لبنان: صراع نفوذ ومصالح على توزيع الخسائر(محمد وهبة)

الحوارنيوز- صحافة
كتب محمد وهبة في صحيفة الأخبار اليوم:
كان يُفترض أن يناقش مجلس الوزراء هذا الأسبوع مشروع قانون «الفجوة المالية واسترداد الودائع» خلال جلستين متتاليتين لإقراره وإحالته إلى مجلس النواب، لكن لا يقين بعد بأن الأمر ممكن، ربطاً بالملاحظات التي وردت من صندوق النقد الدولي والرامية إلى إجراء تعديل جوهري يفرض تصفير رساميل المصارف أوّلاً، وتقليص الأعباء على الدولة ومصرف لبنان في مقابل زيادتها على المصارف.
وهذا معناه، أن فريق رئاسة الحكومة الذي أعدّ صيغة المشروع بالتعاون والتشارك مع وزيرَي الاقتصاد عامر البساط، والمال ياسين جابر، ومع حاكم مصرف لبنان كريم سعيد، سجّل أكبر عدد ساعات من المفاوضات مع صندوق النقد الدولي وخلص إلى صيغة لا تتناسب مع الصندوق بشكل جذري، إذ يثير هذا الأمر سؤالاً بشأن مدى جدّية الحكومة، ورغبتها في إقرار مشروع قابل للحياة بمعنى إقراره في مجلس النواب، وقابل للتطبيق العملي تقنياً وقانونياً.
في الواقع سبق للحكومة اللبنانية أن أعدّت أكثر من صيغة لمشاريع قوانين متّصلة وأقرّها مجلس النواب، لكن فجأة ظهرت اعتراضات جذرية عليها من صندوق النقد الدولي. والمثال واضح في القوانين التي أُقرّت بشأن تعديل السرية المصرفية والملاحظات المتكرّرة التي وردت من الصندوق بشأن تعديل التعديلات، ثم تكرّر الأمر في مشروع قانون معالجة أوضاع المصارف، إذ إن الصندوق أرسل أخيراً 28 ملاحظة على هذا القانون، وكأنّه ليس راضياً عن التعديلات التي أُقرّت سابقاً.
وبمعزل عن أهمية هذه الاعتراضات أو أهدافها، إذ قد تنطوي على معايير علمية تقنية إلى جانب رغبات سياسية للجهات التي تهيمن على قرار الصندوق، فإن المسألة ترتبط بالرغبة والنية الحكوميتين لإنهاء أزمة بدأت منذ النصف الثاني من عام 2019، وفق معايير واضحة المعالم تستند إلى رؤية غير استنسابية وتهدف إلى النهوض بالمجتمع والاقتصاد بدلاً من التغوّل في تدميرهما.
فمن الواضح أن لبنان ليس مُحصّناً ضدّ الضغوط الخارجية بل هو مكشوف بالكامل أمام التدويل، كما أنه لا يمكن إقرار قانون يتعلق بالقطاع المالي من دون «تسوية ما» ذات طابع تقني مع صندوق النقد الدولي، وذات طابع مختلف مع المهيمنين عليه مثل الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا أيضاً.
المشكلة في هذا الخيار أن الأولوية فيه ليست للمسألة المالية والمصرفية، بل هي أولوية يربطها الخارج بملف «السلاح»، وهذا ما يقال في الحلقات التقنية الضيّقة إلى جانب الكلام العلني الوارد على ألسنة الموفدين الأميركيين مثل توم برّاك ومورغان أورتاغوس والموفد الرئاسي الفرنسي جاك دو لا جوجي وغيره من المسؤولين الفرنسيين الذين تعاقبوا على الملف منذ الانهيار المصرفي والنقدي إلى اليوم، وصولاً إلى مسؤولي صندوق النقد الدولي المقرّرين ولا سيما في المجلس التنفيذي والموظفين التقنيين وممثّليهم في لبنان.
جاك دو لا جوجي أبلغ مضيفيه بأنه يجب استمرار المصارف لا إعدامها.
هرمية الأولويات لا تعني أن الكل متّفق على مقاربة واحدة للمعالجة. ففيما يحاول الصندوق فرض تصفير رساميل المصارف وتحميلها الخسائر أولاً، قبل الوصول إلى خسائر المودعين، وقبل تحميل الدولة ومصرف لبنان العبء الأكبر منها، فإن الموفد الرئاسي الفرنسي جاك دو لا جوجي الذي زار أول من أمس عدداً من المسؤولين اللبنانيين، أبلغهم بوجوب «استمرارية القطاع المصرفي» وأردف: «لا نريد إعدامه».
وهو المنطق نفسه الذي يتبنّاه حاكم مصرف لبنان كريم سعيد وأقنع فيه وزيرَي الاقتصاد عامر البساط والمال ياسين جابر، علماً أن البساط يُعدّ مُمثِّلاً لرئيس الحكومة وأن جابر من أشدّ المؤيّدين لعلاقة كاملة وغير مشروطة مع صندوق النقد الدولي.
أيضاً، وبحسب المطّلعين، فإن دو لا جوجي سأل عن مسألة تخصّ الحكومة وصندوق النقد: إذا تمكّنت الحكومة وصندوق النقد من شطب 30 مليار دولار، وتمكّنا من خلق توازن في الميزانية بـ50 مليار دولار من الأصول مقابل التزامات بـ50 مليار دولار، فمن أين سيأتيان بسيولة قيمتها 50 مليار دولار لتسديد الالتزامات وضمن أي مدى زمني؟
هل ستُقِرّ الحكومة مشروع قانون «رفع عتب» وتُلقيه على مجلس النواب؟
فالحكومة ومصرف لبنان والمصارف لا يملكون الكثير من السيولة الآن سوى ما هو متوافر لدى مصرف لبنان ولدى المصارف في حساباتها لدى المصارف المراسلة. لذا، يمكن تلخيص كلام الموفد الفرنسي بما إذا كان لبنان ينوي الانخراط في حالة عجز مالي كبير، وما إذا كان القانون المنويّ إقراره قابلاً للتطبيق، وبالتالي بمدى جدّية الحكومة في إقرار مشاريع لا تكون «رفع عتب» وتتحوّل لاحقاً إلى لعبة تجاذب بينها وبين النواب، وبينهم وبين صندوق النقد، وبينهم وبين الموفدين الأجانب.
هذه الوقائع تثير تساؤل عن المفاوضات التي كان يقوم بها المعنيون بإعداد هذا القانون مع صندوق النقد الدولي، والتي امتدّت لأشهر كان يُفترض أن تنتهي بقانون يُقَرّ سريعاً قبل نهاية السنة الجارية وفق التزامات هؤلاء تجاه «الخارج».
لكنّ الواقع اليوم، الي يمكن قراءته من ملاحظات الصندوق، هو أن الصيغة التي كانت الحكومة تنوي مناقشتها وإقرارها تمهيداً لإحالتها إلى مجلس النواب، تتناقض كلياً مع توجّهات صندوق النقد الدولي. فهل غيّر الصندوق رأيه، أم أن قوى السلطة قرّرت أن تتغاضى عن توجّهات الصندوق وترسم توجّهاتها الخاصة ربطاً باعتبار أن الصندوق لا يفهم «البيئة اللبنانية»؟
بحسب الاعتراضات الواردة من الصندوق، والتي تنشرها «الأخبار»، فإن مقاربة الحكومة ومصرف لبنان تختلف جذرياً عن مقاربة الصندوق التي يمكن تلخيصها وفق الآتي:
– يرى الصندوق أنه يجب تصفير رساميل المصارف مباشرة.
– يرى الصندوق في النسخة التي تلقّاها من الفريق الحكومي المولج بإعداد مشروع القانون، أن العبء الأكبر يقع على الدولة ومصرف لبنان ضمناً بينما بالكاد تكون هناك أعباء على المصارف، ويعتقد بأنه يجب قلب المعادلة، وهذا يجب تضمينه العديدَ من البنود مثل تلك المتعلقة بتقييم جودة أصول مصرف لبنان، وفي تعطيل المادة 113 من قانون النقد والتسليف عند تطبيق قانون الفجوة واسترداد الودائع.
– اعتماد تعريف للمودع على أساس كل مصرف على حدة وليس على أساس مودع واحد في القطاع كلّه. وبالتالي، فإن أي مودع يملك حسابات مصرفية في أكثر من مصرف، يحصل على المبلغ المضمون (يبدو أن هناك اتفاقاً على أول 100 ألف دولار في الحساب) من كل حساب بشكل خاص ولا يتم دمج الحسابات في كل المصارف بحساب واحد.
– أيضاً لدى صندوق النقد الدولي أسئلة بشأن الضمانات المتعلقة بالسيولة والملاءة المصرفية، ولا سيما أن السيولة بالعملة الأجنبية يجب أن تترافق مع دراسة للسنوات المقبلة بشأن تدفّقات العملة الأجنبية إلى لبنان وتقدير حاجات الدولة بالعملة الأجنبية.
■ ملاحظات صندوق النقد على مشروع «الفجوة المالية»: تصفير رساميل المصارف أوّلاً
قبل بضعة أيام وردت ملاحظات من صندوق النقد الدولي على الصيغة التي أعدّها الفريق الحكومي لمشروع قانون الفجوة المالية واسترداد الودائع. ملاحظاته فجّرت النقاش وأعادته إلى أصل فكرة توزيع الخسائر: «من يخسر أكثر؟». هذا جوهر الصراع الدائر حالياً بين من غطّى إنفاقاً هائلاً موّل بالاقتراض، ومن خلق قنوات لتمويل استهلاك مستورد بعملة مدعومة، وبين مستفيدين جمعوا ثروات خيالية على حساب الآخرين، وبين أولئك الذين استثمروا وادّخروا. أيّ الفئات ستتحمّل أكثر؟ الصندوق يجيب: لا بدّ أن تكون المصارف أولاً. وهو الصندوق نفسه المعروف بعدائيته الشديدة للفقراء، وبدعمه الواسع لأصحاب الرساميل، وهو الذي يمارس الهيمنة السياسية بأدوات تقنية للغاية. وهو الذي قال «لا» لإقرار قانون كابيتال كونترول كان يمكن أن يحافظ على سيولة مصرف لبنان بالعملة الأجنبية ثم برّر موقفه بأنه «كان قراراً خاطئاً». هل يمكن أن نصدّقه؟ وهل يمكن أن نصدّق القوى السياسية وشركائها المصرفيين في «مصّ الدماء»؟ هل نصدّق الدول التي تسعى لفرض الهيمنة السياسية والأمنية على لبنان؟ أي توزيع لخسائر المودعين والناس والسياسة؟ في ما يأتي ترجمة غير رسمية لملاحظات صندوق النقد الدولي التي أشعلت النقاش بشأن مشروع قانون الفجوة المالية واسترداد الودائع:
ملاحظة أساسية
يحتاج مشروع قانون تنظيم القطاع المالي واسترداد الودائع، إلى تعديلات جوهرية لضمان انسجامه مع المبادئ الدولية لإعادة هيكلة القطاع المصرفي، ولإدراج متطلّبات التنفيذ الأساسية بشكل صريح. وتشمل هذه المبادئ زيادة حماية المودعين، واحترام تدرّج حقوق الدائنين، وضمان إعادة هيكلة شاملة ونهائية تشمل المصرف المركزي، مع الحفاظ على استدامة الدين السيادي.
أمّا متطلبات التنفيذ المُحدّدة فتشمل اعتماد المعايير المحاسبية الدولية في تدقيق حسابات مصرف لبنان والمصارف وإجراء مراجعات جودة الأصول (AQRs)، وتنفيذ عملية شفّافة لمعالجة أوضاع المصارف مرتبطة صراحةً بقانون معالجة أوضاع المصارف (BRL)، وتقليص المخاطر القانونية إلى الحد الأدنى.
في الصيغة الحالية (التي أعدّها الفريق الحكومي في لبنان)، يتحمّل المودعون الخسائر أولاً، وتبقى المخاطر القانونية التي قد تعرقل إعادة هيكلة القطاع المصرفي مرتفعة جداً، كما تقع جميع الاحتمالات الطارئة على عاتق مصرف لبنان وفي نهاية المطاف على عاتق الدولة. ولمعالجة هذه المخاوف، نقدّم الملاحظات والاقتراحات المُحدّدة التالية، مع الإشارة إلى بقاء بعض المسائل غير المحسومة والتي تحتاج إلى مزيد من البحث.
تحديد الخسائر وتشخيص المخالفات
في المادة الرابعة من مشروع القانون والمتعلقة بإجراءات إعادة التوازن والملاءة إلى النظام المصرفي، فإنه من غير الواضح وفق أي معايير سيتم إجراء تدقيق حسابات مصرف لبنان ومراجعات جودة الأصول في المصارف. لذا، تبرز الحاجة إلى نص صريح يُلزِم بأن تُجرى عمليات التدقيق ومراجعات جودة الأصول لمصرف لبنان والمصارف وفق المعايير الدولية، بهدف تحديد فجوة رأس المال بطريقة متّسقة. كما ينبغي أن تتولى شركات تدقيق دولية مستقلّة، تشخيص العمليات غير النظامية، بما يعزّز المصداقية ويؤمّن تقييمات مستقلّة أكثر قدرة على الصمود في وجه الطعون القانونية. ومن بين الأسئلة الأساسية التي يجب معالجتها:
– هل يمكن إجراء تدقيق مصرف لبنان وفق معيارين معاً؟ أي المعايير الدولية لإعداد التقارير المالية (IFRS)، والمعايير المحاسبية المحلية، في حين يُجرى تدقيق المصارف وفق معايير IFRS فقط؟
- في حال أدّى تدقيق مصرف لبنان وفق معايير IFRS إلى تفعيل المادة 113 من قانون النقد والتسليف، هل يمكن إدراج نص يعلّق التطبيق التلقائي لهذه المادة نظراً إلى الطابع الاستثنائي للوضع؟ من شأن ذلك معالجة القلق من أن تثبيت فجوة رأس مال مصرف لبنان قد يفرض إعادة رسملته في وقت لا تكون فيه الدولة قادرة على ذلك.
– هل المخالفات قائمة على أسس قانونية واضحة، وهل جرى تحديد قيمتها بدقّة؟ وهل تُحتسب الفوائد الزائدة فقط على الجزء الذي يتجاوز الفائدة العادية، وما هو المعيار المُعتمد لتحديد الفائدة العادية؟
تقاسم الأعباء وتسلسل امتصاص الخسائر
يتحمّل مصرف لبنان مسؤولية كبيرة في ما يتعلّق بسداد ودائع المصارف التجارية. فما هو العبء الذي يتحمّله المساهمون؟ وما هي مسؤولية الدائنين من الفئات الدنيا؟
إن تحديد تسلسل واضح وصريح للإجراءات والأحداث المنصوص عليها في المادة 4 ضروري لفهم ما إذا كان (1) تدرّج حقوق الدائنين محترماً، و(2) كيفية تطبيق إطار قانون معالجة أوضاع المصارف في ظل قانون الفجوة.
يجب على المصارف الاعتراف بخسائرها المحقّقة الناتجة من انكشافها على مصرف لبنان، استناداً إلى الفجوة التي يحدّدها تقرير تدقيق مصرف لبنان، وذلك قبل أي معالجة للمخالفات. وفي حال تآكل رأسمال المصارف، يجب أن يتحمّل المساهمون الخسائر أولاً من كامل أسهمهم ورأسمالهم القائم، انسجاماً مع تدرّج حقوق الدائنين.
في المقابل، يبدو أن المعالجة المُقترحة للمخالفات تُبقي رأس مال المصارف دون تغيير في المرحلة الأولى، لكنها تخفّض حجم الفجوة لدى مصرف لبنان، وبالتالي تخفّف فجوة رأس ماله التي سيتم «نقلها» إلى المصارف، ما يؤثّر إيجاباً على حقوق ملكية المصارف التجارية. دائرة الاستفادة هذه ناتجة من معالجة المخالفات «بالتوازي»، وتحول دون احترام تدرّج حقوق الدائنين، إذ تؤدّي فعلياً إلى تحميل الخسائر لودائع الزبائن قبل تحميلها لرأس مال المساهمين.
كان من الممكن أن تتم عملية توزيع الخسائر وفق تدرّج حقوق الدائنين لو جرى تطبيق قانون معالجة أوضاع المصارف.
وعليه، ولتوضيح المسار، وتحديد كيفية التطبيق الكامل لقانون معالجة أوضاع المصارف، وضمان أن معالجة المخالفات لا تنتهك المبادئ الأساسية، نرى أن القانون يحتاج إلى التعديلات التالية:
– النص صراحةً على أن تقييم المصارف يتم حصراً استناداً إلى تقرير تدقيق مصرف لبنان ونتائج مراجعات جودة الأصول، وأن على المصارف الاعتراف بخسائرها بما يتوافق مع فجوة رأس مال مصرف لبنان إلى أن تعود هذه الفجوة إلى الصفر، وأن تدخل المصارف المتعثّرة ولكن القابلة للاستمرار في مسار المعالجة (باستثناء الحالات غير المرجّحة التي تُظهر فيها مراجعات جودة الأصول رسملة إيجابية متوافقة مع المستوى المستهدف). كما يجب تعيين مدير خاص لمراقبة معالجة المخالفات التابعة بشكل مستقل، بدلاً من ترك هذه المهمة لإدارات المصارف ومساهميها الذين يواجهون تضارباً في المصالح.
– اعتبار قيمة المخالفات أسمى من رأس مال المساهمين، وبالتالي تطبيق تدرّج حقوق الدائنين. ولتعزيز الأساس القانوني لهذا الترتيب، لا بد من تعريف واضح وقوي للعمليات غير النظامية، مع تحديد المعايير المستخدمة (مثل تحديد ما يُعد «زائداً» أو «غير طبيعي» أو «استثنائياً»)، بما يبرّر قانونياً إخضاعها للترتيب الأدنى.
– حصر قيمة المخالفات التي تمتص الخسائر بسقف فجوة رأس مال المصرف، بما يمنع تكوين رأسمال أساسي إيجابي (CET1) يفيد المساهمين على حساب المودعين، عبر تخفيض غير مبرّر لودائعهم. كما أن تحويل هذا الرأسمال الإيجابي إلى رأسمال إضافي من الفئة الثانية (CET2) لا ينسجم مع تدرّج حقوق الدائنين، إذ يعود بالنفع في نهاية المطاف على المساهمين عند استحقاق أداة CET2.
– إن إخضاع المخالفات للترتيب الأدنى يغني عن استخدام مفهوم «المطابقة» (mirroring) المُقترح في رأي GIDE، والذي قد يثير طيفاً واسعاً من الطعون القانونية، ويؤدي إلى التزامات مالية طارئة كبيرة، وربما إلى مسار مفتوح وغير محدّد لإعادة هيكلة القطاع المصرفي.
– يبقى المودعون في المصارف التي تُظهِر رسملة إيجابية بعد مراجعات جودة الأصول (ولو أن ذلك غير مُرجّح) متمتّعين بحقهم الكامل في ودائعهم من دون أي اقتطاع.
– ضرورة الإشارة صراحةً إلى أن أي دائنين آخرين من الفئات الدنيا يُعاملون ضمن المسار وفق تدرّج حقوق الدائنين المنصوص عليه في قانون معالجة أوضاع المصارف.
ونلاحظ غياب إشارة صريحة إلى أن حسابات «الدولار الطازج» والحسابات بالعملة المحلية تخضع لمعاملات مختلفة. أليس من الضروري توضيح ذلك في القانون؟
كما نرى أن القانون يحتاج، على الأقل لأغراض تطبيقه، إلى تعليق العمل بالمادة 36 من قانون معالجة أوضاع المصارف، وإلا فستظهر تفسيرات تجعل مراجعات جودة الأصول غير منسجمة مع الاعتراف بالخسائر.
تعريف المودع
إن التعريف المُقترح للمودع على مستوى النظام ككل، بدلاً من التعريف على أساس كل مصرف على حدة، ينتهك مبدأ «عدم الإضرار بالدائن»، ويؤدي إلى نسبة خسارة أكبر للمودعين المتوسطي الحجم مقارنةً بكبار المودعين. كما أن خطة السداد المُقترحة غير مشروطة بقدرة مصرف لبنان على الدفع، ما يفتح الباب أمام التزامات مالية طارئة إضافية وكبيرة جداً على الدولة.
حتى لو كان السداد أكبر في السنوات الأولى، فإن اعتماد تعريف المودع على أساس كل مصرف على حدة من شأنه تجنّب انتهاك مبدأ عدم الإضرار بالدائن، والسماح في معظم الحالات بنسبة أعلى بكثير من سداد الودائع للمودعين المتوسطي الحجم. كما أن المرونة القانونية في تعديل وتيرة السداد بما يتناسب مع قدرة مصرف لبنان من شأنها تفادي خطر الوقوع في تعثّر ثانٍ لمصرف لبنان.
أيّ ضمانات سيقدّمها مصرف لبنان؟
سيقوم مصرف لبنان بإصدار شهادات سداد ودائع للودائع المتوسطة والكبيرة جداً. فما هي الآلية التي تضمن تحمّل المصارف 20% من مسؤولية استرداد هذه الشهادات؟ وما هي الآلية التي تضمن بقاء مصرف لبنان متمتّعاً بالسيولة على المدى الطويل؟ وهل يجب على التشريع اقتراح استخدام جزء من احتياطي الذهب لضمان السيولة لهذه الأوراق المالية المدعومة بالأصول؟
حماية المودعين الجدد
لا يحدّد مشروع القانون أن مستوى الضمان الجديد للودائع يُطبّق فقط على الودائع الجديدة وعلى أساس كل مصرف على حدة. والأهم، أن القانون يحتاج إلى توضيح صريح لمستوى الحماية الممنوحة للمودعين القدامى في المصارف التي تدخل في مسار التصفية، وتحديد الجهة التي تتحمّل هذه الكلفة. إضافةً إلى ذلك، ينبغي تقدير هذه الالتزامات المالية الطارئة في ظل إشكاليات استدامة الدين ووضع مصرف لبنان.
كيف تتحقّق ملاءة مصرف لبنان؟
لا يوضّح مشروع القانون كيفية تحقيق الهدف الثاني المنصوص عليه في المادة 1 («إعادة التوازن والملاءة إلى النظام المصرفي، بما في ذلك مصرف لبنان»). وبوجه خاص، لا تضمن الآلية المُقترحة ما يلي:
– إعادة رسملة مصرف لبنان على الأقل إلى مستوى الصفر، إذ يتوقف ذلك على ما إذا كانت قيمة المخالفات تفوق الفجوة المالية لدى مصرف لبنان بعد الطعون القضائية. وفي حال لم يكن الأمر كذلك، تنشأ التزامات مالية طارئة كبيرة على الدولة استناداً إلى المادة 9.
– توافر السيولة الكافية لدى مصرف لبنان لضمان سداد الأوراق المالية المدعومة بالأصول (انظر أعلاه مسألة استخدام احتياطي الذهب).
– توافر إيرادات كافية لدى مصرف لبنان لتغطية نفقاته التشغيلية والحفاظ على احتياطاته عند مستوى يمكّنه من تنفيذ مهامه.
تغطية الاستحقاقات بالعملة الأجنبية: بالكاد أول 3 سنوات
وفق بعض التقديرات المتعلقة بتسديد الودائع، فإنّ توزيعها سيتمّ على أساس أربع شرائح: من صفر إلى 100 ألف دولار، ومن 101 ألف دولار إلى 1 مليون دولار، ومن مليون وواحد دولار إلى 5 ملايين دولار، وفوق الـ5 ملايين دولار. الفئة الأولى ستدفع على أساس 25 ألف دولار في السنة، وسائر الفئات هي على شكل سندات تتوزّع على آجال تبدأ بـ10 سنوات وتنتهي بـ20 سنة.
حجم المبالغ المتوقّع تسديدها للفئة الأولى، يصل إلى 14 مليار دولار، وحجم المبالغ للفئة الثانية يُقدّر بنحو 14 مليار دولار أيضاً، والفئتان الأخيرتان بـ26 مليار دولار.
إذاً، هل لدى الحكومة ومصرف لبنان والمصارف القدرة على سداد استحقاقات هذه الفئات في مواعيدها؟ في الواقع، إن ما يمكن تسديده، ضمن فرضية الاحتفاظ باحتياط العملات الأجنبية يكفي لتمويل الاستيراد لمدّة بضعة أشهر (وهو الحدّ الأدنى الذي يجب القيام به)، لا يغطّي أكثر من 3 سنوات ضمن أعلى تقدير، وبالتالي ليست لدى الحكومة دراسة واضحة عن السنوات التالية، أي إنها بالكاد تغطي تسديد المبالغ المتوجّبة للفئة الأولى، لكنها ستعجز حتماً عن تسديد استحقاقات الفئة الثانية. هذا دين كبير بمعدّل 2.5 مليار دولار سنوياً، «وبالتالي لن يكون أمامنا سوى الذهب» يقول أحد المعنيين بهذا الملف.


