كل شيء منك.. يبقى

أيها الساكن في التفاصيل اليومية
صقيع الفجر صُبابة وضوئك
صدى خطاك نحو سجادة الصلاة
بسملةٌ ترددها شفاهك
تسابيح مناجاتك
عذب دعائك البسيط كبساطة امانيك
حفيف الأغصان على اشتداد الرياح
زقزقة العصفور الذي يأبى الرحيل
عن أوراق ذابلةٍ في شتائك
كلهم جوقةٌ أنت قائدها
وعزفكم طلوع الصباح…
صباح الخير يا أبي

أيها الساكن في التفاصيل اليومية
هذا قرع محراثك يخضب جبين الأرض
معولك يبث فيها دفئاً وطهر بذور
حبيبات عرقك تحنو على عطش التراب
شتول التبغ تشرئب لتلثم عينيك
شامخات الزيتون تنحني لتقبل يديك
زيتها يلتمس من أوردتك الضياء
أوراقها تأبى الذبول جبراً لخاطرك
تحن إليك أيما حنين
وتشتاقك أيما اشتياق
هي لم تقرأ في قاموسك مفردة الفراق
لم تعهد ممن كان مثلك أن يرتاح
تفخر بما خطته يداك الأميتان على نسيجها
من اسفار العشق
ومحفوظ الألواح
لم تحسب أن موسى يلقي مطرقته يوماً
وأن حجارة الطوب والحقل لا تلين بين يديه
بل تصطف طائعةً لأمره دون ادنى تأففّ
ميلٍ أو انزياح
طريق العودة نحو المنزل يسابقك
ليعد لك طعام الغداء
ليسقيك من يديه سلسبيل ماء
يدعو لصلاتك بالقبول
ويناغي وسادة تلقي عليها رأسك المتعب
وجسدك المضمخ بأشواك الحقول
بطعنات الدهر
وآلام الجراح
كل الجهات لك دروبٌ لتعبر
إن ضربت لججها بعصاك…
لستَ من معاشر الأنبياء
لكنك حتماً سليل أنقياء
تقسم بك شجيرات التين
وتبتغي بفعلٍ عكسيٍ أن تعيدك إلى الجنة
ثمارٌ تتدلى بجانب بيتنا القديمِ
وشجرة تفاح…
سلام الله عليك يا أبي

أيها الساكن في التفاصيل اليومية
ظلك لا يفارق ركن المدفأة الوادعة
مقعدك يردد عذب حكايا المساء
وفي ركن المنزل ليثٌ يغفو
يداه تمتدان لتمسحا شغب الطفولة
عن رؤوسنا الحالمة
بدفءٍ وحبٍ ووردٍ
وطلع أقاح
بابتسامة رضا تعلو جبينك
إن هرولنا نحوك
نحمل شهادات النجاح
ومن ذات السرير تمتد أنفاسك
لتوصد الأبواب بقوةٍ
فلا يدنوها سارقٌ أو مارقٌ
لا عادياتٌ
ولا رياح
فنغفو ويهنأ المنام
ويطالعنا بجميل تباشيره
عبق الضوء
عند الصباح…
مساء الخير يا أبي

أيها الساكن في التفاصيل اليومية
صورتك ابجديةٌ التضاريس المحيطة
ووجهك المنصهر في كل الأشياء
ينطق بكل اللغات
يلوح بين كل الأصوات
يلوِّح بنظراتٍ تطوي المسافات
أشيح الوجه عنك ولكن
يرتد وجهي دوماً إليك
فأنت كل الجهات
سعة الذاكرة تملؤها حكاياك
وما كنت تصدره
من عذب الكلمات
كل شيءٍ منك يبقى
كيفما استدارت عقارب الأيام
بين شفقٍ وغسقٍ
سحرٍ وفجرٍ
شروقٍ وهاجرةٍ
غدوةٍ ورواح…
أشتاقك بكل أنفاسي يا أبي