رأي

حكومة نوّاف سلام.. ولعبة الشطرنج (أكرم بزي)

 

كتب أكرم بزي – الحوارنيوز

ما جرى بالأمس من إعلان مقررات حكومة الرئيس نواف سلام، جعل سلام في وضعية الـ Stalemate*  في لعبة الشطرنج، فلا استطاع المضي قدماً في السير في القرارات التي اتخذتها في 5 و7 آب، ولا  تراجع عما أوكل إليه من مهام  كان قد كُلف بها من مبعوثي الإدارة الأميركية، والمملكة العربية السعودية.

فبعدما ألقى كرة النار عند قيادة الجيش اللبناني لإعداد “خطة حصر السلاح بيد الدولة”، أعادت قيادة الجيش اللبناني هذه الكرة إلى المستوى السياسي في البلد، بعدما تبين أن الجيش اللبناني وبإمكاناته الآنية لا يستطيع المضي قدماً في تنفيذها بالسرعة المطلوبة منه، فقسّم الخطة على مراحل خمسة، بلا أي أفق زمني واضح، ولا طريقة تنفيذها وأبقيت “سرية”.

 

موقف الثنائي الوطني وتصلبه في وجه ما يُحاك له من الولايات المتحدة الأميركية ودول خليجية وإسرائيل وحلفائهم اللبنانيين، جعل الحكومة عاجزة فعلياً عن رفض “الإملاءات الخارجية”، من جهة وعدم صرف قراراتها في الحقل السياسي اللبناني، خاصة وأن الأمور كانت تتجه للتصعيد إن كان على المستوى السياسي، كمقاطعة الثنائي لجلسة مجلس الوزراء يوم أمس، أو “إيقاف المقاومة التعاون مع الجيش اللبناني في جنوب منطقة الليطاني”، او “الاعتراض في الشارع” للتعبير عن الرفض المطلق لما تقوم به هذه الحكومة.

 

رئيسا الجمهورية والحكومة، لم يوفيا بالوعود والإلتزامات، التي قدماها قبيل انتخابهما، ومنح الثقة للحكومة، بل تصرفا وكأنهما حققا ما يريدان من الوصول الى كرسي الرئاسة والحكومة، وأمعنا في تنفيذ الإرادات الخارجية، أمليت بظرف سياسي حساس وصعب جداً تمر به البلاد بعدما تعرض لحرب شرسة شنتها إسرائيل (ومن معها) على لبنان.

 

الواضح والجلي، مما أعلنه وزير الإعلام بول مرقص من مقررات يوم أمس، أن هذه الحكومة ليست محل ثقة، وبالتالي لا يمكن الركون لأي من قراراتها، إن كانت سرية أو علنية، وبصرف النظر عن “نوايا” الرئيس سلام. فحملة الضغوط التي مورست عليه وعلى رئيس الجمهورية جعلتهما يلجآن الى قرارات لا تحمد عقباها، وكان الاجدر بهما أن يتخذا مواقف حاسمة ضد أي تدخل خارجي، في الشؤون السياسية الداخلية اللبنانية، أو مراعاة مصلحة اللبنانيين أولاً، كل اللبنانيين وليس “فئة محددة”، وبالتالي الوصول الى حلول لمشاكل جوهرية يعاني منها لبنان منذ عقود، ولا يمكن حلها بأيام.

 

فاللهجة الحاسمة لسماحة الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم، والخطاب المتلفز لدولة رئيس مجلس النواب الأستاذ نبيه بري في الذكرى الـ 47 لاختفاء الإمام موسى الصدر، كانت بمثابة خارطة طريق، لمن هم معنيون بالوضع السياسي اللبناني الداخلي، ووضعا سلة حلول شبه كاملة لإنزال رئيسي الجمهورية والحكومة عن شجرة السوء التي صعداها، وبالتالي كان لا بد من الوصول الى الإخراج الذي خرجت به مقررات مجلس الوزراء الأخير، على الشكل الذي جاءت فيه.

 

فالرئيس بري قال: “نؤكد أننا منفتحون لمناقشة مصير هذا السلاح الذي هو عزنا وشرفنا كلبنان، في إطار حوار هادئ توافقي تحت سقف الدستور وخطاب القسم والبيان الوزاري والقوانين والمواثيق الدولية بما يفضي الى صياغة استراتيجية للامن الوطني تحمي لبنان وتحرر أرضه وتصون حدوده المعترف بها دولياً، وأبداً ليس تحت وطأة التهديد وضرب الميثاقية واستباحة الدستور ولا في القفز فوق البيان الوزاري وتجاوز ما جاء في خطاب القسم والاطاحة بإتفاق وقف إطلاق النار الذي يمثل إطاراً تنفيذيا للقرار 1701، وهو الإتفاق الذي نفذه لبنان بشكل كامل، بشهادة تقارير قوات اليونيفل وقائدها مؤخراً، وتأكيد لبنان في أكثر من مناسبة أنه ماضٍ ومن خلال جيشه بإستكمال ما هو مطلوب منه لتطبيق ما لم يطبق من هذا الإتفاق، الذي لم تلتزم به المستويات السياسية والعسكرية في الكيان الاسرائيلي بأي من بنوده، لا لجهة الإنسحاب من الاراضي التي لا تزال تحتلها بما يعرف بالتلال الخمس بل أنه وللاسف وبعد أن وافقت الحكومة اللبنانية على أهداف ما يسمى الورقة الامريكية زاد من إحتلاله، داخل الاراضي اللبنانية وواصل عدوانه إغتيالا وقتلاً للبنانيين ومانعاً سكان اكثر من 30 بلدة وقرية من العودة اليها”. (انتهى كلام الرئيس بري).

 

ماذا يعني أن تعود الحكومة اللبنانية إلى ما ذكرته في البيان: “تلتزم الحكومة اللبنانية وفقاً لخطاب القسم والبيان الوزاري إعداد استراتيجية أمن وطني، وذلك في سياق تحقيق مبدأ بسط سيادة الدولة اللبنانية على كامل أراضيها وحصرية السلاح بيد الدولة، وتؤكد حق لبنان بالدفاع عن النفس وفقاً لميثاق الأمم المتحدة”، على ما جاء على لسان وزير الإعلام بول مرقص، و ربط خطة الجيش اللبناني لحصرية السلاح، بوقف العدوان الإسرائيلي، والانسحاب من الأراضي المحتلة، وهذا يعني “شرعنة المقاومة” من جديد، ويعني أنه يحق للبنانيين، كل اللبنانيين، الدفاع عن النفس، بوجود الجيش وعدمه بحسب ميثاق الأمم المتحدة، (على حد فهمي للنص الأممي)، فهل هذا إرضاء للثنائي الوطني، أم أنه ذر للرماد في العيون، مؤقتاً كي يحين الوقت الملائم للانقضاض على سلاح المقاومة؟ (وبالمناسبة سلاح المقاومة مشّرّع في الدستور اللبناني وليس بحاجة الى بيان وزاري، أضف لما أثبتته التجارب طيلة العقود الثلاثة الماضية).

 

ما جرى قبل 24 ساعة من جلسة مجلس الوزراء، من غارات صهيونية على الجنوب اللبناني وعلى بلدة أنصارية بالتحديد، وغيرها من مناطق الجنوب، بالإضافة إلى حملة الاتصالات الخليجية-الأميركية بحلفائهم في لبنان، وأيضاً إلى مقالة النيويورك تايمز والتي أوحت بأن الجيش اللبناني قد لا يستطيع القيام بمهام “سحب السلاح” من يد حزب الله، وأن الوقت لا يسمح كثيراً، وقد تضيع الفرصة على لبنان من الاستثمارات الخليجية وغيرها، والزيارة المرتقبة لـ مورغان أورتاغوس المبعوثة الأميركية للبنان القادمة ربما غداً برفقة الأدميرال براد كوبر، الذي زار إسرائيل أولاً للتنسيق مع القيادة الإسرائيلية، (طبعاً حفظ أمن إسرائيل هي المهمة الاولى لأورتاغوس وكوبر).

 

وبحسب ما رُشح من معلومات فإن الزيارة ستكون لعسكريين وأمنيين من الجيش اللبناني والمخابرات، ولا أعلم إذا كانت ستقابل أحدأ من المستوى السياسي، وربما تريد بزيارتها هذه الاختصار لكسب الوقت، إذ وقتها لا يسمح والأفضل لها أن تعمل مع التنفيذيين على الأرض وفي الدوائر المغلقة التي تعمل من سفارة عوكر وغيرها ،والاطلاع من حلفائهم اللبنانيين على مجريات قرار “حصرية السلاح بيد الدولة” وخلافه من مقررات حكومية.

 

كل هذا لا يبشر بخير، ويؤشر إلى مرحلة خطيرة، يتم تأجيلها من فترة إلى فترة، بعد الإصرار الأميركي والخليجي تحديداً للدفع باتجاه الصدام مع المقاومة ومع من يرفض تسليم السلاح، حتى لو كلف هذا حرباً أخرى تقوم بها إسرائيل بمؤازرة حلفائها الإقليميين والمحليين.

 

أعتقد أن لبنان سيشهد في الأيام المقبلة، حملة تصعيد جديدة، سترافق كل التحركات السياسية الداخلية لوأد “الصدام” السياسي قبل “الصدام الأمني”، وبالتالي سنكون أمام حملات جديدة من قبل الخليجيين تحديداً ومن الأميركيين بشكل مباشر، للدفع باتجاه ما لا تحمد عقباه.

 

 *لا يكون الملك مهددا ولا يملك خصمه خطوة قانونية فتنتهي المباراة بالتعادل

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى