سياسةمحليات لبنانية

قالت الصحف: الطوائف تملأ الفراغ

 

الحوارنيوز – خاص
هي المؤسسات الروحية الرسمية دخلت أمس بقوة لتحاول ملء فراغ المؤسسات الدستوريةالدستورية.  فبين موقف دار الإفتاء بشأن مرشح الطائفة السنية لتولي مهمة تأليف الحكومة المقبلة وبين الكلام الإتهامي والأحكام التي أطلقها المطران الياس عودة، دخل لبنان مرحلة من الإصطفافات الدينية التي قد يكون لها تأثير جلي على وحدة هذه المؤسسات الروحية!
صحيفة "النهار" عنونت:" الحريري مرشحا وحيدا … وحيدا في مواجهة الأزمة؟ وكتبت تقول: بات سعد الحريري المرشح الاوحد لرئاسة الحكومة المقبلة، وربما لمواجهة الازمة، ذلك أنه على رغم تلميحات الى وجود اسماء اضافية الا ان الغطاء السني الذي اعلن عنه من دار الفتوى لم يعد يسمح للاخرين بتجاوزه، كما لا يتيح للحريري نفسه امكان الرفض. وقد تأجلت الاستشارات النيابية ليل أمس بعدما حسمت نتائجها منذ العصر عندما اعلن المهندس سمير الخطيب عزوفه عن الترشح للمنصب و"اعادة الامانة الى صاحبها" الذي كان سماه ودعمه أي الرئيس سعد الحريري. وقد انتهت الاستشارات من دارالفتوى، قبل ان تسلك طريق القصر الجمهوري، في بادرة تثبت عقم النظام الذي يتبجح بميثاقية تكاد تضرب الاسس الدستورية للجمهورية، اذ باتت الاتصالات التي تسبق الاستحقاق تلغيه وتلغي دور المؤسسات والنواب وتكتلاتهم. وبدا امس بوضوح ان السحر انقلب على الساحر انطلاقا من اعتماد مبدأ القوي في طائفته الذي الغى الدور الفعلي للمؤسسات، ليأتي اخراج العزوف مسيئا الى المؤسسات، وخصوصا الى الرئاسة الاولى التي دعمت الخطيب، فاذا به يتفق مع مرجعيتيه الطائفية والسياسية، ولا يقيم وزناً لمجموع الاتصالات والدعم السياسي الذي واكب عمله في الفترة القصيرة السابقة.


واذا كانت دوائر قصر بعبدا أبدت شكوكها في امكان المضي بالخطيب مرشحاً محتملاً للتكليف، وأبدى الثنائي الشيعي رغبة في عودة الحريري عن عزوفه، الا ان الاخراج ولد استياء، ولو شكليا، في مقري الرئاستين الاولى والثانية، وارباكا سياسيا، اذ ان الاستشارات كانت لترسو على الحريري قبل الاتفاق معه على شكل الحكومة المقبلة، واسماء الوزراء والمستوزرين. وتعتبر مصادر متابعة ان "التكليف من دون الاتفاق سيؤدي حكما الى عدم التأليف والاستمرار في تصريف الاعمال الى امد طويل، يعتقد البعض انه قد يمتد الى الربيع المقبل ليتزامن مع الحكومة العراقية، في عملية ربط للنزاعات القائمة في المنطقة واعتبارها سلة واحدة يتم الاتفاق عليها دفعة واحدة".

وتحت عنوان:" أنا أو لا أحد… وبشروطي .. الحريري من التعطيل الى الإبتزاز" كتبت الأخبار:" مرة جديدة يحرق سعد الحريري اسماً كان يفترض أن يخلفه في رئاسة ‏الحكومة. سمير الخطيب اعتذر من دار الفتوى، بعد أن سمع منها تأييداً لعودة ‏الحريري. لكن ذلك كان مكلفاً. الحريري ودار الفتوى معاً أعطيا المشروعية ‏لمبدأ التفاهم على اسم الرئيس المكلّف قبل الدعوة إلى الاستشارات، ما يعني ‏التأليف قبل التكليف. وبذلك، يكون الحريري قد انتقل من التعطيل إلى ‏الابتزاز: أنا او لا احد، وبشروطي. هذه المرة، يستند إلى موقف طائفي ‏صريح، وإلى شروط دولية يُنتظر أن تظهر في مؤتمر باريس للمجموعة ‏الدولية لدعم لبنان الخميس المقبل


كل المؤشرات كانت تدل على أن مصير سمير الخطيب سيكون كمصير بهيج طبارة ومحمد الصفدي. "السادية" ‏السياسية التي يمارسها الرئيس سعد الحريري صارت مكلفة جداً. البلد في انهيار مالي واقتصادي غير مسبوق، فيما هو ‏يتلذذ بتقديم الأضاحي على طريق وصوله إلى السراي الحكومي… ودائماً تحت شعار: "ليس أنا بل غيري". ولذلك، ‏تحديداً فإن سؤال ما بعد تأجيل الاستشارات النيابية إلى الإثنين المقبل، سيكون من هو التالي على لائحة الحرق؟ حتى ‏الآن ثمة اسمان على الطاولة: نواف سلام وفؤاد مخزومي‎.


لم يكن مفاجئاً أن ينسحب الخطيب، لكن السيناريو هو الذي لم يكن واضحاً، فإذا بالإخراج يأتي سيّئاً وطنياً وطائفياً. ‏‏"علمت من سماحته أنه نتيجة اللقاءات والمشاورات مع أبناء الطائفة الاسلامية تم التوافق على تسمية الرئيس سعد ‏الحريري لتشكيل الحكومة المقبلة"، قالها سمير الخطيب، بعد لقائه المفتي عبد اللطيف دريان. ثم "أبلغها" للحريري، ‏الذي يُتوقع أن يكون، لزوم الحبكة الدرامية، قد فوجئ بقرار الخطيب الانسحاب‎.

ذلك السيناريو كان نضج مع بيان العائلات البيروتية، ثم مع زيارة الوزير نهاد المشنوق إلى دار الفتوى، لكن حق ‏السبق يبقى محفوظاً لرؤساء الحكومات السابقين. هؤلاء كان هالهم، على ما جاء في بيانهم، "الاعتداء السافر على ‏صلاحيات النواب بتسمية الرئيس المكلف من خلال الاستشارات النيابية الملزمة لرئيس الجمهورية بإجرائها ‏وبنتائجها". لم يجدوا صعوبة، حينها، في اتهام رئيس الجمهورية وصهره باستباق الاستشارات و"ابتداع ما يسمى ‏رئيساً محتملاً للحكومة‎".

أمس تبيّن أن المشكلة ليست بالاعتداء على صلاحيات النواب بتسمية الرئيس المكلّف، بل بالجهة التي تعتدي. ولذلك، ‏فإن الاعتداء من دار الفتوى مسموح في هذه الحالة، ويقع في موقعه الطبيعي‎!

لكن هذا لا يلغي أن الحريري ودار الفتوى قد خطوا خطوة يصعب التراجع عنها. وهما أعطيا المبرر لعون، ولأي ‏رئيس يأتي من بعده، ليعمد إلى التفاهم على اسم الرئيس المكلف قبل أي استشارات. هكذا ببساطة، وبعد أن حفلت الأيام ‏الماضية بحساسية عالية من "تخطّي الدستور" و"استباق الاستشارات"، أعلن دار الفتوى على الملأ، وقبل ‏الاستشارات، تسمية الحريري لتشكيل الحكومة المقبلة‎.


خير من عبّر عن هذه السقطة كان بيان للقاء التشاوري وتغريدة للنائب فيصل كرامي. فقال اللقاء، بعد اجتماع له في ‏منزل النائب عبد الرحيم مراد، إن "مصادرة الحياة السياسية من قبل المرجعيات الدينية ينهي دور المؤسسات ‏الدستورية، وفي طليعتها المجلس النيابي". وذهب كرامي أبعد من ذلك، ليسأل "ما جدوى الاستشارات النيابية الملزمة ‏إذا كانت الطائفة السنية أعلنتها من دار الفتوى مبايعة شاملة لسعد الحريري؟". ثم يضيف: "الطائف "باي باي"، ‏وبأيدي السنّة قبل سواهم‎".

ماذا بعد؟ وكيف يمكن أن ينتهي هذا الوضع؟ حتى اليوم، أثبت الحريري أنه يتحكم في اللعبة الحكومية، وإن خسر ‏المعركة الدستورية. يعد ويتعهد ويلتزم، ثم يترك مهمة التخريب لغيره، واثقاً بأن خصومه لا يفضّلون غيره رئيساً ‏للحكومة. وهو ما عاد وأكده النائب محمد رعد أمس بإشارته إلى تمسك حزب الله "بصيغة الوفاق الوطني واتفاق ‏الطائف". أضاف: لذلك كان قرارنا أن يتمثل رئيس الحكومة برئيس الأكثرية السنية، أو من يوافق عليه أو من يرشحه ‏كرئيس‎".

وكتبت صحيفة "نداء الوطن" عنونت لإفتتاحيتها:" دار الفتوى تنتفض للطائف والطائفة .. الحريري أو لا أحد .. السلطة محاصرة … مراوحة أم مواجهة" وكتبت تقول:" ‎كما أسلافه، انضمّ سمير الخطيب إلى نادي "الرؤساء المحروقين" بعدما لفحته نار "الدار" فخرج ‏منها "مُكلّفاً" إعلان نزع الغطاء السنّي عن ترشيحه لرئاسة الحكومة وعزوفه عن "إكمال المشوار". ‏طار الخطيب فطارت معه الاستشارات "المعلّبة" ما اضطرّ المنظومة الحاكمة إلى ترحيلها أسبوعاً ‏بانتظار "تعليب" مرشح آخر خارج إطار الدستور والأصول وسماع أصوات الشعب. عملياً، وتحت ‏وهج الثورة، باتت السلطة محاصرة تتوجس من أي "دعسة ناقصة" إلى الأمام تؤجج انتفاضة الشارع ‏عليها وتخشى التراجع إلى الوراء كي لا يدهسها قطار التغيير العابر للمناطق والطوائف، ما وضعها ‏تالياً أمام خيارين أحلاهما مرّ: مراوحة أو مواجهة‎!

وبينما تبدو السلطة مستمرة حتى اللحظة في محاذرة خيار المواجهة خشية انفجار لغم الأرض تحت ‏قدميها وانفضاح وجهها القمعي أمام مرآة العالم ودوله المانحة، بدأت معالم خيار المراوحة تتمظهر ‏فعلياً من خلال قرار قصر بعبدا إرجاء موعد الاستشارات النيابية الملزمة إلى الاثنين المقبل "إفساحاً ‏في المجال أمام المزيد من المشاورات والاتصالات"، وسط بروز حملة تحامل مساءً عبر وسائل إعلام ‏قوى 8 آذار و"التيار الوطني الحر" ومنصات تواصلهم الاجتماعية على رئيس حكومة تصريف الأعمال ‏سعد الحريري انطلاقاً من العودة إلى نغمة تحميله وزر تأخير "التكليف والتأليف" وعرقلة وصول أي ‏بديل عنه إلى سدة الرئاسة الثالثة، بشكل يتعامى عن مكمن الداء في تجاهل إرادة التغيير لدى الناس ‏وصمّ الآذان عن مطالبتهم بسحب البساط من تحت أقدام المنظومة السياسية القائمة التي عاثت خراباً ‏وتحاصصاً وتدميراً ممنهجاً في بنية الدولة واقتصادها ومقدرات خزينتها العامة‎.

إذاً، جاء موقف دار الفتوى بالأمس أشبه بالانتفاضة الشرعية ضد تهشيم دستور الطائف وتهميش ‏الطائفة السنية في النظام اللبناني، بعدما أمعن أهل النظام في "شقلبة" معايير تكوين السلطة التنفيذية ‏من خلال اشتراط رئيس الجمهورية ميشال عون تسلّم ورقة التأليف في يُمناه قبل تحرير ورقة التكليف ‏من يُسراه بشكل يجرّد رئيس الحكومة المكلّف من صلاحية رسم خريطة تشكيلته الحكومية ويحوّله تالياً ‏إلى مجرد "مخلّص جمركي" مهمته إفراغ حمولة السلطة على رصيف التأليف، في وقت يتربع ‏‏"الرئيسان القويان" على الكرسيين الأولى والثانية ويُطلب من الرئيس السنّي القوي التنحي عن الكرسي ‏الثالثة لشخص وكيل يقبل بما لا يقبل به الأصيل ويبصم سلفاً على أجندة التركيبة الحاكمة مكرّساً سياسة ‏‏"ما لنا لنا وما لكم لنا ولكم" في عملية التكليف‎.


وأمام هذا الإمعان في التهشيم الدستوري والتهميش الطائفي طفح كيل "الدار" فخرج المفتي عن ‏اعتصامه بحبل الصمت ليحزم موقفه وموقف "أبناء الطائفة" ويجاهر بصوت المرشح المعتزل سمير ‏الخطيب: الحريري أو لا أحد في رئاسة الحكومة. وإثر سماعه "من سماحته أنه نتيجة اللقاءات ‏والمشاورات والاتصالات مع أبناء الطائفة الإسلامية تم التوافق على تسمية الرئيس سعد الحريري ‏لتشكيل الحكومة المقبلة"، انتقل الخطيب إلى "بيت الوسط" ليعلن "بكل راحة ضمير" اعتذاره عن ‏المضي قدماً في مشروع ترشّحه وليجدد الشكر إلى الحريري "الذي سيبقى قدوة في الوفاء والوطنية ‏والقيادة الحكيمة‎".

إزاء هذا المستجد، رجحت مصادر مواكبة للمشاورات الجارية أن تلجأ القوى السياسية إلى "إعادة نبش ‏الدفاتر القديمة والجديدة" خلال الساعات المقبلة في رحلة بحث متجددة عن مرشح مقبول تتقاطع حوله ‏مختلف القوى، على أن يتم التكتم هذه المرة عن تسميته قبل التأكد من أنه يحظى بغطاء طائفته سياسياً ‏وروحياً، مضيفةً لـ"نداء الوطن": "ومن الآن وحتى ذلك الحين ستتكثف محاولات الثنائية الشيعية لإقناع ‏رئيس حكومة تصريف الأعمال بالعدول عن قراره التنحي عن ترؤس حكومة تكنو – سياسية، وربما مع ‏تقديمات إضافية من جانبهما تعزز طابعها التكنوقراطي على حساب الصبغة السياسية لتصبح هذه ‏الصبغة في حدود مجرد الوجود للوجود في التركيبة الحكومية المرتقبة‎".
 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى