من هم “الناس” في لبنان؟
كثيرا ما يتردد في لبنان تعبير "الناس" للدلالة على "الشعب اللبناني الواحد الموحد" في مواجهة السلطة أو الحكام أو الطبقة السياسية بوجه عام،وفي ذلك مغالطة كبرى يستخدمها الهاربون من مسؤولياتهم ،سياسيين وإعلاميين ونخبا.
ذلك أن "الناس" في أي مجتمع ،ليسوا واحدا موحدا في مواجهة "صنم ما".ولبنان لا يشذ عن هذه القاعدة .وعليه ليس وصفا منطقيا إطلاق صفة "الناس" على الحراك الشعبي بصورة شمولية.فالطبقة السياسية هي من الناس ،حكومة ومجلسا نيابيا .والأجهزة الأمنية هي أيضا من الناس،وكذلك هي السلطة القضائية.والأحزاب الموالية للحراك أوالرافضة له هي من الناس ، والذين اجتاحوا "الرينغ" وساحتي الشهداء ورياض الصلح هم من الناس.حتى أن أعتى الفاسدين الذين ركبوا موجة الانتفاضة هم أيضا من الناس.
يغيب عن بال البعض أن لبنان ليس سلطنة عثمانية أو خلافة أموية أو عباسية ،أو ملكية يتوارث قيادتها حكام ،"أبّاً عن جدّ" ،من دون استشارة الناس أو الوقوف على رأيهم.فالناس في لبنان هم الذين ينتخبون وكلاءهم في مجلس النواب الذي ينتخب رئيسهم ويختار رئيس حكوماتهم التي تعين موظفيهم من كبارهم الى صغارهم.
وبعض الناس في لبنان هم الذين يغطّون أحزابهم ومرجعياتهم ويرفعون شعارات "بالروح بالدم نفديك يا…"،فيما يمقت بعضهم الآخر هذا الشعار.
والناس في لبنان(غالبيتهم وليس "كلن يعني كلن" حتى لا نظلم أحدا) انخرطوا في منظومة الفساد رغما عنهم ،من قليل الأمور حتى كثيرها،ومن أدنى المخالفات القانونية حتى كبيرها.فالمال السائب يعلم الناس الحرام.تلك هي القاعدة الحكيمة.لكنّ من يسرق رغيف خبز ليسد جوعا ،ليس كمن يسرق فرنا ليكدس ثروة .وغالبا ما يُحاسَبُ سارق الرغيف فقط.
وللناس في القرآن الكريم واحدة من أبلغ قصار السُوَر :
بسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1) مَلِكِ النَّاسِ (2) إِلَهِ النَّاسِ (3) مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ (4) الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ (5) مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ (6)
وفي هذه السورة إشارة واضحة الى دور الشيطان في أبلسة الناس،فمنهم من يسقط في شره ،ومنهم من يعتصم.
وعليه،فإن التعميم في استخدام كلمة "الناس" ليس منطقيا.فالناس ليسوا واحدا..إلا في نظر الشيطان!