د. سعيد عيسى
ترك اقتحام فروع المصارف انطباعا لدى جمهور من الشباب المنتفض منذ السابع عشر من تشرين الأوّل، أنّه أداة فُضلى لتحصيل حقوق المودعين، وتوهّموا فيه انتصارا على النّظام المصرفيّ وبنيته. جاء ذلك بُعيد لجوء المصارف إلى تحديد المبالغ التي يمكن للمودع سحبها من حسابه، أو تمنّعهم عن صرف الـ "شيكات" المسحوبة على مصارفهم، وفرضهم وضعها في الحساب، والاكتفاء بسقف السحوبات الذي حدّدته الجمعيّة التي تنتسب المصارف إليها.
ساهمت تلك الاقتحامات لدى جمهور الشباب المقتحمين بنجاحهم في خطواتهم، ونجاح تصوّرهم الطفوليّ الثوريّ، خصوصًا عندما رضخت بعض فروع المصارف ودفعت لأفراد معدودين من صغار المودعين مبالغهم كاملة، وهي في الغالب لا تتعدى بضعة آلافٍ من الدولارات الأميركيّة؛ كما ساهم انتشار الفيديوهات على وسائل التواصل الاجتماعيّ برفع منسوب "الثوريّة" لديهم دلالة على الانتصارات المتوهّمة والمضخّمة.
هذا الوهم من الانتصارات سيفٌ ذو حدّين، هو من جهة يضخّم الأنا (الثوريّة) لدى الشباب ويجعلها في غير مكانها، وينحو بهم نحو الفوضى، التي يظنون فيها خلاصا لهم وللبلد ممّا هي فيه، ومن جهة أخرى، يترك في يد المصارف ومن ورائها حجّة، لتحوّل أفعال الشباب إلى ضدّهم، من خلال إقفال فروع المصارف تحت حجّة انعدام الامن والأمان، كما فعل في فروع مصارف عكّار، أو يتركهم بين يدي القوى الأمنيّة واتهامهم بالتعدي على الملكيات الخاصّة، ويحيد بهم عن أهداف الانتفاضة الشعبيّة، التي هبّت على الضدّ من النّظام الطائفيّ، المتحاصص للسّلطة، والمجيّرها له، المطالِبة بدولة القانون والمؤسّسات، والقضاء على الفساد والمفسدين، واسترداد الأموال المنهوبة، ومحاسبة كلّ معتدٍ على المال العام، وتصويب السياسات الماليّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة وغيرها.
كان الأجدر الضغط على السلطة السياسيّة والمصارف لإيجاد حلول عمليّة لأموال المودعين تعيد لهم الاطمئنان، موثّقة بقوانين أو قرارات ومراسيم حكوميّة، تفتح أفقًا واسعًا وتأييدًا عارمًا للانتفاضة بدل اقتحام المصارف وإشاعة الفوضى والخوف لدى كثير من المودعين من الإقفال وذهاب أموالهم، وعندها سينقلبون على الانتفاضة بدل تأييدها؛
إذا كانت الانتفاضة قامت على أساس ما تقدّم ذكره من أهداف، فأين تقع اقتحامات المصارف منها؟ وفي أيّ درجات من سلّمها؟