رأيصحف

المتاهة اللبنانيّة: لا حرب ولا انتخابات (نبيه البرجي)

 

الحوارنيوز – صحافة

 

تحت هذا العنوان كتب نبيه البرجي في صحيفة الديار:

 

أي انتخابات نيابية وسط هذه الغرنيكا السياسية والطائفية؟ المنطقة كلها، وبعد ضربة الدوحة، لا بعد ابادة غزة، ولا بعد الحرب على لبنان، ولا بعد وصول الميركافا الى أبواب دمشق، في حال ضياع. لبنان في حال ضياع حين يتقاطع الجنون الاسرائيلي مع الجنون الأميركي. من يدري أمام أي شرق أوسط سنكون، وأمام أي لبنان سنكون، حين تدار رؤوسنا بالمال، أو بالضغط الى حدود التهديد بالاغتيال، كما تدار الدمى المتحركة.

وكنا نأمل في تشكيل هيئة تأسيسية تبحث في كل أبعاد الأزمة اللبنانية، وتنتقل بنا من منطق قطّاع الطرق الى منطق رجال الدولة، خصوصاً عندما نكون أمام استراتيجية اسرائيلية جديدة قد تفضي الى زوال الجمهورية. بأمر الهي يقضي باقامة “اسرائيل الكبرى”، ودائماً بالسلاح، وبالمال، الأميركي، وحتى بالخرائط الأميركية، فيما العرب ما زالوا يدورون داخل مقامات بديع الزمان الهمذاني، دون التفاهم، ولو بالحد الأدنى، على صيغة استراتيجية تحمينا من بعضنا البعض قبل أن تحمينا من القوى الأقليمية، والقوى الدولية. كل دولنا متاحة أمام كل الاحتمالات الكارثية أو الأكثر كارثية…

هكذا نجد لبنان اليوم، ودائماً بين لعبة القبائل ولعبة الأمم، وقد هبط الى المرتبة الثالثة بعد سوريا، وبعد غزة (والضفة)، باعتبار أن وضعنا يتحدد، تلقائياً، في ضوء ما يحدث هناك لا في صناديق الاقتراع التي تحولت اما الى قبور للأحياء، أو الى خنادق لمن احترفوا تسويق ثقافة التقوقع أو ثقافة التبعية. حقاً لبنان تحت أي وصاية ؟ اسألوا قائد سلاح الجو الاسرائيلي الجنرال تومر بار الذي يحدد مصيرنا.

المثير حين سألنا مسؤولاً معنياً في كيفية مواجهة السياسة الهيستيرية الاسرائيلية، واعادة تفريغ مناطق شاسعة من البلاد من أهلها للاقامة، هذه المرة، في المخيمات، لا في المدارس ولا على الأرصفة، وان كان البعض يستغل هذه الأوقات الكارثية للاستجمام على ضفاف الدردنيل، أو على رمال الكوت دازور. الاجابة كانت… الاتكال على الله!!

في هذه الحال أيهما الأكثر جدوى. الاتكال على الله أم الاتكال على أميركا، بعد تلك السلسلة من النكبات. لا وجود لنا لا على أجندة الله، ولا في أجندة أميركا. حتماً نحن على الأجندة الاسرائيلية كجزء أساسي من “اسرائيل الكبرى”. لم يبق لنا الا أن نسند ظهورنا الى التاريخ الذي متى لم يتقيأً ذلك النوع من الآلهة، وذلك النوع من الأباطرة. ما هو حجم بنيامين نتنياهو لولا الاحتضان الأميركي؟ ثمة في الدولة العبرية من يطرح هذا السؤال أيضاً، ليصل الى هذه الاجابة. في “هاآرتس” نقرأ هذه العبارة: انكم تدفعون بنا الى الجحيم…

ما نقل الينا من مرجع بارز “لا حرب في لبنان، ولا انتخابات نيابية”. في هذه الأجواء التي تندلع فيها النيران في الرؤوس، كيف سيكون المشهد في ساحة النجمة؟ منتدى لحفاري القبور أو لحفاري الخنادق. تلاحظون كيف أن بعض لوردات الطوائف يختارون ممثلي الأمة ليكونوا على شاكلة تماثيل الشمع. المسنون يستذكرون قامات تشريعية، وسياسية، مثل بهيج تقي الدين، ونصري المعلوف، وحسن الرفاعي، وصبحي محمصاني. وأوغيست باخوس، وشارل مالك، وحتى كميل شمعون وريمون ادة.

وكان هناك في القصر رجل يدعى فؤاد شهاب الذي بذل كل جهده من أجل بناء دولة المؤسسات، وبالمعنى الحديث للكلمة، قبل أن يشوه نهجه المكتب الثاني (الاستخبارات العسكرية) لتدخل البلاد ثانية في الدوامة القبلية والطائفية. ثم لتندلع حرب 1967، ويظهر في الضوء ياسر عرفات الذي عرف كيف يقود البلاد الى الحرب الأهلية، كما استدرج السلطة، في الظروف المعروفة، وبسبب الهشاشة الطائفية، الى اتفاق 1969 الذي أعطاه مفاتيح لبنان، وليس فقط مفاتيح الجنوب، قبل أن تشق ثورة الكاتيوشا الطريق أمام دبابات آرييل شارون.

وكان على المقاومة الفذة التي ظهرت في الوقت المناسب أن تقهر القوة التي لا تقهر. في ذلك الحين كان يفترض أن يتغير مسار الشرق الأوسط، قبل أن تستهلكنا تلك الصراعات الجيوسياسية، والتي لم يكتشف رعاتها، بالعيون العرجاء، أن كل هذه الصراعات أنما تصب في المطحنة الأميركية، بل لمصحة للتقاطع الأميركي ـ الاسرائيلي. هكذا ذهب الدم هباء. وذهب الوقت هباء، لنكون أمام نكبة جديدة تظهر اليوم في كل أشكال حياتنا.

ألسنا الآن الدولة العارية في مهب الرياح الأميركية (الاسرائيلية)، وفي مهب الحرائق الأميركية (الاسرائيلية)، ثم نتحدث عن انتخابات نيابية تستبدل الدمى بالدمى، وفي ظل قانون للانتخابات اشبه ما يكون بالشعوذة الدستورية، بتكريس الكانتونات الطائفية تحت قبة البرلمان، كطريق الى اقامة الكانتونات الطائفية تحت قبة الدستور؟

من يقرر ما مصير الشرق الأوسط، وما مصير لبنان، موجود في مكان آخر. ولكن ألم يقل رئيس الوزراء البريطاني أنتوني ايدن لوزير الخارجية الأميركي جون فوستر دالاس ان من يحاول الاستيلاء على الشرق الأوسط كمن يحاول الاستيلاء على جهنم؟

اذاً المتاهة اللبنانية التي ليست بحاجة الى من يرفع الستائر الترابية داخل حدودها وانما الى من يبني الأسوار حول الحدود “. حتى اشعار آخر التيه داخل المتاهة…

 

 

 

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى