تسونامي التحريض: خطاب الكراهية بمفعول عكسي! ؟(أكرم بزي)

كتب أكرم بزي – الحوارنيوز
مع اقتراب الاستحقاق الانتخابي في العام 2026، تبدو الساحة السياسية اللبنانية وكأنها تعيد إنتاج صراعاتها الكلاسيكية، ولكن هذه المرة بمحركات دفع لم تكن في الحسبان.
ففي الوقت الذي تراهن فيه قوى المعارضة، وعلى رأسها “القوات اللبنانية”، على إضعاف الثنائي الوطني (حزب الله وحركة أمل) عبر استغلال الأزمة الاقتصادية وتداعيات الحرب، تأتي الأرقام والدراسات الميدانية لتكشف عن واقع مغاير تماماً. إن الخطاب الإقصائي والموتور الذي تنتهجه قيادات القوات، لم ينجح في اختراق البيئة الشيعية، بل تحول إلى “رافعة شعبية” أعادت رص الصفوف خلف خيار المقاومة بشكل غير مسبوق.
انقلاب السحر على الساحر
تشير دراسة حديثة أجراها مركز أبحاث غربي مرموق يمتلك مكتباً في بيروت، إلى أن هناك زيادة ملحوظة في منسوب الالتفاف الشعبي حول الثنائي الوطني في دوائر الجنوب والبقاع وبيروت، تتراوح ما بين 7% و10% 0هذا الرقم ليس مجرد إحصاء عابر، بل هو مؤشر على فشل ذريع لاستراتيجية “كي الوعي” التي مورست ضد هذه البيئة.
فالتفاصيل الصادمة في هذه الدراسة تؤكد أن الشريحة التي اقترعت في انتخابات 2022 لصالح “لوائح التغيير” في بيروت والجنوب، تعيش اليوم حالة من المراجعة الشاملة. هؤلاء الناخبون، الذين بحثوا يوماً عن بدائل مدنية، وجدوا أنفسهم اليوم أمام خطاب قواتي لا يستهدف الحزب كمنظومة سياسية، بل يستهدف “الطائفة” بكيانها ووجودها وتاريخها. عبارات مثل “إبادتهم”، “خلصونا منهم”، و”ليرحلوا عنا”، وصولاً إلى التلميحات الفجة بتمني التدخل الإسرائيلي لـ”التخلص” من شريك في الوطن، ولدت شعوراً بـ”المظلومية الوجودية”. هذا الشعور حول المعركة الانتخابية القادمة من تنافس على برامج اقتصادية إلى معركة “دفاع عن الوجود”، مما دفع بالكتلة المترددة إلى العودة للتمسك بـ”الثنائي” كدرع حامٍ وحيد.
القوات اللبنانية: صانع الانتصارات للخصوم
لقد قدمت “القوات اللبنانية” بخطابها “الاستعلائي” خدمة ذهبية للثنائي الوطني. فهذا النفس التقسيمي الذي يلوح بـ”الفيدرالية” المقنعة وتارة بـ”الطلاق” الوطني، أدى إلى تراجع القوى الوسطية عن أي فكرة للتحالف مع المعارضة المتطرفة، وزاد من قناعة الجمهور بأن أي استهداف للسلاح هو في الحقيقة مقدمة لاستباحة الطائفة. وبدلاً من أن تُستثمر الأموال والجهود الدولية لخرق الساحة الشيعية، باتت النصائح الدبلوماسية اليوم تحذر من عبثية هذه المعركة، وتدعو للتركيز على مقاعد حليفة للثنائي في طوائف أخرى، لأن “الحصن الشيعي” بات أكثر مناعة بفضل غباء الخصوم السياسي.
قنبلة النزوح السوري: المعضلة المشتركة
وفي مقلب آخر، يبرز ملف النزوح السوري كعامل حاسم في صياغة التحالفات المقبلة. هذا الملف الذي يتجاوز بمراراته الانقسام التقليدي (8 و14 آذار)، أصبح يشكل تهديداً ديموغرافياً واجتماعياً يطال كافة المكونات اللبنانية.
بالنسبة للطوائف المسيحية والدرزية والسنية، يشكل النزوح هاجس “تغيير وجه لبنان”.
“أمام التهديد الذي يطال النسيج الديموغرافي والاجتماعي لكل الطوائف، ستجد القوى السياسية نفسها مضطرة لإعادة حساباتها الانتخابية؛ حيث يبرز الثنائي الوطني كبيضة القبان في أي تحالف مستقبلي، لقدرته على تقديم حلول جذرية تتجاوز الفيتوهات الدولية.”
إن التقاطع بين “خطر النزوح” و”خطر الإلغاء الداخلي” سيجعل من انتخابات 2026 محطة مفصلية. فالناخب اللبناني، والشيعي تحديداً، سيذهب إلى صناديق الاقتراع مدفوعاً بغريزة البقاء. لقد أثبتت التجارب أن الضغط يولد الانفجار، ولكن في الحالة اللبنانية، فإن الضغط والتحريض القواتي لم يولد انفجاراً داخلياً، بل ولد “تسونامي” من الولاء للثنائي الوطني، ليؤكد أن من يريد مواجهة حزب الله وحركة أمل في صناديق الاقتراع، عليه أولاً أن يتوقف عن إهانة كرامة بيئتهم وتاريخها.
بناءً على ما تقدم، فإن القوات اللبنانية لا تخوض معركة “سيادة”، بل تخوض معركة “انتحار سياسي” ستظهر نتائجها الكارثية عليها في أيار 2026، (إذا تم أجراء الانتخابات ولم تؤجل) حيث ستكتشف أن خطاب الكراهية لا يبني وطناً ولا يربح انتخابات في بلد التوازنات الدقيقة.



