رأيصحف

رقصة النار حول كومة الحطب..(نبيه البرجي)

 

الحوارنيوز – صحافة

كتب نبيه البرجي في جريدة الديار:

 

لا شك أن خطاب الأحد للرئيس نبيه بري يشكل وثيقة وطنية، كمدخلً الى مقاربة عقلانية، في هذه الأيام المجنونة، لأكثر الأزمات تعقيداً، منذ اعلان «دولة لبنان الكبير». ولكن عن أي حوار تحدث رئيس المجلس النيابي، وهو الذي على بيّنة من الضغط الذي يمارسه الأميركيون، والاسرائيليون، وجهات عربية أشارت اليها تل أبيب، وبالاسم، ليس فقط لنزع، أو لانتزاع، سلاح «حز.ب الله»، وانما لاجتثاث الحز.ب من جذوره، ان بالذبح أو بالترحيل. وكنا قد تحدثنا عن السيناريو الذي أعدته احدى الدول العربية لتفريغ الضاحية من أهلها، وتنظيف بيروت من «تلك الحثالة»!

 

من بين الأطراف المعنية بالحوار، ليس مرتبطاً باحدى القوى الخارجية ان بالولاء السياسي، أو بالولاء الطائفي، أو بالولاء المالي ؟ الرئيس بري يدرك ذلك، كما يدرك اذا ما بقي المشهد على ما هو عليه، لا بل أن ايقاع النار يزداد أوراً، لا بد أن يذهب لبنان، وأن يذهب معه اللبنانيون، الى الجحيم.

 

كلنا على علم أي مجنون يحكم اسرائيل الآن (وأي مجنون يحكم الولايات المتحدة الآن)، وكيف يرى تغيير الشرق الأوسط وفق الرؤية ـ والرؤيا ـ التوراتية، وقد أوضح تفاصيلها أخيراً. الحرب ضد لبنان، وسوريا، والعراق، وحتى مصر وتركيا، لاقامة «اسرائيل الكبرى»، وان كان بنيامين نتنياهو عند اعتقاده بأن المسار الحقيقي للتغيير يبدأ بتقويض نظام آيات الله في ايران، ولو اقتضى ذلك الضربة النووية.

 

ثمة قناعة لدى احدى الدول العربية المؤثرة بأن «حز.ب الله»، كحالة، أو كبؤرة، ايرانية، هو العائق دون اعادة تكوين لبنان، ديموغرافياً، وسياسياً، وطائفياً، وفق رؤيتها التي تتقاطع، بشكل أو بآخر، مع الرؤية الاسرائيلية، وعلى أساس شق الطريق بين بيروت وأورشليم. أليس اللبنانيون من بنوا الهيكل بسواعدهم، وباخشابهم،

 

والحال هذه، أي حوار حول كومة الحطب ؟ ثم ألا تشبه حملة التأجيح» بالدفع الخارجي الرهيب، رقصة القبائل البدائية حول كومة الحطب ؟ ولكن من تراه لا يحترق اذا دسّ أحدهم عود ثقاب فقط، ليتحول لبنان بأسره الى كومة من الرماد.

 

كل الأصابع على الزناد. البعض قد يكون بدأ بحفر الخنادق، وسط أيام تنطوي على الكثير من التطورات، والتحولات، في الشرق الأوسط. الصراع المتشابك، والمتعدد الرؤوس، والمتعدد الاستراتيجيات، والمتعدد المصالح، في سوريا، بعدما باتت اسرائيل في قلب دمشق، أجل في قلب دمشق. اعلان موقع «واللا» الاسرائيلي أن وزير الخارجية جدعون ساعر ناقش مع نظيره الأميركي ماركو روبيو قضية «فرض السيادة» الاسرائيلية على الضفة الغربية خلال الأشهر المقبلة، الاستعدادات الهيستيرية في تل أبيب لتنفيذ عملية عسكرية صاعقة وجراحية، لتقويض النظام في ايران، ثم التفاعلات الداخلية في اسرائيل والتي تنذر بتطورات بنيوية عاصفة.

 

وسط هذه الأعاصير، وبدل أن تحل الرؤوس الباردة محل الرؤوس الساخنة لتبريد الأجواء السياسية، والطائفية، الى أن ينجلي ذلك الهواء الأصفر الذي يغطي كل المنطقة، العكس هو الذي يحصل، مع تحول الشاشات الى خنادق لتبادل النيران، ودائماً بايعاز، وبتمويل من الخارج، بمصالحه التي لا تاخذ بالحسبان، الأوضاع، وهشاشتها، في لبنان.

 

الحوار الممنوع. هذا هو الأمر الخارجي، بأصابع النار، ومن القريبين مثل البعيدين. من هنا تنشط أعمال التسليح، لدى قوى مختلفة، وبوسائل أكثر تطوراً، لتبدو أي حرب أهلية تندلع الآن أشد هولاً من الحرب السابقة، وقد لا تنتهي الا بانتهاء لبنان، وانتهاء اللبنانيين. والمثير أن هناك من هم داخل السلطة التي يفترض فيها التهدئة، يشاركون، بطريقة أو بأخرى، في عمليات التعبئة، دون ادراكها الى أين يمكن أن تصل هذه السياسة في بلد يقف على قرن ثور.

 

لمصلحة من كل هذا. ولكن متى لعب ملوك الطوائف لمصلحة البلاد لا لمصلحة الآخرين، ودون أي اعتبار للشعار الذي رفعه بنيامين نتنياهو حول التغيير في الشرق الأوسط، ليبدو واضحاً الهدف التوراتي، وكما قال أمام الملأ، اقامة «اسرائيل الكبرى» على أنقاض الدول التي تشملها الخارطة الزرقاء.

 

المشكلة ما من دولة عربية ملحوظة في هذه الخريطة الآ وهي تحاول، عبثاً، الخروج من أزماتها القاتلة، وهذا ما يعلمه بنيامين نتنياهو ليقول لمورغان أورتاغوس أن هذا هو الوقت المثالي لنستقبل الماشيح، معاً، على أعلى قمة في لبنان، وهي أقرب مكان في المنطقة من السماء، أذا ما تذكرنا ما النص الذي ورد في المزمور رقم 29 «صوت الرب عظيم القوة / صوت الرب يكسر الأرز / يكسر الرب أرز لبنان / يجعل لبنان بقفز كالعجل / وحرمون كولد الثور الوحشي».

 

هذا ما في رأس بنيامين نتنياهو، ماذا في رأس دونالد ترامب الذي كشفت «الواشنطن بوست» عن مشروعه لغزة، بالتنسيق مع اسرائيل ؟ «وضع القطاع تحت الوصاية الأميركية لعشر سنوات على الأقل، مع تهجير طوعي لمليوني فلسطيني مقابل تعويضات مالية، وسكن بديل، وتحويل غزة الى مشروع استثماري، وسياحي، ضخم»، سبق ووصفه بـ«ريفييرا الشرق الأوسط».

 

حتى الآن لم نعرف ما هو المشروع الأميركي ـ الاسرائيلي للبنان، ولنواصل رقصة القبائل البدائية حول كومة الحطب…

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى