سياسةمحليات لبنانية

رائحة الصفقات وتقاسم المرافق تفوح من أوكار الشفافية وقصور النزاهة!

 

أي نوع من "الإصلاحات" هي  التي أقرت  في مجلس الوزراء المنعقد على وقع أقدام المنتفضين ممن كفروا بالفقر وتوجسوا من ملامح انسحاب دولة الرعاية من شؤون الفقراء وذوي الدخل المحدود، بالرغم من قوى سياسية وازنة لم تجد لها حصناً تحتمي به سوى شعار الوعد بعدم المس بالفقراء وذوي الدخل المحدود، وعدم فرض ضرائب جديدة تطالهم.
أي تحولات هي التي جرى التأسيس لها اليوم تحت عنوان تعزيز النزاهة والشفافية وتغطية التفاهمات والتحالفات والتسويات الجهنمية ؟!
لا شك بأن التدخل والتهديد الخارجي واضح المعالم والمؤشرات، وأن التبصر بما يجري حولنا في المنطقة ومراعاته أكثر من ضروري، والأرجح أن ما شهدناه في لبنان من أحداث وتحركات خلال الأيام الأخيرة يندرج في هذا السياق، ولكن هل يبرر ذلك هذا الارتماء الرخيص في حضن "الإصلاح" والتسليم لرغباته الى هذا الحد وبهذا الاندفاع؟!
غريبة وغير مفهومة خلفيات  ما تقرر في مجلس الوزراء وهو برأيي خطير جداً!
لا يمكنني أن أرى فيه، وهو يحصل على وقع أنغام مظاهرات هزت قلب المدينة وتحت عنوان تنظيم الشراكة بين القطاعين العام والخاص، سوى التمهيد لسلسلة جديدة من عمليات النهب المنظم للمرافق العامة، التي انطلقت  بداية تسعينات القرن تحت اسم الخصخصة وذريعة تسهيل عملية إعادة الإعمار، بدءاً من مشروع سوليدير وخصخصة قطاع خدمة البريد والخلوي، التي كان يفترض أن يتم تمويلها من المستثمر وتعزز واردات الدولة، وتبين أن تمويلها تم من جيوب المواطنين وأنها كلفت الدولة التعويض على الشركات بمئات ملاين الدولارات، وإذا كان من حسنة نعترف بها فهي أنها وفرت وظائف جديدة وإنما معظمها للمحسوبين على القوى السياسية الفاعلة وبرواتب عالية استهلكت نسبة مهمة من الإيرادات غير الصافية لهذه الأنشطة.
اللبنانيون لم ينسوا بعد من ارتكب بالأمس القريب جريمة الاستيلاء على أملاك المواطنين وحقوقهم العقارية وملكياتهم  في الوسط التجاري للعاصمة، تحت اسم مشروع سوليدير وحجة إعادة إعمار بيروت، الذي تمدد لاحقاً إلى البحر عن طريق الردم، ولامس طمعه أهم أحواض مرفأ بيروت، وربما الأعمق على ساحل المتوسط بين المرافئ غير المعادية.
لقد تعرفنا خلال العقد الأخير من هذا القرن على من استولى بوضع اليد على مرافق الطاقة والمياه والنفط ،واستغل  بدون منازع قطاع الكهرباء واستثمر، ومدد لاستثماره، في البواخر، ولزم تأهيل خزانات النفط  واستثمار قدرتها التخزينية، ومنح امتياز استثمار الطاقة من الرياح ومن الشمس وسهل لكهرباء زحلة الاستمرار في استثمار امتياز انتهى، بالرغم من كل الصخب الدائر وما يزال حول كل ما تناول هذه المرافق.
دعونا اليوم نعرف من ينوي تملك أسهم "اليسار" و "الينور" ومن سوف يرتب أراضيها وعقاراتها ويعيد بناءها  "أجمل مما كانت، بعد صدون قانون الإيجارات التهجيري الذي حرر باقي العقارات المحيطة بالوسط التجاري ومن حصة أي طائفة أو مرجعية سياسية سوف تكون؟ ولمن سوف تعود مساحات التمدد عن طريق ردم البحر بالنفايات هذه المرة وليس بركام وحطام أبنية المدينة القديمة المطحونة بالحرب؟!
من حصة من سوف تكون مشاعات الدولة الناجية من صفقة التحرير والتحديد، وكذلك الأملاك البحرية والنهرية؟
ولكي لا نقفز فوق قطاع النفايات بعدما شبعوا من الاستثمار فيه، نذكر بأن ما بقي منه للوزير الحالي يقتصر على الاستثمار بالفرز وحقائب التسوق  البديلة عن أكياس النايلون.
لمن سوف تكون الميدل ايست ومرفأ بيروت وهل سوف يتغير إسم مطار رفيق الحريري ومدينة كميل شمعون الرياضية؟
من سوف يلتهم قطاع الخلوي ويبتلع شركة الخدمات البريدية؟!
وهل أن دمج  المؤسسات هو لتسهيل بيعها بالجملة مثل حزم الألياف الضوئية؟!.
بالمقالع والكسارات طحنوا الجبال وباعوها، وبالجرافات بالغوا في استخراج الرمول من المحافر حتى أفقدوا جذور الشجر تماسكها ورموا نفاياتهم في نهر الليطاني.
استثمروا شوارع المدن بعدادات الوقوف العابر واعترفوا للبلديات بالفتات بعد تنزيل "مصاريف الصيانة"، على غرار ما فعلت شركتا الخليوي بتحويل "صافي" إيراداتها إلى وزرة الاتصالات بعد إجراء المقاصة مع مصاريفها، التي انكشفت فضائحها خلال الأيام الماضية وحاول وزير الاتصالات ستر فضيحة شراء المبنى المستأجر في اغلى منطقة في قلب العاصمة،  عن طريق تعزيز وارداتها من "فكرة" الـ 20 سنت البلهاء، التي كان "معاليه" يخفي خلفها هدية لطيفة يفاجئ بها المواطنين. وقد مر كل ذلك دون أن تتحرك أي جهة رقابية معنية بحماية المال العام، من غير المدعي العام المالي، الذي وقف عند حدود حصانة الوزير وحمايته السياسية والطائفية، ودون أن تصل رقابة السلطة التشريعية إلى التحقيق في توازن  بنود العقد والمطالبة بتقديم وتدقيق حسابات ونتائج استثمار القطاع خلال السنوات الماضية المنقضية منه.
في الماضي كذبوا علينا وصدقنا أن "البلد مش للبيع" واليوم قد باشروا الإجراءات التمهيدية لتصفية المنافع والمرافق العامة المفترض أن يحميها الدستور فلا تستثمر إلا بقانون، وبوضع اليد على ما تبقى من حقوق للمواطن فيها. وقد رأينا السلطة التشريعية تتخلى عن صلاحياتها لـ "وزير" يتصرف بها بتغطية من مجلس الوزراء. 
لمن يتعظ من تجارب الآخرين نحيله إلى أسلوب يلتسين  في بيع المرافق العامة ومؤسسات الاتحاد السوفياتي وندعوه لمراجعة أسماء المافيات وأغنياء الحرب المستفيدين من "انهيار الاتحاد على وقع تدخل خصمه في الحرب الباردة التي بدأت مع انتهاء الحرب العالمية الثانية واستمرت حتى انفضاض تحالفاته مع  الدول الدائرة في فلكه، بنتيجة تحريك الجماهير عن طريق تحفيز العصبية وانفعالات العواطف الدينية؟!
وعلى أمل أن نكون قد أفدنا المتسائلين عن جدوى الانتفاضة و"غضب الجماهير" ونتائج اعتراضها  والحاجة إلى مزيد الاعتراضات والحراك، نستودعكم هذه الحقائق على أمل أن نلتقي في العام 2020 لنتعرف على ما تحقق من وعود الإصلاحات وأثرها في معالجة أزمة المالية العامة ومديونية الدولة، فإلى اللقاء وتصبحون على وطن!

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى