سياسةمحليات لبنانية

هل بات الانتحار طريقاً للخلاص؟


إن أكثر ما يثير الاشمئزاز في راهن ما نعيش هو إظهار بعض السياسيين تعاطفهم وتأثرهم الكريه تجاه من أنهى حياته بعدما ضاقت عليه الأرض بما رحبت ولم يجد الخلاص إلا في مشنقة علُقها بيديه، أو رصاصة بندقية أطلقها في رأسه أو…
فزعماء السلطة وأتباعهم، على اختلاف مناصبهم في الحكومة أو المجلس أو سواهما، زرعوا اليأس والإحباط في نفوس المواطنين، وخصوصاً أصحاب الدخل المحدود والمياومين طلباً للرزق اليومي والفقراء وقد بدأ يكبر عددهم مع كل سنة، لكنهم من أولئك الذين يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف.
لا يمكن لمن سرق أرزاق الناس لعقود طويلة أن يفقه لغة العوز والجوع وأنات الأطفال الذين لا يجدون في كل وقت لقمة عيش، أو قطعة ثياب، أو مدرسة يحتمون بين جدرانها هرباً من الأمية والجهل. لا يمكن للزعيم المفدّى أن يعي مآسي الناس وهو يعيش في القصور الشامخة ويمتلك السيارات الفارهة والطائرات التي تأخذه وعائلته إلى كل الآفاق، ولا يرى في الناس إلا أرقاماً تمدّه بأصواتهم عند الانتخابات، ولا يسمعهم إلا حينما يهتفون باسمه، كما هتفوا باسم أبيه وجده من قبل، وسيهتفون لابنه وحفيده بعد ذلك.
إن أكثر ما يثير الاشمئزاز، خطاباتهم وتصريحاتهم في النزاهة والعفة ونظافة الكف، وكل تاريخهم يحدث عن جرائمهم التي طالت كل الموارد، ونراهم اليوم، كما من قبل، يستخدمون الضحايا وعوائلهم أوراقاً سياسية ليكسبوا من خلالها موقعاً جديداً. لا يمكن لعواطف هؤلاء أن تتواضع وتنزل من بروجها العاجية لتعانق صرخة أب لم يستطع تلبية حاجة ابنته لشراء ما تسد به رمقها.
لا شك أن الانتحار مذموم لاعتبارات عديدة، ولا تبرره هذه الأسطر أبداً، لكن دراسة الحال الذي وصل إليها من قتل نفسه قد تنبئ بأمر لا يمكن لنا أن نفهمه أو نعيش حيثياته النفسية لأننا بعيدون عن ظروف تلك الحال. قد يتحمل المرء منا إحساس الجوع والعطش والبرد، لكنه لا يمكن أن يتحمل إحساس أطفاله بأي منها، خصوصاً وأنه عاجز عن حمايتهم ورفع الظلم عنهم. وقد نقل التراث قول الصحابي المعروف أبي ذر: "عجبت لمن لا يملك قوت يومه كيف لا يخرج على الناس شاهراً سيفه".
آن الأوان للإقطاع أن يزول في هذا البلد العزيز، وآن الأوان لنهاية سيطرة العائلات الارستقراطية وأزلامها وتحكمهم بمصائر الناس وأرزاقهم، وآن الأوان لسقوط هذه السلطة الفاسدة التي دمرت العباد وقتلت كل الآمال القريبة قبل البعيدة، وآن الأوان لنا أن نختار رموز الجكم بعيداً عن الطائفية والمذهبية والتعصب والتحزب، فلقد أسهمنا بخراب البلاد عندما أسأنا الاختيار.
وأخيراً، لا بد لهذا الحراك من بوصلة تحدد توجهه، فينطلق بخطوات ثابتة واقعية ومعقولة لتغيير الواقع المعيشي كأولوية طارئة، لتأتي الخطوات بعدها في الشأن السياسي والقانوني وغيرهما، فأغلبية اللبنانيين سئمت من أوضاعنا العامة والخاصة، والكل يسعى للتغيير، وليس هناك من فئة لا يطالها الظلم والفساد وضلال الطغمة الحاكمة.
لذلك علينا أن نغتنم فرصة خروج الناس من قمقم عانوا في غمراته طويلاً، ووعوا مدى بشاعة الحكام وممارساتهم، على ألا تدفعنا حماسة هذا الخروج إلى هاوية الحرب التي شهدنا ظلالها منذ أيام، بل نرسم هيكلية مطالبنا بما يتلاءم مع الواقع القائم، فإن إقفال الطرقات وإذلال الناس ومنعهم من الذهاب إلى أعمالهم، ورفض الحوار بكل أشكاله، وغير ذلك من الممارسات التي يحركها بعض الأحزاب الفاسدة التي وجدت لها طريقاً في قلب الحراك، كل ذلك سيزيد الأزمة تعقيداً، ويربك الأوضاع الاقتصادية أكثر، وقد نصل حينها إلى مفترق طريق يكون أشبه بانتحار شعب بأكمله.   

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى