولاً الى صدور قرار قضائي او تأديبي في حال ثبوت المزاعم التي تضمنتها. كما تتابع العديد من الشكاوى التي تلقتها او ستتلقاها في المستقبل، وهي تنتظر بفارغ الصبر اداء اعضائها قسم اليمين وتوافر الامكانيات اللازمة لضمان انطلاقها: لجهة الكادر الوظيفي، ومقر مستقل وغير ملحق ببناء حكومي، وخط ساخن، واعتماد من الفئة "الف" في الامم المتحدة، وغيرها من الاجراءات التي تمكنها من القيام بعملها.
خامساً: ان التأثير الذي يمكن أن تتركه الهيئة الوطنية لحقوق الانسان المتضمنة لجنة الوقاية من التعذيب بالنسبة الى تهدئة النزاعات، وجبر الضرر وتعويض الضحايا، وصدِّ الكراهية والدفع قدماً باتجاه تحصين الكرامة الإنسانية والمساواة والاحترام، كبير جداً. ولقد كررت الامم المتحدة والدول المانحة موقفها من أن مسألة الوقاية من التعذيب، أولوية إصلاحية ينبغي دعمها في لبنان. والحكومة اللبنانية والمجلس النيابي امام استحقاق خطير، فاما نحن نتجه الى إعادة تصنيف لبنان كبلد يمارس التعذيب بشكل ممنهج، بلد لا يحترم اتفاقية مناهضة التعذيب وبرتوكولها الاختياري، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية ، والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وغيرها من الاتفاقيات والعهود ذات الصلة، او الدفع قدماً باتجاه احترام حقوق الانسان والوقاية من التعذيب وضمان ان لا يسقط حسان ضيقة جديد.
الدكتورة جبّور
ثم ألقت الدكتورة سوزان جبّور نائب رئيس اللجنة الفرعيّة للوقاية من التعذيب لدى الأمم المتحدة كلمة جاء فيها:
أولاً أود أن أعرب عن أسفي لوفاة أحد الموقوفين وهو في عهدة الشرطة، بتاريخ ١١/٥/٢٠١٩ كما أن القلق يساورنا إزاء انتهاكات مزعومة للحق في تطبيق الإجراءات القانونية الواجبة لحماية الأشخاص المحرومين من حريتهم. وأود التأكيد على الموقف الصادر عن معالي وزير العدل الذي تعهد فيه بإجراء التحقيقات اللازمة لجلاء ملابسات هذه القضية وبتأكيد الالتزام الكامل بما تتضمنه اتفاقية مناهضة التعذيب لجهة ضمان حقوق الموقوفين.
وإننا إذ نشدّد على أن تقوم السلطات القضائية بإجراء تحقيق سريع، نزيه، حيادي وكامل على أن يشمل كافة الانتهاكات بما فيها مزاعم التعذيب ذات المصداقية.
ونود هنا التذكير انه على الرغم من صدور القانون ٦٥ تاريخ ٢٠/١٠/٢٠١٧ الرامي إلى تجريم التعذيب وغيره من ضروب المعاملة القاسية واللاإنسانية والمهينة، لا يزال هناك غياب لموضوع المساءلة والتحقيق في مزاعم التعذيب وغيره من ضروب المعاملة القاسية، اللاإنسانية والمهينة من الجهات المعنية، مما يجعل الإفلات من العقاب أمراً مستداماً يجعل من لبنان دولة تتصرف على نحوٍ تنتهك إلتزاماتها بموجب المادة ١٢ من اتفاقية مناهضة التعذيب.
إنّ الحكومة اللبنانية مدعوة اليوم إلى إصدار المراسيم التنظيمية وتوفير الموارد المالية الضرورية للجنة الوطنية للوقاية من التعذيب ليتسنى لها القيام بمهامها في مراقبة كافة أماكن الإحتجاز من خلال زيارات غير معلنة، تشكل وسيلة فريدة للحصول على معلومات مباشرة عن واقع معاملة المحتجزين وأوضاعهم وسير العمل في أماكن الإحتجاز، مما يعزز الجهود الوقائية بدلاً من الاستجابة بعد وقوع الانتهاكات.
إن عمل اللجنة الوطنية للوقاية من التعذيب قد يساهم في إحداث تغييرات ايجابية والحد من احتمالات التعذيب وسوء المعاملة وتحسين الضمانات والظروف في أماكن الإحتجاز، وضمان حماية أفضل للأشخاص المحرومين من حريتهم. وإن عمل هذه اللجنة الوطنية هو عمل سيكون معززاً ومدعوماً من هيئة دولية ألا وهي اللجنة الفرعية للوقاية من التعذيب لدى الأمم المتحدة.
هذه الحادثة اليوم بالإضافة إلى غيرها من الإنتهاكات التي لم يتسنى رصدها بحق الأشخاص المحرومين من حريتهم وتحديداً في الساعات الأولى للإحتجاز وأثناء التحقيقات الأولية يترتّب عنها مسؤولية قانونية أخلاقية ومعنوية على السلطات كافة، كما أنها تبعث رسائل قلق إلى المجتمع الدولي وتحديداً هيئات الأمم المتحدة المعنية بمناهضة التعذيب والوقاية منه وتدفع بهذه الهيئات لأخذ التدابير والإجراءات التي تعكس سلبيات كبيرة على المنظومة الأمنية بكاملها ومنظومة العدالة، علماً بأننا كنا قد قطعنا شوطاً بعيداً في الإستجابة لتوصيات ومقررات اللجان الدولية المعنية في التعذيب وأسقطنا عن لبنان تصنيفه بأنه دولة تمارس التعذيب الممنهج. إلا أن مثل هذه الواقعة الأليمة هي امتحان لجميع السلطات لإثبات جديتها في احترام تعهداتها وتطبيق قوانينها الرادعة لجرائم التعذيب وغيرها من الإنتهاكات.
فاحترام القانون ومساءلة مرتكبي جرائم التعذيب وحده يعزز السلطة الأخلاقية للدولة.
الأستاذ مخيبر
ثم ألقى النائب السابق غسان مخيبر كلمة استهلها بالقول: شكرًا لنقابة محرّري الصحافة اللبنانيّة استضافتها هذا اللقاء. شكرًا للنقيب جوزف القصيفي. كنت جهزت مذكرة لإرسالها إلى المسؤولين كي تفتح التحقيقات على المستوى القضائي والتأديبي وأجد أنه من المفيد تلاوة هذه المذكر من على منبر النقابة وأمام الوسائل الإعلاميّة علّها تجد طريقها إلى النقاش العلني، وسوف أشير في معرض هذه المذكرة إلى سبع مسائل تثير القلق الشديد ويفترض من الجهات التي تجري التحقيقات الإجابة على كل الأسئلة التي سأطرحها، لكي تكون هذه التحقيقات شفّافة وكاملة وتعطي الإضاءات الضروريّة، لهذه الواقعة الأليمةِ التي مات فيها حسّان الضيقة وهو في عهدة الدولة وقيد التوقيف الإحتياطي، وقال: إتصلّ بي اليوم مدير عام قوى الأمن الدالخلي اللواء عماد عثمان، فأكّد لي دعمه لتعديل قانون أصول المحاكمات الجزائيّة، لجهة السماح للمحامين حضور التحقيقات الأوليّة، ما يوّفر للجميع العناء في موضوع التعذيب ويقضي نهائيًا على كل الشكوك في ما خصّ هذه القضيّة. وناشد الأستاذ مخيبر السلطات المشرفة على القضاء لا سيما، النيابة العامة التمييزيّة والمديرية العامة لقوى الأمن الداخلي للتعميم على القضاة والضابطة العدليّة بضرورة الإلتزام الدقيق باحترام الحقوق وأصول المحاكمات والتوقيف التي أشرت إليها في المذكرة، وقال:
مات حسان الضيقة بعهدة الدولة وهو قيد التوقيف الإحتياطي. العدالة وحقوق الإنسان مفجوعين. مع دفنه، يجب ان لا نسمح بدفن المسؤوليات، حرصا على ان لا تتكرر الانتهاكات الجسيمة لأصول التوقيف والتحقيق ولآليات الوقاية من التعذيب ومناهضته، أمام اية ضابطة عدلية أو أية نيابة عامة أو قضاء تحقيق.
لذلك، ادعو الى متابعة التحقيقات التي يفترض ان تستكملها الأجهزة القضائية والرقابية والتأديبية المختصة حتى جلاء كامل الحقيقة وتحديد كامل المسؤوليات واتخاذ كافة التدابير اللازمة لضمان حسن احترام القوانين ومعايير وحقوق الإنسان، بما فيه الملاحقة بجريمة التعذيب اذا ثبتت.
لا بد من تذكير بعض المبادئ الأساسية ومن تبديد عدد من الفرضيات الخاطئة:
أولا: لا تناقض بل تكامل وتوازن بين حاجة لبنان الى قمع الجرائم وحماية المجتمع عبر قضاء وضابطة عدلية فاعلة ومجهزة تجهيزا كافيا ومعنويات كبيرة، وحاجة لبنان أيضا الى حماية حريات كل الناس على أساس احترام أصول التوقيف والتحقيق وحقوق الإنسان.
ثانيا: ان حسن احترام أصول التوقيف والتحقيق ليست ترفا ولا يمكن مخالفتها لإرتباطها بالإنتظام العام. سيما وأن العديد من احكام قانون أصول المحاكمات الجزائية وضعت للوقاية من التعذيب وحماية الحق المقدس لكل انسان بالدفاع عن نفسه في نظام قضائي نزيه وعادل.
ثالثا: ان المشترع اللبناني اعترف ضمنيا وصراحة في المناقشات البرلمانية بوجود ممارسات مرفوضة من التعذيب؛ وقد جعل المشرع من أية ممارسة من ممارسات التعذيب جريمة خطيرة جدا بنية ردعا ومعاقبتها، وذلك عبر اصدار القانون رقم ٦٥ (تاريخ ٢٦/١٠/٢٠١٧) الرامي الى معاقبة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة او العقوبة القاسية او اللاانسانية" (قانون مناهضة التعذيب) وكذلك عبر انشاء آلية وطنية للوقاية من التعذيب تتولاها اللجنة الدائمة للوقاية من التعذيب التي هي جزء من الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان (المشكلة بموجب المرسوم رقم ٣٢٦٧ تاريخ ١٩ حزيران ٢٠١٨).
بناء على كل ما تقدم، يجب التشدد في حسن تطبيق أصول المحاكمات الجزائية وقانون مناهضة التعذيب تطبيقا دقيقا، وتفعيل الآلية الوطنية للوقاية من التعذيب؛ في حين نشهد في الواقع على تراخي في التطبيق، لا بل على انتهاكات جسيمة لهذه القوانين الأساسية.
سوف تقتصر مداخلتي على بعض المعلومات التي اتصلت بمعرفتي الشخصية كمتابع لملابسات رافقت تطبيق قانون اصول المحاكمات الجزائية بشكل عام، وقضية حسان الضيقة بشكل خاص، لا كوكيل خاص فيها عن أي طرف، لكن كمدافع عن حقوق الإنسان والعدالة ودولة الحق والقانون وكل ما يرتقي بلبنان الى القيم الحضارية.
