حكومة التنازلات المجانية ومسؤولية حماية السيادة (أكرم بزي)

كتب أكرم بزي – الحوارنيوز
منذ أن أبصرت حكومة نواف سلام النور، يبدو أن نهجها يسير نحو تقديم تنازلات مجانية تُفقد لبنان ما تبقى من عناصر قوة في يده. فالحكومة تتعامل مع السيادة وكأنها سلعة رخيصة يمكن المساومة عليها بلا مقابل، ولا تقدم في المقابل أي إنجاز ملموس: لا انسحاب إسرائيلي، ولا تحرير أسرى، ولا وقف للاعتداءات، ولا حتى ضمانات دولية، وكأن المطلوب إرضاء العدو، لا انتزاع الحقوق.
الأمر الأخطر أنها تتجاهل أوراق القوة التي يمتلكها لبنان من قدرة المقاومة على فرض توازن ردع، إلى ملف الأسرى كأداة ضغط إنسانية وسياسية، وصولاً لجنوب أثبت أنه أرض صمود حقيقية لا فراغ. شعبٌ صمد وقدم التضحيات لا يمكن أن يقبل بأن تُقدّم التنازلات للعدو مجانًا. ومع ذلك، نرى الحكومة تتصرف وكأنها تسبق التفاوض بتسليم المطالب الإسرائيلية دون مقابل، بل وتسوّق ذلك على أنه إنجاز.
ويتجلى أخطر ما في هذا النهج في الطرح المتعلق بتوسيع الانتشار شمال الليطاني. فهذه الخطوة ليست تقنية كما يُروَّج، بل سياسية بامتياز؛ هي تغيير في موازين القوى الميدانية، ومحاولة للاقتراب من بيئة المقاومة، ما يهدد بفتح الباب لصدام داخلي لا يريده اللبنانيون، ويؤدي إلى تطويق تدريجي لقوة شكلت عنصر توازن أساسي في مواجهة الاحتلال. وهنا يُطرح السؤال: كيف تمنح الحكومة للعدو ما لم يستطع تحقيقه بالحرب، بينما تعجز عن انتزاع مكسب واحد للبنان عبر التفاوض؟
وإذا كان البعض يبرر هذا المسار بذريعة الاستقرار، فإن التجارب تثبت أن الاستقرار لا يُصنع بالخضوع، بل عبر التفاوض من موقع قوة. فالخطاب السياسي يفقد معناه إن لم يترجم إلى نتائج عملية تحرير أرض، أو عودة أسير، أو وقف عدوان. وعند غياب أي من هذه النتائج، يصبح استمرار الحكومة غير مبرر، بل خطر على السيادة نفسها.
وعليه، فلبنان اليوم أمام خيارين لا ثالث لهما:
إما وقف هذا النهج والعودة إلى مقاربة تحفظ أوراق القوة وتفرض مقايضة عادلة،
أو تغيير حكومي يعكس رفض اللبنانيين لمنطق التنازل المجاني.
لبنان لا يحتاج حكومة تُسوّق التراجع، بل حكومة تنتزع الحقوق، وتستند إلى قوة المقاومة وصمود الشعب، لا تعمل على إضعافهما. فالحكومة التي تقدم التنازلات دون مقابل لا تدير دولة، بل تتخلى عنها. ومن يمنح العدو مكاسب سياسية دون ثمن يمهّد لانتقاص جديد من السيادة. فالتراجع المجاني أخطر من الهزيمة، والأرض التي حُميت بالدم ليست ورقة للمقايضة.
ويبقى السؤال الجوهري:
هل تعمل هذه الحكومة لحماية السيادة واستعادة الحقوق وفرض شروط لبنان؟
أم أنها باتت تسير وفق أجندة إسرائيلية ـ أميركية من خلال تقديم التنازلات والتهدئة بلا مقابل؟
وهل يمكن لحكومة كهذه أن تستمر وتدعي تمثيل الوطن، بينما تعجز عن حماية مصالحه وتثبيت حقوقه؟


