علاج أمراض القلب والشرايين : قراءة في المشهد العلمي لمؤتمر موسكو
مؤتمر TCT Russia 2019 هو مؤتمر طبي عالمي يُنظمه معهد واشنطن للأبحاث العلمية حول أمراض القلب والشرايين، وهو اهم معهد اميركي في هذا المجال يُنظّم احد اهمّ المؤتمرات العلمية العالمية سنوياً في واشنطن او سان فرنسيسكو او سان دييغو في كاليفورنيا ،بحضور حوالي عشرة الى اثني عشر ألف طبيب وخبير أميركي وعالمي في هذا المجال. وهو أيضاً يُنظّم هذا المؤتمر في روسيا منذ سنوات، بالتعاون مع الأطباء الروس من اجل تبادل الخُبرات ونقل المعرفة عبر المحيطات والتسويق نوعاً ما للتفوّق الأميركي والتكنولوجيا والتقنيّات الأميركية .
لذلك وبعد مشاركتي في هذا المؤتمر للمرّة الثانية على التوالي ، استطيع القول إن أهمّ ما لفت إنتباهي خلال وجودي في هذا المؤتمر هذه السنة وفي هذين اليومين الأوّلين من إنطلاقه الأمور الآتية :
١- تصنيف تطوّر الدول في مجال علاج امراض القلب والشرايين على الصعيد العالمي :
إن روسيا لا تزال وبسبب نقص القُدرات المالية والإقتصادية ومراكز الأبحاث والميزانيات المُخصصة لذلك ، في مرتبة مُتأخرة في مجال التقدّم التكنولوجي والتقني مقارنة مع دول المُعسكر الغربي وخاصة بالولايات المتحدة الأميركية والكيان الصهيوني والمانيا وفرنسا واليابان وكوريا الجنوبية وبعض دول آسيا الغنية الأخرى مثل استراليا وسنغافورة وتايوان وهونغ كونغ، وحتى مُقارنة بدول مثل الصين والهند بحيث ان هاتين الدولتين الأخيرتين تتقدّمان بشكل سريع وكبير جداً في مجالات مُتعددة، من اهمّها صناعة جميع انواع المُسلتزمات الطبيّة ،وخاصة في مجال الروسورات المُتطورة من الجيل الثالث والرابع ،والصمّامات التي تُزرع بواسطة القسطرة والعلاجات التدخّلية للشريان الأبهر وغيرها كما سنرى لاحقاً . كذلك في مجالات البحث العلمي وإستعمال النانوتكنولوجي في تطوير اجيال جديدة من هذه المُستلزمات .
لكن هذا لا ينفي ان للأطباء الروس ورغم ضُعف الإمكانات المادّية المُتوفرة خِبرة سريرية واسعة وكفاءة مشهودا لها في كل المجالات، خاصة في مجال الجراحات القلبية وجراحة الشريان الأبهر. وعندما تتوفر لديهم الإمكانات فهم يُبدعون كغيرهم من الأطباء ويستنبطون احياناً طُرقا ووسائل إبداعية تدّل على عمق تمكّنهم علمياً وعلى تجربة سريرية قديمة .
في المقابل وامام التفوّق التكنولوجي للولايات المُتحدة والدول الغربية والمُتقدمة حيث يوجد الثقل الكبير في مجال البحث العلمي وحيث تُخصص ميزانيات هائلة من اجل ذلك، لفت إنتباهي الأمور الآتية :
أ- الدور المحوري الذي يلعبه اطباء وخبراء ومهندسو وضباط العدو الصهيوني في كل المجالات والأبحاث الجارية سواء أكان ذلك من خلال تطوير وإستعمال جميع وسائل الذكاء الإصطناعي والتقنيات الرقمية وتطوير الروبواتات الطبية او في مجال تطوير صمامات إصطناعية من المُمكن زرعها بواسطة القسطرة وتطوير تقنيات أخرى مُتنوعة وإبداعية لعلاج وترميم خلل وظائف الصمام التاجي والصمام الثلاثي الشعب في القلب الأيمن، او اخيراً وليس آخراً في تطوير وسائل جديدة تُعتبر ثورية في علاج مرض قور عضلة القلب ،حيث لفت إنتباهي كما قال احد المُحاضرين التعاون الوثيق بين اطباء القلب اليهود ومهندسي الشركات الطبّية وضباط الجيش الإسرائيلي وخبرائه ،وحيث ان هذا التعاون الوثيق وجلسات العصف الفكري التي يقومون بها انتجت إبتكارات طبية ثورية سوف يكون لها دورها الكبير في المستقبل القريب، بحيث انك تُصعق عندما تَعلم ان مُعظم التقنيّات الجديدة التي ستظهر قريبا قد تمّ إبتكارها او إيجاد فكرتها في إسرائيل، وهي تُسوق في العالم بإسم شركات اميركية واوروبّية مختلفة . وهذا واضح جداً في مجال تطوير الروبوتات القادرة حتى الأن مثلاً على إجراء بعض عمليات توسيع الشرايين الأوّلية- وليس كل العمليات الصعبة والمُعقّدة – بحيث ان الطبيب اصبح بإمكانه من وراء برج المراقبة وعبر مقودين او ثلاثة، ودون التعرُّض للأشعة، إدخال معداته وآلاته داخل الشرايين والتحكّم بها عن بُعد وحتى زرع الدعّامة او الروسور في المكان المطلوب فيه زرعه في داخل الشريان، وفي المكان المطلوب تحديداً وبدقّة عالية جداً، تحت مراقبة التمييل او القسطرة عن بُعد او بواسطة تقنيات التصوير الطبقي المحوري Scanner او حتى عن طريق تقنيات التصوير بواسطة الرنين المغناطيسي MRI .وهكذا سوف يُصبح ممكنا اجراء هذه العمليات ونحن مُستلقين على شاطئ البحر في جزر المالديف او في هاييتي او في جزر الكناري او غيرها من المنتجعات دون الحاجة لأن يكون لنا تواجد مباشر في غرفة العمليات. وهذا كله يعود طبعاً عائد لتقدّم وسائل الإتصالات ووصول الجيل الخامس 5G منها ،والذي سيسمح بالتحكّم عن بُعد بكل الأوامر التي نصدرها عبر منصّة المراقبة.
وقد لفتني ايضاً دور العسكر الإسرائيلي في تطوير تقنية جديدة لعلاج قصور عضلة القلب عن طريق زرع حساسات في الاوردة الرئوية، تستشعر إرتفاع الضغط في غُرف القلب وتُنذر الطبيب والمريض بضرورة تعديل او زيادة او تغيير بعض انواع الأدوية لإستدراك الامر قبل تدهور حالة المريض، وهذا ما سيشكل ثورة كبيرة ايضاً في هذا المجال ،لأن قصور عضلة القلب يُعتبر حالياً اهم سبب للدخول المتكرر للمستشفى بسبب امراض القلب وهو احد ابرز اسباب الوفيات من هذه الامراض .
امّا ما يلفت إنتباهك من ناحية اخرى فهو دخول الهند ( والذي كان قد بدأ منذ فترة طويلة وهو ليس بمُستغرب كون عدد كبير من الخبراء والأطباء الأميركيين من اصل هندي ونقلهم للتقنيات وللتكنولوجيا الى بلادهم عبر إفتتاح شركات تُقدّم ذات الخُبرات والخدمات المُتوفرة في اميركا بأسعار تنافسية قوية نتيجة اليد العاملة الرخيصة في الهند ،والسوق الواسع لهذه الشركات التي لا تكتفي فقط بالتسويق في الهند، بل نجحت ووسّعت مجال أعمالها لتُنافس في اوروبا واميركا نتيجة الأسعار المُنخفضة والجُودة الكبيرة والمؤكدة لمنتجاتها.
اما الصين فهي تسير بسرعة صاروخية في كل المجالات. وبعد ان كان العالم الغربي تحديداً لا يثق كثيراً بكل المعدّات والتقنيات الصينية، اصبحنا اليوم نرى الصين تتقدّم في مجال الأبحاث والإبتكارات العلمية ،واصبح للأطباء الصينيين دورهم الكبير على المنصّات العلمية وفي كل المجالات والابحاث الدائرة حالياً ،لأن الصين تُنفق حالياً اموال طائلة في كل مجالات البحث وخاصة الطبية منها بعكس ما كان يحدث في السابق، اي قبل عشرين سنة تقريباً . وقد اصبحت الآلات والمعدّات التي تُصنع في الصين موضع ثقة متدحرجة نحو الأمام ،وخير دليل على ذلك ما حصل مع شركة هواوي للإتصالات ،حيث ان النموذج الصيني في مجال الطب يحاول ان يعطيك ايضاً نوعية وكفاءة عالية بسعر مقبول ،وهذا ما يُقلق ويُؤرق الشركات الغربية في كل المجالات.