أعرف عينيك..
باسم باجوق – الحوارنيوز
معذرةً أيتها السيدةُ
عفواً ولكني
لكأني أعرف عيناكِ
بل إني حقاً أعرفهما
وأعرفهما جيداً
ذات حزيران
أعرفهما في كل شهور الأعوامِ
وعقود الأزمان
أعرفهما مع صيام المحمديين
في رمضان
مع صلوات النصارى على درب الجلجلة
في نيسان
أعرفهما مع كل الطقوس والشعائر
مع تنوع العقائد
وتعدد الأديان….
أعرف عيناكِ
أعرفهما جيداً
مع ارتقاء الندى قمم الجبالِ
وتموضع السُّحُبِ
فوق المنخفضاتِ
مع إغفاءة زهرة الصعتر البري
على كتف المنحنى
وطلوع الشمسِ
لتوقظ الطير الغافي بفرحٍ
على غصن شجرة لوزٍ
في عميق الوديان…..
أعرف عيناك جيداً
مع عَدوِ فارسٍ يمتطي فرساً بيضاء
يخوض لُجَّةَ الخوفِ غير آبهٍ
في قيظ الصحراء
تنحني له السباع مهابةً
وتحني هامتها له احتراماً
رمالُ الكثبان…..
أعرف عيناكِ جيداً
على امتداد جودزية الخريطةِ
وضيق زوايا السمتِ
بين شمالٍ وشمال
فوق خطوط القِننِ والتِّلَعِ
وإسقاطات الأركيولوجيا
على جبين الإنسان
أعرف عيناكِ
مع انسدال النجوم في الأفقِ
وسفر المجراتِ
فوق أبراج الليلِ
ما بين سرطانٍ
وجوزاءٍ
وميزان…..
أعرف عيناكِ جيداً
وهما تعطيان تعريفاً للموسيقى
تراقصان همس الوترِ
ما بين كمنجةٍ وتوبا
وتسافران مع آهاتٍ تطيرُ
على عزف قيثارةٍ يونانيةٍ
وحُرقة مِصفارٍ
ونزف كمان…..
أعرف عيناكِ جيداً
فهما لبحارٍ تائهٍ
سرابُ بوصلةٍ
وروح طير الألباتروس
يوم كادت تختنق الريحُ
وتتجمد الأشرعة في أمكنتها
ويحترق المركب لهفةً وحنيناً
كي يلامس زبد الموج المنكسرِ
على جبروت الشطآن…..
أعرف عيناكِ جيداً
مع ضوع زهر الكولونيا
في ليلةِ صيفٍ حالمةٍ
مع إغفاءةٍ تسبق وصول الحبيبِ
مختالاً كالغاردينيا
معطَّراً بطلع الوردِ
وتمايل الحبقِ
ما بين زهيرات النسرينِ
وعبق الريحان……
أعرف عيناكِ جيداً
مع بهاء انبعاث الشمسِ
وانكسار الضوءِ
على موشور الغيم الساكنِ
عنان السماء
مع انعكاس النورِ
على مرآة الجدول الصافي
وانبعاث صورةٍ جميلةٍ
لفاتنةٍ حسناء
مع امتزاج واندماج الصور
وتفكك الطيف الكوني
إلى أحلى الألوان……
أعرف عيناكِ جيداً
مع ارتفاع سهم الفقيرِ
في بورصة الأشجان
مع حبات عرق عاملٍ في بلادي
يفترش الأشواك محتضناً صغارهُ
فيظنون ما تحته
مِسكاً وبيلسان
أعرف عيناكِ
مع ارتعاشة يراع شاعرٍ
خاف البوح فرمته الأيامُ
في بحر كآبةٍ
وتلاطم موج إلحادٍ
وغثيان….
أعرف عيناكِ
أعرفهما كثيراً
مع امتدادات الرحيل
إلى تضاريسِ الأقمارِ
وجغرافية البلدان
أعرف عيناك
مع كل الأشياءِ
مع كل زمانٍ
ومكان
عيناكِ تستوطنان مني كينونتي
تسلبان مني الألباب والوجدان
تلاحقانني كيفما يممت وجهي
فتصبح كل الجيولوجيا في حياتي
أرضاً اسمها:
"مثلث الأحزان"
أعرف عيناكِ جيداً
أعرفهما كثيراً
عَوْداً على بدءٍ
ذات حزيران….