حتى أنت يا شربل نحاس..
لا يمكنك وأنت تستمع إلى كلمات الوزير شربل نحاس النقاشية إلا وتنتابك خيبة أمل كبيرة لما حوتها من مضمون عنصري عند حديثه عن شيعة الجنوب، وهذا ما لم نعتده منه، وتخاذلي في اعتباره أن أكثر اللبنانيين ليسوا ضد إسرائيل، وهذا أيضاً ما لم نعتده منه، واستسلامي في جزمه بأن سلاح المقاومة وأهلها مشكلة لبنانية كبيرة يجب العمل على حلها ، وهذا وللأسف ما لم نعتده منه. ولم يكن هذا الكلام مسرّباً أثاره صاحبه في جلسة خاصة بعيدة، بل إنه، وحسب ما قال ولو بشيء من التبرير الغريب، كان في سياق نقاش أمام مئات من الناس. وذلك يدل أن الرجل الذي كان لسنوات يتمنطق بمنهجية معينة على شاشات التلفزة، ومنها شاشة المنار، قد بدل منهجيته وأن ما قاله أمام مئات من الناس لم يكن زلة لسان أو حماسة لم يعِ شدتها.
وعلينا أن نسأله في هذا المقام: ما الذي غير من قناعاتك وآرائك التقدمية التي كانت محل إعجاب الناس وتقديرهم، ومنهم صاحب هذه السطور؟ أليس الوضع المزري الذي نعيشه وليد سنوات بل عقود طوال؟ اليس الفاسدون الذين دمروا البلاد وأفقروا العباد هم أنفسهم منذ ثلاثين سنة؟ فماذا دفعك فجأة للتصويب على المقاومة في حراك أو انتفاضة أو ثورة أو… يطالب فيها الفقراء الشرفاء بالعيش الكريم وسياسات مغايرة لما ساد من العقود الفائتة؟ لماذا احتقارك طائفة من اللبنانيين، وأنت العلماني إلى حد التطرف، واتهامك لها بنثر الأرز على العدو واحتضانه ونسيت بطولاتها وتضحياتها ومعاناتها التي بدأت منذ ما قبل احتلال فلسطين ولم تنتهِ إلا بعد أن حرر أولادها الجنوب وطردوا الأعداء دون قيد أو شرط؟ وما معنى التأكيد على أن أكثر من نصف اللبنانيين ليسوا ضد إسرائيل؟ أفلا يعني ذلك أنك منهم؟ والسؤال الأهم من كل ذلك: ما هو وجه الربط في هذا الحراك بين أزمات الناس المعيشية وسلاح المقاومة؟ فهل يجب أن نصدق ما يقوله البعض أن الحراك الذي بدأ عفوياً في كل الساحات ومن كل الفئات بات يأخذ منحى جديداً من قبل من لا يحمل العداء لإسرائيل، في الداخل والخارج، لأجل ضرب المقاومة بطريقة جديدة مغايرة بعدما فشلت كل الطرق الأخرى؟
لقد رأى فيك الكثيرون الثائر الحقيقي ضد الحريرية السياسية ورموزها وممارساتها ومآلاتها بعيداً عن كل الإغراءات التي يمكن أن تضعف من عزيمتك، وذلك من أجل الناس والفقراء والمساكين من شعب هذا البلد. ورأوا فيك الرمز المسؤول، البعيد عن الانتماءات المتعددة من دينية أو مناطقية أو سياسية. ورأوا فيك الممثل الأبرز للحراك القائم للوقوف في وجه حيتان الفساد والنهب الذين طالما هاجمتهم على شاشة المنار وإذاعة النور وغيرهما. ولكن وللأسف، لقد بعت هؤلاء كما باعوك، وخسرتهم كما خسروك، ولكن وبطبيعة الحال، فهناك من سيحضن خطابك المختلف وتوجهك المغاير وانتماءك الجديد الموافق لخطابهم وتوجهاتهم وانتماءاتهم، فهنيئاً لك بهم، ولهم بك.
إن كان نقاشك الأخير تحولاً نوعياً وانقلاباً مفاجئاً في قناعاتك لأسباب لا نستوعب حيثياتها إن أردنا أن نحسن الظن بك، فهو أمر لا يمكن تفسيره أو تبريره، أو أن ذلك النقاش كشف خفايا بواطنك الحقيقية التي لم تفصح عنها سنوات طوالاً فإنك في ذلك قد خدعتنا والأمل الذي كنا ننشده في شخصك وأحلامك ونظرتك الاقتصادية والسياسية لهذا الوطن. وإن كان ما كان هو عدوى أصابتك من أولئك الذين طالما ثرت عليهم وهاجمت فسادهم وجشعهم ومواقع لهم في السلطة، فنقول مع القائلين: حتى أنت يا شربل نحاس…