يمكننا ان نستقي من حالة حسان الضيقة وملابساتها القضائية امثلة على ابرز المخالفات الواضحة أو بعض الأسئلة التي يمكن ان تطرح وذلك من أجل تنوير وارشاد التحقيقات القضائية والتأديبية التي تجرى حاليا من قبل الجهات الرسمية المختصة في قضية حسان الضيقة وفي قضايا مماثلة:
١ – ضمن الدستور والمعاهدات الدولية والقانون لكل انسان الحق بالحياة والصحة والأمان:
• ما هي أسباب وفاة حسان الضيقة وهو في العقد الرابع من العمر، وكان في مستشفى؟ يجب التأكد من جميع المعلومات المتوافرة، لا سيما عبر الملف الطبي الإستشفائي والإستماع الى الأطباء المعالجين.
• أيمكن أن تكون العوارص الصحية التي كان يعاني منها حسان الضيقة قد تسببت بها أعمال شدة وتعذيب أم لا؟
• لماذا تأخرت المعاينات الطبية والمعالجة الجراحية بعد فشل المعالجة بالأدوية المسكنة، والتي كان الأطباءه المعالجون يعتبرونها ضرورية، والا أدت الحالة الصحية المتأزمة الى شلل، كما ورد في عدد من التقارير الطبية.
٢ – نص القانون على الحد الأقصى لفترة احتجاز المشتبه فيهم او المشكو منهم في النظارات بقرارات من النيابة العامة بمدة لا تزيد عن ٤٨ ساعة قابلة للتمديد مرة مماثلة واحدة (المادة ٤٧ أ.م.ج.) وفي حال المخالفة يلاحق الضابط العدلي بحريمة حجز الحرية (المادة ٤٨ أ.م.ج.):
• كيف يسمح في الحالة الراهنة بتجاوز فترة الإحتجاز الأولي المتاحة قانونا دون الملاحقة بجريمة حجز الحرية وفق القانون ؟ وقد دامت لدى فرع المعلومات من ١/١١ (وفق القرار الظني الصادر عن قاضي التحقيق الأول) الى ٩/١١ ومن هذا التاريخ الأخير الى ١٦/١١ لدى نظارة قصر العدل في بعبدا، حيث عرض حسان الضيقة لأول مرة على قاضي التحقيق – أي ما مجموعه ١٦ يوم احتجاز)؟
• صرحت قوى الأمن الداخلي بأن حسان الضيقة ابقي قيد الإحتجاز لدى شعبة المعلومات "على سبيل الأمانة" بناء لإشارة النيابة العامة. ما هو السند القانوني لهذه العبارة؟
• نص القرار الظني الصادر عن قاضي التحقيق الأول بأن حسان الضيقة أوقف بتاريخ ١/١١ في حين تؤكد قوى الأمن الداخلي بأنه أوقف بتاريخ ٣/١١ واختتم التحقيق بتاريخ ٥/١١. ما هو سر هذا التخبط ابالوقائع؟
٣ – نص القانون على ان الأشخاص المحتجزين يتمتعون فور احتجازهم بعدد من الحقوق الأساسية، منها الإتصال الهاتفي ومقابلة محام وتقديم طلب بعرضه على طبيب لمعاينته (المادة ٤٧ أ.م.ج.):
• جاء في تقرير قوى الأمن الداخلي أنه "تم الإستماع لإفادة الموقوف حسان الضيقة بعد التزام كافة الأصول اللازمة في التحقيقات الأولية … لجهة تلاوة حقوقه المنصوص عنها في المادة ٤٧ أ.م.ج. عليه حيث صرح بأنه لا يرغب بالإستفادة من أي بنودها سوى الإتصال بذويه …". اننا مع ابدائنا التشكيك الكبير بصحة ذلك، لأننا لا نتصور كيف يمكن لأي كان الإدلاء بمثل هذا التصريح، سيما وان والد حسان الضيقة هو بذاته محام وكان يسعى للإلتقاء بابنه. انما بمعزل عن ذلك نسأل: كيف يمكن لمساعدي الضابطة العدلية تدوين مثل هذا التصريح وهذه الحقوق تتعلق بالإنتظام العام ولا يمكن التنازل عنها؟
• بالنسبة للإتصال الهاتفي: جاء في تقرير قوى الأمن الداخلي بأنه "اجري اتصالين بالوالد توفيق الضيقة الأول بتاريخ ٣/١١ والثاني بتاريخ ٤/١١. لماذا تأخر الإتصال يومين اذا افترضنا على ان القاء القبض حصل في ١/١١ ولم يكن فور الإحتجاز؟ كما أن الوالد المحامي حسان الضيقة ينفي ذلكمؤكدا أنه لم يتمكن من التكلم مع ابنه المحتجز سوى لثواني قليلة لم تفده بشي. هل يمكن التأكد بالتالي عبر الخبرة الفنية بالوقت الذي استغرقه الإتصال لجلاء الحقيقة في هذه المسألة؟
• بالنسبة لحق "مقابلة محام يعينه بتصريح يدون على المحضر دون الحاجة الى وكالة منظمة وفقا للأصول": يؤكد الوالد المحامي توفيق الضيقة بأنه استحال عليه مقابلة ابنه المحتجز. فهل لقوى الأمن الداخلي أن تؤكد بأنه تمكن من ممارسة هذا الحق فور الإحتجاز كما ينص القانون؟
• بالنسبة لحق "الطلب المباشر، أو بواسطة وكيله او احد افراد عائلته الى النائب العام بعرضه على طبيب لمعاينته … " فور تقديم الطلب اليه". يكتسي هذا الإجراء الأهمية البالغة لأنه يمكن أن توفر الدليل القاطع على وجود ممارسات تعذيب أم لا.
o يقول الوالد المحامي توفيق الضيقة بأنه لم يتمكن من ممارسة هذا الحق ضمن المهل القصيرة المحددة في القانون. فهل يمكن التحقق من ذلك بالتفصيل؟
o لماذا تأخر تكليف طبيبين شرعيين في هذه القضية حتى ٢٣/١١ بالنسبة للطبيب الشرعي الدكتور نعمه الملاح و٢٩/١١ بالنسبة للدكتورة ريف كنعان، الطبيبة الشرعية الأخصائية في الأمراض العقلية والنفسية.
o لماذا منع الطبيب الشرعي من ادخال هاتفه الى داخل النظارة اثناء الكشف على الموقوف (كما ورد ذلك في تقرير قوى الأمن الداخلي)، ما حال دون تصوير الموقوف حسان الضيقة لتوثيق اصابته داخل التقرير؟ هل ان هذه الممارسات بالمنع استثنائية او شائعة؟
o اذا كانت قوى الأمن الداخلي والنيابة العامة تشكك في صدق تقرير الطبيب الشرعي الأول المعين أصلا من قبلها، فأية نتيجة يجب ان تعطى للتقرير الثاني المحرر بتاريخ ٢٩/١١، والذي يلحظ حالة نفسية مقلقة "وحسب افادة حسان الضيقة للطبيبة الشرعية "هو تحت تأثير الصدمة الناتجة عن توقيفه وتعرضه للضرب والتعذيب"؟
o الا تستدعي هذه الوقائع المدلى بها والموثقة بتقارير ولو بدئ التحقيق باتهامات التعذيب المساقة من وكيل ووالد حسان الضيقة للوقوف على مدى صحتها، أقله عبر الإستماع الى حسان الضيقة بهذا الشأن ولم يحصل ذلك ولو مرة واحدة منذ احتجازه الأول في ١/١١ وحتى وفاته؟
4 – نص القانون على وجوب حضور محام مع المشكو منه أو المدعى عليه عند عرضه على قاضي التحقيق بعد انتهاء فترة الإحتجاز الأولى:
• هل حضر محامي حسان الضيقة جلسة التحقيق في 16/11 أم لا؟
5 – نص القانون على انه عند ورود شكوى او اخبار الى النيابة العامة في شأن الجرائم المنصوص عليها في المادة ٤٠١ (التعذيب)، على هذه النيابة العامة، ضمن مهلة ٤٨ ساعة، أن تقرر اما حفظ الشكوى واما الادعاء امام قاضي التحقيق دون اجراء أي استقصاء أو تحقيق أولي في هذا الصدد الا من قبلها شخصيا، باستثناء لقرارات الضرورية للمحافظة على الأدلة وضبطها وتكليف طبيب شرعي للكشف على ضحية التعذيب المفترضة اذا لم تكن مرفقات الشكوى أو الإخبار تضم تقريرا طبيا من هذا القبيل (المادة ٢٤ مكرر أ.م.ج. المعدلة بموجب المادة ٤ فقرة ١ من القانون ٦٥/١٩٩٧ – مناهضة التعذيب):
• هل طبقت احكام هذا القانون؟ هذا مع الإشارة الى أنه بالنسبة الى شكوى حسان الضيقة بوكالة والده بتاريخ ٢١/١١ احيلت الشكوى مباشرة الى فرع المعلومات، وبالنسبة الى إحالة وزير العدل الأستاذ سليم جريصاتي بتاريخ ٣٠/١١ الى النيابة العامة التمييزية "لإجراء التحقيقات"، واحالة النيابة العامة بدورها الى النيابة العامة الإستئنافية بتاريخ ٨/١/٢٠١٩، احالت هذه الأخيرة الملف الى مدير عام قوى الأمن الداخلي "للإطلاع"، حتى اتخذ قرار حفظ الشكوى بتاريخ ١١/٢ دون الإستماع ولو مرة بالذات الى صاحب الشكوى كما نص القانون ضمن مهلة ٤٨ ساعة!!
6 – نص القانون انه على قاضي التحقيق الناظر في الدعوى أن يتولى بنفسه القيام بجميع اجراءات التحقيق في شأن الأفعال المنصوص عليها في المادة 401 من قانون العقوبات، دون استنابة الضابطة العدلية أو أي جهاز أمني آخر للقيام بأي اجراء باستثناء المهمات الفنية.
لأي من النيابة العامة أو قضاء التحقيق أو المحاكم وعلى وجه السرعة اتخاذ التدابير والقرارات الآيلة الى ضمان حماية مقدم الشكوى والشهود من جميع انواع المعاملات السيئة أو التهويل نتيجة الشكاوى والإخبارات التي تردهم، ومعاملة ضحايا التعذيب اثناء الإستماع اليهم والمحاكمة، بشكل يحفظ الأدلة والقرائن ويأخذ بالإعتبار حالتهم النفسية الناشئة عن تعرضهم للتعذيب.
(المادة ٢٤ مكرر أ.م.ج. المعدلة بموجب المادة ٤ فقرتين ٢ و٣ من القانون ٦٥/١٩٩٧ – مناهضة التعذيب):
• هل طبقت احكام هذا القانون؟ ولماذا؟
• لماذا تأخر تسجيل الشكوى المباشرة في قلم قضاء التحقيق في بعبدا؟
• لماذا لم تحترم مهلة ال٢٤ ساعة المحددة لتحرك القضاء فدامت محاولات وكيل حسان الضيقة اشهر طويلة ولم يجر حتى الآن الإستماع الى الشاكي بموضوع شكواه؟
7 – نص القانون المنشئ الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان على آلية وطنية للوقاية من التعذيب تتولاها لجنة خاصة دائمة للوقاية من التعذيب، التي تتمتع بصلاحيات واسعة وفق القانون والبروتوكول الإختياري لإتفاقية مناهضة التعذيب:
• لماذا لم تفعل هذه الآلية الوطنية بعد بغياب الحد الأدنى المطلوب من الموازنة التشغيلية؟