الجامعة اللبنانية وألق التثوير: رسالة أم وظيفة؟
تثوير المجتمع، هو الدور المَنوط بالأساتذة الجامعيين، والتثوير هنا، يأخذ تعدادا غير محصور بالثورة على ما يشي معناها الرائج، إنّما قد ينحو باتجاه الفكر، أو الشكّ والنقد، أو التكنولوجي، أو الحداثويّ، أو التّمديُن، أو البحث العلمي بكل مندرجاتهن ونواحيه وما إلى ذلك من عبارات تفيد مفهوم التثوير والتفوير وتنقل الجماعات من حال دنيا هي بها تفتخر وتلتحم، إلى حال تعلو فيها، وتسدل على ماضيها ستارة المستقبل بكلّ ما فيه من ألق وفخر.
تباهت الجامعة اللبنانيّة فيما مضى بأنّها خرّجت أجيالا من الطلاب، وقف على تخرّجهم أساتذة زرعوا فيهم ما ورد في المقدمة من توصيف، وتحوّلوا (أي الخريجين) بدورهم إلى أساتذة أكملوا ما بدأه أساتذتهم، وجالوا بين جَنَبات المجتمع إعمالا في الفكر والثقافة والفلسفة والثورة والإصلاح والنظرية وغيرها، وجعلوا من الجامعة بؤرة، تحرّك الجماعات المجتمعية، تسحبها نحو أحلام، زها بها مخيالهم وزهوا به.
اليوم، خَفت صوت الجامعة، لتتحوّل إلى مبانٍ متهالكة، صارت أثرًا بعد عين، وبات جلّ غاية أساتذتها حفظَ ما لهم من رواتب ومتبوعات، تبقيهم في أحضان توسّط الطبقات، وتعينهم على الاحتفاظ بهيبة مفقودة، لا بل مسلّمة للطوائف ومحاصصاتها، ولأفراد فيها يأمرونهم، بالتوجّه شطر هذا المقلب أو ذاك.
انفصل الجسم الجامعي وتفتّت، صار حصصًا مُتَقاسمَة، سلبته الطوائف والمذاهب خيرة ما لديه، حوّلته إلى إدارة عامة تنصّب فيه ما تشاء، ومن تشاء، لم يعد من لقاء أو فكرٍ يجمع بين الأساتذة والطلاب، برغم الانتماء الواحد بينهما جمهورا لذات الطوائف حسب قسمة الجماعات الحالية، ولم يعد من لقاء بين الجامعة والجماعات، صار كل طرف معني بتدبير أيامه على ما يراها مناسِبة له، مدوزنًا خططه وتحركاته إن حصلت، على هوى مباشرته للحياة اليومية التي يسعى للانصهار أو الجمود فيها.
أسابيع ثلاث مرّت، والجامعة موقوفة على إضراب أساتذتها، والطلاب رهائن ذلك الوقف والإضراب، متروكون لقدرهم، في غيابٍ "للمسؤولية المجتمعية للأساتذة"، وهي أساس التعليم، في دلالة على النظرة الفوقية بين طرفين مجتمعيين، تنحو بالتناقض بين مصلحتين، وضعف للقدرة على الربط بينهما وبين الجامعة كولادة للتثوير، وما بين هذه الفئة وتلك، تقف الجماعات المجتمعية على قارعة الانتظار، في حالة سبات، تنتظر سوء المصير.
لو قدّر لهاتين الفئتين (الأساتذة والطلاب) أن توفّقا بين مصلحتيهما – وهما قادرتان – لهزّت البلاد عن بكرة أبيها، لكنّ التثوير، بحاجة للفكر والتدبير، فأين الجامعة من هاتين الأخيرتين؟