رأي

السلاح بين ذريعة العدو وضرورة الدفاع: معضلة لبنانية (زينب اسماعيل) 

 

زينب اسماعيل – الحوارنيوز

فلنكن واقعيين. منذ أن وُجد الاحتلال الصهيوني، وُجد السلاح في لبنان. سلاح حمله أبناء البلد، تقاتلوا به في الداخل أحيانًا، لكنه ظلّ في جوهره موجهًا نحو العدو الذي لم يتوقف يومًا عن تهديد الأرض والإنسان. وفي كل محطة تاريخية، كان السلاح هو الوجه الآخر لمعركة الوجود: إمّا وسيلة للاقتتال الداخلي، وإمّا أداة لردع العدو.

اليوم، بعد الحرب الأخيرة، تحوّل السلاح إلى ذريعة إضافية في يد إسرائيل لتبرير اعتداءاتها. لم يعد النقاش فقط عن “مقاومة إسلامية” أو “مقاومة وطنية”، بل عن جوهر وجود سلاحٍ خارج إطار الدولة. إسرائيل، التي تملك أقوى ترسانة عسكرية في الشرق الأوسط، وتواصل استخدامها ضد لبنان متى شاءت، تريد من لبنان أن يتخلّى عن أوراق قوته الوحيدة.

لكن السؤال الواقعي هو: لو سلّمت المقاومة سلاحها إلى الجيش اللبناني، هل يكون الجيش فعلًا مؤهلًا للدفاع عن الوطن؟
التجربة تقول لا. فالجيش، رغم انضباطه، لم يُعطَ لا العتاد النوعي ولا القرار السياسي ليكون جيشًا مقاوِمًا. سلاحه محدود، تدريبه موجه لحفظ الأمن الداخلي أكثر مما هو مهيّأ لحربٍ مفتوحة مع إسرائيل. أما قراره، فغالبًا مرهون بالتوازنات الطائفية والسياسية والضغوط الخارجية.

ثمّة من يردّد أن السلاح هو سبب الاعتداءات الإسرائيلية. لكن التاريخ القريب يثبت العكس: من 1948 حتى 1982، حين لم تكن هناك مقاومة منظمة، كانت الاعتداءات تتوالى على لبنان من دون أن يوقفها غياب السلاح. إسرائيل لم تحتج يومًا إلى ذريعة كي تقتحم الحدود أو تحتل أرضًا أو تقصف قرية.

القضية إذاً ليست في السلاح كأداة، بل في ميزان الردع الذي يخلقه. هذا الميزان، الذي جعل إسرائيل تفكر مرتين قبل أن تذهب بعيدًا في مغامراتها، هو ما يشكل اليوم نقطة القوة الوحيدة في وجه عدو لا يعرف سوى منطق التفوق العسكري.

لكن ثمّة سؤال آخر لم يُطرح بجدية: هل قدّم الجيش اللبناني ضمن خططه فكرة استراتيجية حقيقية للدفاع عن لبنان في حال أي اعتداء إسرائيلي، أم أن جلّ ما طُرح هو خطط لحصر السلاح وسحبه وانتشاره على الأراضي اللبنانية؟ في الواقع، أغلب النقاش الرسمي ظلّ محصورًا في مسألة ضبط السلاح، بينما بقيت الرؤية الدفاعية غائبة أو مؤجلة.

ثم يأتي الجانب الأكثر واقعية: هل الجيش، بكل وحداته وعناصره، مستعد فعلًا لتوجيه سلاحه نحو العدو في لحظة الخطر؟ الجميع يعرف أن الجنود يعيشون أوضاعًا اقتصادية خانقة، معاشاتهم لا تكفي لسدّ أبسط احتياجاتهم في ظل الغلاء الفاحش، وكثيرون منهم مضطرون للعمل في وظائف إضافية خارج دوامهم العسكري. وفي حال كان هناك خطة دفاع فكيف يمكن أن يُطلب من جيش يعاني من هذا التآكل المعيشي أن يخوض حربًا كبرى ضد جيش الاحتلال الإسرائيلي المدجج بأحدث التقنيات والدعم الغربي اللامحدود؟

هنا تبرز المعضلة: كيف نحافظ على السلاح كقوة ردع، من دون أن يتحوّل إلى عبء داخلي أو عامل انقسام؟ الإجابة لا تكمن في نزع السلاح ولا في تركه خارج الدولة، بل في بناء استراتيجية دفاعية وطنية حقيقية، توحّد بين الجيش والمقاومة بدل أن تضعهما في مواجهة وهمية. استراتيجية تجعل السلاح جزءًا من منظومة وطنية واضحة، لا ملفًا معلقًا بين الطوائف والولاءات الخارجية.

إسرائيل ستبقى مسلحة حتى الأسنان، ولن تكف عن الاعتداء. والجيش، بصورته الحالية، لا يملك ما يكفي لمواجهة التهديد. بين هذين الواقعين، يبقى السلاح بيد المقاومة — مهما اختلفت تسميتها — ليس ترفًا ولا عبئًا، بل ضرورة في معادلة البقاء.

السؤال ليس إن كان لبنان بحاجة إلى هذا السلاح، بل كيف يُصاغ الإجماع الوطني حوله. فالسلاح بلا مشروع وطني جامع، يظل موضوع نزاع. أما إذا جرى دمجه في استراتيجية دفاعية متفق عليها، يصبح السلاح امتدادًا لإرادة الدولة بدل أن يكون ندًا لها.

في النهاية، تبقى الحقيقة جلية: العدو لن يرحل لأننا ضعفاء، ولن يتراجع لأننا سلّمنا السلاح. وحده ميزان القوة يحمي لبنان، وما لم تُبْنَ عليه معادلة وطنية جديدة، سنبقى في حلقة مفرغة: بين ذريعة العدو وانقسام الداخل، وبين ضرورة السلاح ومعضلة الشرعية.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى