حتى لا تتكرر تجربة رياض سلامة (عماد عكوش)

بقلم د. عماد عكوش – الحوارنيوز
قانون النقد والتسليف وضع لنبي وليس لبشرعاديين. فالصلاحيات الممنوحة للحاكم بموجب هذا القانون ما لم يكن محصن اخلاقيا ، ماديا ، اجتماعيا ، وتربويا ، فهو بالتأكيد سيسقط في امتحان هذه الوظيفة ، والقوانين لا يمكن ان توضع وفق هذه المعايير ، فالقوانين وضعت وتوضع بهدف وضع ضوابط لمنع الانجرار الى تصرفات تؤدي الى انهيار المؤسسة .
انطلاقا من هذاالقانون ومن المادة 81 التي تنص على “أن يقرض المصارف المركزية والمصارف والمؤسسات المالية الاجنبية والمؤسسات المالية الدولية، وان يستقرض منها، شرط ان تكون هذه العمليات قصيرة الاجل وضمن نطاق مهامه كمصرف مركزي”.. هذه المادة تسمح وسمحت بأن يقرض مصرف لبنان المصارف دون تحديد سقف ودون تحديد للمعايير والضوابط .
والمادة 85 والتي تنص على : “يمكنه ، اخيرا، وفي الحالات المنصوص عليها بالمواد 88و91و92 اعطاء قروض للقطاع العام”. . وبالتالي فهي تسمح ايضا بأقراض القطاع العام ايضا بلا معايير ولا ضوابط .
والمادة 89 والتي تنص على : “تعطى الحكومة اجازة دائمة تخولها اللجوء الى الاستلاف المنصوص عليه بالمدة السابقة كلما تبين لوزارة المالية وللمصرف المركزي ان موجودات الخزينة الجاهزة لدى هذا المصرف غير كافية لمواجهة التزامات الدولة الفورية”.. الا ان هذه الاجازة لا يمكن استعمالها اكثر من مرة واحدة خلال اثني عشر شهرا.
والمادة 91 التي تنص على : “في ظروف استثنائية الخطورة او في حالات الضرورة القصوى، اذا ما ارتأت الحكومة الاستقراض من المصرف المركزي، تحيط حاكم المصرف علما بذلك. يدرس المصرف مع الحكومة امكانية استبدال مساعدته بوسائل اخرى، كاصدار قرض داخلي او عقد قرض خارجي او اجراء توفيرات في بعض بنود النفقات الاخرى او ايجاد موارد ضرائب جديدة الخ”… وفقط في الحالة التي يثبت فيها انه لا يوجد أي حل اخر، واذا ما اصرت الحكومة، مع ذلك، على طلبها، يمكن المصرف المركزي ان يمنح القرض المطلوب. حينئذ يقترح المصرف على الحكومة، ان لزم الامر، التدابير التي من شأنها الحد مما قد يكون لقرضه من عواقب اقتصادية سيئة وخاصة الحد من تأثيره، في الوضع الذي اعطي فيه، على قوة النقد الشرائية الداخلية والخارجية.
هذه المواد سمحت للحاكم السابق ويمكن ان تسمح لأي حاكم في المستقبل بمنح تسهيلات للدولة وفق شروط محددة لكنها غير جازمة .
يضاف الى ذلك عدم الشفافية في عملية التوظيف لدى مصرف لبنان وبيع وشراء العقارات وخاصة تلك المستملكة نتيجة تسويات مع المصارف فالمادة 110 المعدلة وفقا للمرسوم الاشتراعي 41 تاريخ 5/8/1967 تنص على : “يمكن المصرف ايضا:
أ- ان يشتري ويشيد ويجهز بأمواله الخاصة، العقارات اللازمة لسير عمله وان يبيع هذه العقارات او يستبدلها.
ب- ان يشتري بالتراضي او بطريقة البيع الاجباري، اموالا منقولة وغير منقولة استيفاء لدين من ديونه على ان يبيع هذه الاموال في اقصر وقت مستطاع الا اذا استعملها لسير عمله.
اضافة الى ذلك فالمادة 33 من قانون النقد والتسليف اللبناني تعطي المجلس المركزي والذي يترأسه الحاكم وأعضاؤه من نواب الحاكم واخرين، صلاحية التوظيف وفق معايير يحددها المجلس وهو يضعها وفقا للمادة 33 من قانون النقد والتسليف ، اضافة الى صلاحيات هندسات يمكنه بموجبها ان يعيد هيكلة الدين العام واصدار تعاميم توازي القوانين مثل دعم السلع والمؤسسات دون الرجوع للحكومة او المجلس النيابي .
وحتى لا تتكرر تجربة الحاكم السابق رياض سلامة ، وبناءً على المواد القانونية التي ذكرتها من قانون النقد والتسليف ، فإن الخبرات القانونية والاقتصادية المتاحة تشير إلى أن منع تجربة مشابهة لتجربة الحاكم السابق رياض سلامة يتطلب إصلاحات تشريعية ومؤسسية عميقة ، تهدف بشكل أساسي إلى وضع ضوابط ورقابة صارمة على الصلاحيات الواسعة الممنوحة لحاكم المصرف.
انطلاقا مما تقدم يمكن التركيز على الآليات الإصلاحية التالية:
- تعزيز الرقابة والشفافية: يجب أن تكون الاستقلالية الممنوحة للحاكم وللمجلس مقترنة بمساءلة وشفافية عالية، كنشر تقارير مفصلة عن السياسات النقدية والمالية وعن عمليات المصرف الاستثنائية، وإطلاع الرأي العام عليها ، كما أن وجود رقابة برلمانية فعّالة ومستمرة على أداء المصرف المركزي يعد عنصراً أساسياً للمحاسبة.
- التقييد التشريعي للصلاحيات: على المشرع مراجعة القوانين الناظمة لعمل المصرف المركزي، وخاصة تفسير المواد التي تُستخدم لتبرير سياسات غير مألوفة. على سبيل المثال، يجب التأكيد على أن المادة 91 التي تسمح بمنح قروض للحكومة في ظروف استثنائية هي صلاحية استثنائية وليست إلزامية، ولا يجوز استخدامها لتبرير التمويل المباشر والمستمر لعجز الموازنة . كما أن إصدار تعاميم مثل التوظيفات الإلزامية يجب أن يكون ضمن إطار القانون وروحه، وليس تحريفاً لنصوصه لإنشاء بدعة .
- إصلاح الهيكل الحاكمي للمصرف: من الضروري فصل السلطات داخل المؤسسة النقدية. إحدى الخطوات المهمة هي فصل الهيئة المصرفية العليا ولجنة الرقابة على المصارف عن سلطة الحاكم المباشرة لضمان رقابة مستقلة وحقيقية على القطاع المصرفي، وعدم تركيز جميع الصلاحيات بيد شخص واحد .
- تفعيل المساءلة القانونية: عدم إغفال الآليات القانونية القائمة. ينص قانون النقد والتسليف على إمكانية عزل الحاكم في حالات محددة ، مثل ارتكاب خطأ فادح في تسيير الأعمال أو الإخلال بالوظيفة تفعيل هذه المواد يعد رادعاً مهماً لأي حاكم مستقبلي.
أن الإصلاح الحقيقي لا يكمن في تغيير الأشخاص فقط ، بل في تغيير النظام الحاكم والقوانين والسياسات. المطلوب هو إرادة سياسية حقيقية لتنفيذ إصلاحات جذرية تضع حداً للسياسات التي تفضي إلى الانهيار، وتعيد بناء الثقة بالمؤسسات النقدية والمالية.


