فلسفة الأنسنة ..وأضرارها!…
أنسن الإنسان الربّ، وعبر الربّ ألّه الانسان بعض الناس، فجعلهم قديسين و اولياء وصالحين.
أنسن الانسان اعماله .جعل للسيارة عيون (مصابيح امامية) وتفنن في واجهة السيارة الامامية لتشبه الفم.
بنى القلاع والحصون، وعندما وصل الى الأبراج اعطاها شكلا دائريا قضيبيا ليسقط فحولته وقوته على العمران .
مسكين هذا الانسان مهما تعجرف ومهما تكبّر ،"تؤلمه البقة وتقتله الشرقة"* ..الا انه رغم وعيه لضعفه يتمرّد ليطغى ويطغى لعلّه ينجو ولن ينجو من الموت ، سيقهره الموت مهما رفع من ابراج ومن اهرام ومهما حاول الاحتماء فإنّه ميّت لا محالة.
أنسن الإنسان كل اعماله، اعطاها شكله ووهبها بعضاً من روحه لتؤدي وظيفتها، وما كل محاولاته تلك في أنسنة كل شيء من حوله الا محاولة منه لتجاوز قلق الموت وألم الوجود وسرّ: اين يرحل الأموات ؟.
أنسن الانسان الحيوانات ، جعل لها لغة واصرّ عليها عبر النبي سليمان، انطق الهدهد و انطق النمل والحمام لا بل وقف الانسان يحدث حصانه ويدرب كلبه على الكلمات ، اعطى الكلب صفة الوفاء ،منح الثعلب صفة الإحتيال ،نصّب الأسد ملكاً و حوّل النسر لطائرة عسكرية وجعل من اليمام طائرة مدنية.
نعم، بالإمكان ان يتشابه منطق الربّ بمنطق الانسان ،الا انه يستحيل ان يتطابقا مهما بلغت ادعاءات الانسان من تواصل مع الرب مباشرة ام بالمرسال. لم يبالغ الانسان بأنسنته الربّ الا ليشدّد على امتلاكه للحقيقة المطلقة ما يعطيه شرعية ان يطغى، ان اراد حشر منافسيه على السلطة والمال والنساء والملذات ، ان يحشرهم في نار جهنم ليحترقوا الى الابد ،وفي المقابل كافأ انصاره المنفذين لرغباته بالقتل والتهديد وجنوده المحاربين المطيعين له بحواري العين وبالجنة .
مذ كان ،جهد الانسان ان يتسلح بافكار اقوى من السيف الذي يحمله ،ليقاتل اوهامه وليكافح هواجسه وليكبح الخوف المتصاعد فيه وليبعد عن نفسه قلق الموت والم الوجود ، كلما عظم ذلك الشعور في داخله كلما تنسك وتعبّد وتزهد وترهبن وتزمت وتطرف أكثر بأسلوب العبادة.
متدين اكثر ،يعني خوفه في داخله اكبر .
يشقى الذكي بذكائه ولا ينعم ذو الجهالة بحماقته، فكلاهما ستأتيهم العزائم على قدر اهل العزم ،كما ستاتي المكارم على قدر اهل الكرم*.
نزّه الانسان ملهميه من كل شائبة بل اصرّ على عصمة هذا وذاك ورفع من مقدرتهم فجعلهم من العلّيين، اقرب ما يمكن من عرش الربّ .وما كل ذلك الا لابعاد المنافسين ذوي الاتجاهات الفكرية النقيضة ، اصحاب الم الوجود وقلق الموت ايضا، لكن بنسخة معاكسة ، لذلك عند كل الحروب تسمع : حرب وجود وليست بحرب حدود.
عندما قويت الحجة وانتصب العلم كجواب على سؤال، تمرّد وخرج الانسان من دائرة الدين فاقام دولا عقائدية – علمانية، الا انّه لم يستطع الا وأن يكرّر تجربته الاولى، أن يربّب او ان يقدّس قادة حزبه وملهمي افكاره من مفكرّين، فاستحال ان يخطىء السيد كارل ماركس ، واستحال ان يخطىء لينين، و ارتفعت لهم التماثيل في الساحات ،وان كان من نقد علميّ فالجواب في عبادة الشخصية وعبادةالذات. اكثر من ذلك نجح هؤلاء ان يحولوا الحزب وتعاليمه الى دين جديد بحجة الثورية .
هو الانسان يعبث بكل ما حوله لعله ينقذ نفسه من حِيرته وقلق موته ومن أسئلة و الم الوجود لعله ينجو…
لن ينجو ،لا بالإيمان ولا بالكفر.
لن ينجو،لا بالعقلانية ولا بالعبثية.
يحصل كل ذلك و سرّ الطبيعة او الربّ يشاهدان من عليائهما الجميع، يريان كيف يعود الانسان لأرذل العمر وكيف يقهره الموت وما بدل تبديلا.
لا أنسنة الربّ بحقّ، ولا تأليه القادة بعمل جريء وصحيح وثوريّ .
منطق الرب مختلف عن منطق الانسان ولو تشابه فانه لا يتطابق، والحمدلله انهما مختلفان، فما ابشع الرب لو كان يفكر فعلا مثلما يفكر الانسان.
ايها الانسان الماكر والحائر والتائه بأمرك لا تتدخل بشؤون الرب ، دع ألم وجودك وقلق موتك وخوفك من المستقبل جانباً ، دع شرّك اللعين لك، لا تسقطه على محيطك.
اما خيرك فتأكد، فان الربّ والمؤمنين الطيبين الحقيقيين ليسوا بحاجة له.