“صفقة القرن”..ام مشروع تصفية القضية الفلسطينية!؟
مشروع صفقة القرن الذي تروج له الادارة الامريكيه ، حتى منذ قبل وصول ترامب الى سدة الحكم ، ليس المشروع الاول الذي تطرحه الدول الاستعماريه وَيَئدهُ الشعب العربي الفلسطيني حتى قبل ان يرى النور .
فقبل قرابة المائة عام ، وفِي العام ١٩٣٦ ، قامت الحكومه البريطانيه ، التي كانت تحتل فلسطين ، بإرسال لجنة ملكية بريطانيه اطلق عليها اسم لجنة بيل ،وكان اسمها بالانجليزيه Peel commission ، للتحقيق في أسباب وتداعيات الثوره الفلسطينيه التي انطلقت بقيادة عز الدين القسام ، في عموم أنحاء فلسطين عام ١٢٣٩ واستمرت حتى عام ١٩٣٩ .
وقد اقترحت هذه اللجنه ، في تقريرها الذي رفعته للحكومة البريطانيه بتاريخ ٨/٧/١٩٣٧ ، انشاء ثلاثة أقاليم ، بحيث يضم الاول الناصره وبيت لحم ويبقى تحت الاداره البريطانيه ، بينما يضم الإقليم الثاني الشريط المحاذي لنهر الاْردن من جهة الغرب والممتد من بيسان حتى حدود الجولان الجنوبيه ويمتد بمحاذاة الساحل الفلسطيني ، من شمال عكا حتى شمال حدود قطاع غزه الحاليّه وتنشأ فيه دولة يهوديه . في الوقت الذي يشكل فيه ما تبقى من فلسطين الاقليم الثالث ويتم ضمه الى الاْردن وتنشأ فيه دولة عربيه .
ولكن الشعب الفلسطيني استمر في ثورته حتى العام ١٩٣٩ ما اسقط هذا المشروع في مهده ، خاصة وان الاهتمامات البريطانيه قد تركزت على الحرب العالمية الثانيه ، التي اندلعت بتاريخ ١/٩/١٩٣٩ ولَم تعد تتطلع لأكثر من إدارة الازمه ، خاصة وأنها كانت مطمئنة لوضع المستوطنين اليهود في فلسطين ، الذين كانت سلطات الاحتلال البريطاني تقدم لهم كافة انواع الدعم بما في ذلك الدعم العسكري الذي تمثل في السماح لهم بإقامة مصانع للسلاح في المستوطنات اليهوديه المقامه في فلسطين .
كما تتابعت مشاريع تصفية القضيه الفلسطينيه بعد انشاء اسرائيل عام ١٩٤٨ وسيطرة العصابات الصهيونيه ، بمساعدة اذناب الاستعمار العرب في كل من الاْردن والعراق والجامعه العربيه ، بدأً بمشروع توطين اللاجئين في سيناء عام ١٩٥٢ مرورا بمشروع جونسون سنة ١٩٦٢ .
ولكن قرار الشعب الفلسطيني المدوي ، في وجه كل تلك المشاريع ، كان يقول :لا صلح ولا استسلام،وهو القرار الثوري الفلسطيني الذي لا زال هذا الشعب متمسكا به حتى يومنا هذا ، رغم كل الضغوط التي يتعرض لها في الداخل والخارج ، والتي تهدف الى تمرير المؤامرة الجديده ، المسماة صفقة القرن ، وفرضها على الشعب الفلسطيني وتصفية قضيته وحقوقه .
هذه المؤامره التي حاكها عتاة الزعماء الصهاينه في الولايات المتحده وبتأثير بنيامين نتن ياهو ويتآمرون بخصوص تنفيذها مع بعض العرب. فها هي اللقاءات السريه والعلنيه بين قادة اسرائيل الامنيين والسياسيين للتنسيق بين هذه الأطراف ، او بالأحرى لتوزيع المهمات ، من قبل السيد الاميركي ، على أطراف المؤامره من عرب واسرائيليين ، وذلك بهدف خلق الظروف الملائمة لتدجين الشعب الفلسطيني واجباره على القبول بهذه الصفقه.
وفِي هذا الإطار جرى اللقاء الأمني السياسي السري بين قادة اجهزة المخابرات المصريه والسعوديه والاردنية والفلسطينيه والموساد الاسرائيلي وكلا من جاريد كوشنر ، صهر الرئيس ترامب وجايسون غرينبلات مبعوثه الى الشرق الأوسط ، وذلك يوم ١٧/ ٦/ ٢٠١٨ في مدينة العقبه الاردنيه .
هذا اللقاء ، الذي كان سريا حتى أعلن عنه الجانب الاسرائيلي ، بحث سبل تنفيذ صفقة القرن الامريكيه ومشاركة الاْردن الفعاله ، وبغطاء ومشاركة عربيه ، في تنفيذها دون الأضرار بمصالحه ودون تعريض مستقبله ككيان ملكي هاشمي للخطر .
