سياسةمحليات لبنانية

شروط برّاك الستّة وانعكاساتها على مستقبل المقاومة ولبنان (أكرم بزي)

 

 

 

كتب أكرم بزي –الحوارنيوز

 

تأتي شروط توماس براك الستّة في لحظة مفصلية يمرّ بها لبنان، حيث يسعى بعض الفاعلين الإقليميين والدوليين إلى إعادة تشكيل البيئة السياسية والأمنية والاقتصادية اللبنانية بطريقة تلائم أولوياتهم الاستراتيجية.ويظهر في هذه المقاربة تجاهل واضح للوقائع البنيوية التي تحكم معادلة الصراع مع إسرائيل، ولعوامل القوة الوطنية التي صاغت قدرة لبنان على حماية نفسه منذ عقود.

 وتهدف هذه الورقة إلى تفكيك هذه الشروط، وقراءتها من منظور يحافظ على منطق المقاومة كضرورة وطنية، ويقدّم حججاً تحليلية تبرّر استمرارها ضمن رؤية إصلاحية للدولة.

1/ إسقاط اتفاق وقف إطلاق النار

يطرح براك ضرورة الإقرار بسقوط اتفاق 27 تشرين الأول 2024، باعتبار أن النقاش فيه بات غير مجدٍ. غير أن القراءة الواقعية تشير إلى أن الاتفاق لم يسقط بفعل خلل لبناني، بل نتيجة استمرار إسرائيل في سياسة العدوان. وبالتالي فإن تحميل لبنان مسؤولية انهيار الاتفاق ليس سوى محاولة لإعادة تعريف قواعد اللعبة بما يجرّد لبنان من قدرته على الردع.

2/ الدعوة إلى مفاوضات مباشرة

يرى براك أن المفاوضات المباشرة تحقق للبنان أكثر مما تحققه الوساطة. هذا الطرح يتجاهل التجارب السابقة التي أثبتت أن ميزان القوى يميل بالكامل لصالح إسرائيل في التفاوض المباشر، في حين أن الوساطات الدولية تمنح لبنان هامش حماية وشرعية. كما أن تجاوز «المفاوضات التقنية» يدخل لبنان في إطار سياسي تطبيعي يصطدم بموقف وطني وشعبي راسخ.

3/ مراجعة اتفاق الحدود البرية والبحرية

يذهب براك إلى اعتبار أن الاتفاق السابق منح إسرائيل أكثر مما منح لبنان. ورغم صحة بعض ملاحظاته، فإن طرحه يستبطن دعوة لإعادة التفاوض من موقع أكثر ضعفاً، في ظل ضغوط دولية قائمة. المقاومة هنا عنصر أساسي في منع فرض تسويات منقوصة، وفي حماية حقوق لبنان النفطية والحدودية.

4/ « مخرج مشرّف» لحزب الله

يعرض براك مشروعاً لتحويل حزب الله إلى حزب سياسي عبر تمويل عربي–أميركي وإعمار مناطقي. هذا الطرح يعيد إنتاج مقاربة قديمة قائمة على شراء الأمن عبر الاقتصاد. لكنه يتجاهل أن المقاومة لم تُبنَ بسبب الفقر، بل بسبب الاحتلال. أي محاولة لـ«دمج» المقاومة بالقوة تتجاهل طبيعة التهديد الإسرائيلي، وتعيد إنتاج هشاشة الدولة قبل 1982.

5/ نزع السلاح بإشراف أميركي

يعتبر براك أن تسليم السلاح هو مدخل لبناء دولة قوية. لكن تجربة لبنان التاريخية تثبت العكس: غياب السلاح المقاوم خلق فراغاً أمنياً استغلته إسرائيل مراراً. كما أن الحديث عن «جدول زمني بإشراف أميركي» يتناقض مع مفهوم السيادة، ويضع القرار الأمني اللبناني بيد جهة منحازة بالكامل لإسرائيل.

6/ شروط صندوق النقد وإعادة الهيكلة

يدعو براك لالتزام كامل بشروط صندوق النقد. ورغم أهمية الإصلاح المالي، إلا أن ربطه بتسويات سياسية وأمنية يحمّل لبنان ثمناً باهظاً. الإصلاح لا يحتاج إلى نزع السلاح، بل إلى إرادة سياسية داخلية ووقف الفساد البنيوي.

في الخلاصة: 

تكشف قراءة شروط توماس براك الستّة أنها ليست رؤية لإنقاذ لبنان، بل مقاربة لإعادة هندسته بما يناسب مصالح إسرائيل والولايات المتحدة. المقاومة، وفق هذه الورقة، ليست عبئاً بل رافعة توازن ضرورية ضمن مشروع دولة عادلة وقادرة. أي مقاربة إصلاحية يجب أن تبدأ من تعزيز الدولة، لا من إضعاف عناصر قوتها في مواجهة التهديدات الخارجية.

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى