لماذا تغطّي قوى السلطة بعضها البعض وترفض لجان التحقيق؟
هل غريبٌ أن تصوت قوى "المستقبل" و"الإشتراكي" و"القوات اللبنانية" ضد فتح تحقيق في ملف الاتصالات والإنترنت؟
الانطباع أن هذا الأمر ليس غريباً، وطبيعي جداً لاسباب بديهية…
هل يمكن توقُع أن تبادر قوى السلطة المشاركة في منظومة المحاصصة والفساد إلى التوقيع أو المبادرة إلى اتخاذ قرارات وإجراءات من شأنها أن تؤدي إلى كشف فضائحها وعوراتها، فتبدو وكأنها من يشنق نفسه ويلف الحبل حول رقبته؟
المطالبة بالتحقيق في جرائم الفساد والنهب لا يمكن أن تصدر عن قوى في داخل السلطة ومشاركة فيها. أي قوّة غير قادرة على التشهير بالأخرى. جميعها "دافنينو سوا". إذا تجرأت إحداها، لسبب أو لآخر، على مباركة خطوة مماثلة، فإن القوى الأخرى ستقذف بكل ما في جعبتها من حمم في اتجاه الأخرى، وبالتالي يحوّل كل هذا المسار إلى علاقة صفرية مؤذية للجميع، لكثرة ما ارتكبوا وظلموا وأفسدوا… فمن هو في داخل السلطة سيرفضها، ومن هو خارجها ومشتبه بتورطه لن يقبل بالتحقيق في ملفات ومخالفات يعتبر نفسه متورطاً فيها.
على كل حال، يختزن الفساد في الدولة، والجرائم المالية التي ارتكبت في حق اللبنانيين، والكثير من الملفات المخفية التي لا تحتاج إلا الى من يشمّر عن زنوده في القضاء وينفض الغبار عنها… فمن سيبادر إلى فتح تحقيق حول عمل إدارات الدولة والسارقين فيها، وما يحصل في الخليوي والاتصالات والمرفأ والريجي والكازينو وغيره وغيرها ؟ من سيحاسب من صادروا أراضي المشاع بتغطية القانون؟ من سيفتح قضية المساعدات الإجتماعية لجمعياتٍ وهمية؟ من سيسائل في مسألة حرمان شعب من كهرباء تنعم بها اكثر جول العالم؟ او في صفقات النفايات، والبنى التحتية غير المُنجزة؟ من سيحقق في بيع وطن بكامله؟
في بلد يستظل مرتكبوه حماية الطائفة ورجالها الزمنيين والدينيين، وفي بلد يحتاج إلى معادلة 6 و6 مكرر ليحاسب الفاسدين، لا يمكن لتحقيق جدي أن يبصر النور في جرائم السرقة والفساد والإفقار، طالما أن المحاسبة موقوفة على جدران النظام التحاصصي الطائفي…
إذن، استيقظوا من حلم المساءلة والمحاسبة القضائيتين، لأن كل مرتكب سيحمي الآخر كما المافيا… أما المحاسبة الحقيقية فمسارها ينطلق في حال وحيدة هي استعادة الدولة وتطبيق الدستور والقوانين على الجميع بغض النظر عن الحمايات المذهبية والطائفية…