وهذا يعني بالضبط تنفيذ التوصيه التي رفعتها لجنة بيل البريطانيه لحكومة لندن سنة ١٩٣٧ ، التي نصت على دمج سكان ما بقي من فلسطين في دولة في الاْردن . وهو بالمناسبه اقتراح تم اعادة طرحه من قبل حكومة اسحق شامير الاسرائيليه ، في عام ١٩٨٩ ، بواسطة طرف ثالث ، على الزعيم الفلسطيني ابو عمار ، الذي رفضه رفضا قاطعا .
وعليه فقد تم ابلاغ الملك عبد الله ، خلال لقائه مع ترامب في واشنطن ، بان الادارة الاميركيه ستعمل على عقد لقاء تشاوري ، مصري أردني سعودي في عمان أواسط شهر تموز ٢٠١٨ ، بحيث يدعى اليه الرئيس الفلسطيني محمود عباس وذلك بهدف دمج السلطه في عملية التنفيذ بشكل سلس يؤدي الغرض دون اثارة احتجاجات فلسطينيه على هذه المشاركه.
ولَم تستبعد بعض مصادر المتابعين الأوروبيين ان يتم التوافق على صيغة تشبه صيغة مؤتمر مدريد للسلام سنة ١٩٩١، والمشاركه بوفد عربي مشترك . بمعنى ان يتم التواصل مع الطرف الاميركي الاسرائيلي ، من خلال لجنة عربيه تضم كلا من مصر والسعوديه والأردن والسلطه الفلسطينيه ، في المرحلة الاولى من مراحل الصفقه على الأقل .
وبالنظر الى كل ما ذكر اعلاه فمن الواضح ان صفقة القرن تمر في أزمة قبل ان تولد . انها الازمه التي لطالما واجهتها مشاريع تصفية القضيه الفلسطينيه منذ القرن الماضي ، وليس منذ بدء الحديث عن صفقة القرن فقط . وعليه فان هذه الازمه ، اَي أزمة اخضاع الشعب الفلسطيني لمشاريع التصفيه ، هي أزمة قرنيين وليست ازمة صفقة القرن الوليدة لما يقرب اقل من عامين …!
وهذا يعني ان الموقف الصلب للشعب العربي الفلسطيني هو موقف مبدأي حازم يرتكز الى تراث عظيم ، من الصمود والتصدي لكافة المشاريع الاستعماريه في المنطقة العربيه ، منذ ما يزيد على قرن من الزمن ، وبكل الوسائل المتاحة وعلى رأسها الكفاح المسلح والذي لم يتخل عنه هذا الشعب منذ بداية الاحتلال البريطاني لفلسطين في شهر ١٢ / ١٩١٧ ، على الرغم من تعرض ثورات الشعب الفلسطيني لبعض النكسات المؤقته في بعض مراحل نضاله.
وهذا يعني ان مشروع ما يسمى بصفقة القرن سيسقط ، كما سقطت الكثير من المشاريع السابقة ، خاصة وان الرافعة الأساسيه ، التي كان يمكن ان تؤمن ظروف نجاح الولايات المتحده واسرائيل في فرض هذا المشروع على الشعب العربي الفلسطيني ، قد سقطت تماما .تلك الرافعه التي تمثلت في المشروع الصهيواميركي الرجعي العربي الذي كان يهدف الى اسقاط الدولة الوطنية السوريه وتمزيق سورية وتوجيه ضربه قاصمه لمحور المقاومه ، ومن ضمنه الشعب الفلسطيني ، وذلك تمهيداً لتصفية القضيه الفلسطينيه والانقضاض على ايران وإسقاط الجمهوريه الاسلاميه فيها والتي تشكل العمود الفقري لمحور المقاومه .
نستطيع القول ان صفقة القرن رغم كل ما يروج لها قد سقطت عمليا مع سقوط اخر قلاع داعش واخواتها في سورية بايدي الجيش العربي السوري وبقية قوات حلف المقاومه والدعم العسكري اللامحدود الذي قدمته روسيا لسورية في مواجهة هذه الحرب الارهابيه العالمية التي شنت ضد سورية بأسماء وأدوات مختلفه ودائما بتمويل ومشاركة مباشره من الدول العربيه في السعوديه وقطر والإمارات والأردن وتركيا اردوغان .
وسيكتب التاريخ من جديد : لقد سقطت الصفقه وبقيت الازمه عصيه على الحل ….!وذلك لان الشعب العربي الفلسطيني لن يخضع ولن يركع ولن يهدأ حتى تحرير فلسطين كاملة وإقامة الدولة الفلسطينيه المستقله على كامل ترابه الوطني من النهر الى البحر.