رأي

لا تيأس..فالحياة أمل (الشيخ وسام سليقا)

 

الشيخ وسام سليقا*  – الحوار نيوز

يا أيها القلب المتعب،
أيها الحالم المكسور على قارعة الأيام، يا من جرّب لوعة الانتظار وضياع الأحبة وثقل الهموم،
تذكّر أنّ الحياة ليست سجنًا أبديًا من الظلمات، بل هي ساحة واسعة تتعاقب فيها الفصول، ويُبدّل الله ليلها نهارًا ونهارها ليلًا، ويجعل بعد الضيق فرجًا، وبعد اليأس رجاء، وبعد الانكسار نهوضًا.
لا تيأس… فالحياة أمل.
الأمل بذرة صغيرة، تُلقى في صحراء قاحلة، فإذا بها بعد حين شجرة باسقة، تورق، وتثمر، وتظلّل المتعبين.
الأمل هو الروح التي تسري في الجسد، فإذا انطفأ مات القلب قبل أن يموت الجسد.
هو شعلة لا تنطفئ في صدر المؤمن الصابر، نور يبدّد وحشة الطريق،
وزاد يحمل المسافر في دروب العمر الوعرة.
إن اليأس خيانة للروح، وقتل للقدرة، وانكسار قبل المعركة.
أما الأمل، فهو إعلان ثورة على الانكسار، وصرخة في وجه المستحيل، وابتسامة في مهبّ العواصف.
قال الحكماء: إذا انطفأ الأمل في قلب إنسان، صار قبرًا يسير على قدمين. فإيّاك أن تسمح لليأس أن يدفنك حيًّا وأنت لا تزال قادرًا على الحلم.
الحياة لا تُعطي بلا مقابل، ولا تفتح ذراعيها لمن ينام في العجز والاستسلام.
لكنها تكافئ الصابرين، وتحنو على العاملين، وتمنح عطاياها لمن يطرق أبوابها بالأمل.
إن المحنة ليست إلا قناعًا للمنحة، والبلاء ستارًا يخفي وراءه العطاء. ولولا الشدائد ما عرفنا طعم الصبر، ولولا الدموع ما عرفنا لذة الابتسامة، ولولا الظلام ما أدركنا قيمة النور.
اعلم أن أقوى سلاح تحمله في معركة الحياة هو إرادتك.
قد يجرّدك الناس من المال، أو يسلبوك المكان، أو يخذلوك في ساعة الشدة، لكن لا أحد يقدر أن يسلبك إرادتك ما لم تسلّمها أنت طوعًا.
الإرادة هي الأخت الكبرى للأمل. والأمل يمدّها بالوقود. فإذا اجتمعا في قلبك، تحوّلت المستحيلات إلى ممكنات.
الأمل من الإيمان
الإيمان بالله هو الينبوع الأعظم للأمل.
من أيقن أن الله رحيم، علم أنّ الغد أجمل.
ومن أيقن أن الله قوي، لم يخف من ظلم البشر.
ومن أيقن أن الله حكيم، صبر على البلاء، ورأى في كل محنة رسالة خفيّة.
في القرآن الكريم قال الله تعالى: ﴿إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ﴾.
أي أن اليأس ليس من صفات المؤمنين، لأن المؤمن يرى بنور قلبه ما لا يراه بعين جسده.
انظر في تاريخ العظماء
كم من شاعرٍ عاش فقيرًا منبوذًا، ثم صار شعره دستور أمة.
كم من مخترعٍ ضحك الناس على أفكاره، ثم صار اختراعه سببًا في تغيير العالم.
كم من نبيٍّ حورب وكُذِّب وأوذي، ثم صار هاديًا للبشرية.
كل هؤلاء حملوا في صدورهم شعلة الأمل، فلم تطفئها رياح السخرية ولا عواصف الأذى.
نداء إلى المرهقين
يا من كسرتك الأيام، لا تستسلم…
يا من خذلك الناس، لا تحزن…
يا من أبكاك الفقد، لا تظن أن الدموع آخر الحكاية.
فإنّ الله الذي يأخذ هو الذي يعطي، والذي يبتلي هو الذي يعافي، والذي يُنزل الغيث بعد القنوط قادر أن يبدّل أحزانك أفراحًا.
الأمل ليس كلمة عابرة، بل هو قصيدة تنشدها الأرواح.
الأمل ليس مجرّد فكرة، بل هو إيمان يتغلغل في العروق.
الأمل ليس خيالًا، بل هو واقع يُصنع بإرادة وعمل وصبر.
تأمل الزهرة، كيف تتفتّح من قلب الأرض القاحلة
تأمل الفجر، كيف يولد من رحم الليل الحالك
تأمل الطفل، كيف يبتسم للعالم رغم أنه لا يعرف قسوته بعد.
كل ما في الكون يصرخ فيك: لا تيأس فالحياة أمل.
يا صاحبي… اجعل الأمل جليس روحك، ورفيق دربك، وحارس قلبك.
واعلم أنّ الأيام لا تدوم على حال، وأن الأقدار تكتب بحكمة، وأن الله أرحم بك من نفسك.
فإذا شعرت أن الليل طال، فتذكّر أن الفجر قادم.
وإذا ضاقت بك الأرض، فارفع بصرك إلى السماء.
وإذا أوشك قلبك أن ينكسر، فاذكر أن الله قريب مجيب.
لا تيأس…
فالحياة أمل، ومن يملك الأمل يملك غدًا أجمل.
*رئيس اللجنةالثقافية

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى