قالت الصحف: قراءات في تبني الإدارة الأميركية للموقف الإسرائيلي

الحوارنيوز – خاص
قرأت صحف اليوم في تبني الإدارة الأميركية للرد الإسرائيلي على الورقة الأميركية المعدلة التي وافق عليها لبنان.
ماذا في التفاصيل؟
- صحيفة النهار عنونت: أوسع وفد أميركي ينقل “الموقف الثابت الواحد”… تلويح “بمعاهدة دفاعية” بعد “المنطقة الاقتصادية”
وكتبت تقول: على رغم الطابع اللافت الذي اقترب من صفة استثنائية لوجود وفد أميركي رفيع المستوى ومشترك التركيبة بين موفدين بارزين للإدارة الأميركية واثنين من أعضاء مجلس الشيوخ وعضو في مجلس النواب في بيروت، برزت سمة لافتة أكثر إثارة للاهتمام تمثلت في ترداد الأعضاء الخمسة للوفد نبرة ولغة ومفردات موحّدة تدور كلها عند “نزع سلاح حز.ب الله” بلا زيادة أو نقصان، كأبجدية استباقية لترجمة كل الدعم الأميركي المطلوب كما لإلزام إسرائيل بترجمة سياسة “الخطوة مقابل خطوة”. اتخذت زيارة الوفد الأميركي المواكبة للزيارة الخامسة التي يقوم بها موفد الرئيس الأميركي توم برّاك لبيروت ومعه الموفدة العائدة حديثاً بكامل الصلاحيات مورغان أورتاغوس، طابعاً متشدداً لجهة تظهير موقف أميركي لا يبتعد عن اشتراطات إسرائيل بوجوب أن ينفّذ لبنان خطة حصر السلاح في يد الدولة لكي تنهي إسرائيل احتلالها للنقاط الخمس وتلتزم اتفاق وقف الأعمال العدائية. ولكن الزيارة تجاوزت هذا الهدف وحده لتبلغ رسم آفاق بعيدة من مثل حديث برّاك عن “تعويض” مقاتلي “حز.ب الله” لدى تسليمهم السلاح أو الحديث عن “المنطقة الاقتصادية” في الجنوب. ولعل الأكثر إثارة للاهتمام برز في كلام هو الأول من نوعه لمّح إليه السيناتور ليندسي غراهام عن فكرة “معاهدة دفاعية” بين الولايات المتحدة الأميركية ولبنان لحماية التنوع الديني فيه. ومع ذلك، بدا واضحاً أن الأميركيين رموا الكرة في ملعب لبنان والتزامه نزع السلاح، ولكن أفضى الشعار العام لـ”اليوم الأميركي الطويل” إلى انتظار خطة قيادة الجيش اللبناني التي سيبحثها مجلس الوزراء في الثاني من أيلول وعندها يبنى على الشيء مقتضاه.
وقد ضم الوفد الأميركي الذي جال على الرؤساء الثلاثة وقائد الجيش، كما زار مساء الرئيس السابق للحز.ب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط من دون حضور اورتاغوس، السيناتور جين شاهين والسيناتور ليندسي غراهام والنائب جون ويلسون، بالإضافة الى الموفدين برّاك وأورتاغوس والسفيرة الأميركية في لبنان ليزا جونسون.
أبرز الخلاصات والمواقف التي أعلنها برّاك تمثلت في قوله من بعبدا: “ما نستطيع أن نقوم به لـ”حز.ب الله” هو أن نريه أن لا أحد يحتاج السلاح ولا أحد يريد أن يرى حرباً أهلية. وجواب إسرائيل كان أيضاً تاريخياً. وهذا ما قالوه لي شخصيا وقالوه للرئيس ترامب وصرّحوا به في بيانات. والجهد الذي سنقوم به هو للتأكيد أن حز.ب الله ليس مسلحاً وليس عدائياً بحقهم، وهم سينسحبون بالطريقة نفسها. وما سنقوم به هو أن حكومتكم في الأيام المقبلة ستقدم اقتراحاً وخطة اقتراح لما هو في نيتها القيام به لنزع سلاح حز.ب الله. وعندما ترى إسرائيل ذلك، سيقدم الإسرائيليون الاقتراح المقابل، وما سيقومون به لجهة الانسحاب وضمان حدودهم أيضاً والنقاط الخمس، مقابل ما سنعرضه عليهم من الجهة اللبنانية”.
وبرّر الحديث عن المنطقة الاقتصادية “بأننا في حاجة إلى بديل، وتحدثنا أيضاً عن طرف آخر خارجي هو إيران التي تموّل هنا حز.ب الله والبلديات التابعة لـ”حز.ب الله”. إذاً كيف نستبدل ذلك؟ نأتي بدول الخليج في الوقت نفسه لمنطقة شبيهة بمنطقة اقتصادية. وسيكون هناك عمق بالتفكير بها في الأسابيع المقبلة”.
ولفت إلى أن “الجيش اللبناني وحكومتكم ستعرض خطة وسيقولون لـ”حز.ب الله” كيفية نزع السلاح. هذا لا يجب أن يكون عسكرياً. نحن لا نتحدث عن حرب. نحن نتحدث عن كيفية إقناع حز.ب الله بالتخلي عن هذه الأسلحة”. وفي ما يتصل بالتمديد لليونيفيل، أكد أن “موقف وزير الخارجية الأميركية أننا سنوافق على التمديد لها سنة”.
أما أورتاغوس، فقالت: “إسرائيل مستعدّة أن تتحرّك خطوة خطوة مع قرارات الحكومة اللبنانيّة، وسنساعد الحكومة للمضي قدماً في القرار التاريخي ونشجّع إسرائيل على القيام بخطواتها”. ومن عين التينة حيث سئلت تعليقها على خطاب الشيخ نعيم قاسم أمس، قالت أورتاغوس: “هو مثير للشفقة”.
وبرز بين تصريحات أعضاء وفد الكونغرس كلام السيناتور غراهام الذي قال: “عندما يتم نزع سلاح حز.ب الله على يد الشعب اللبناني، ونقل السلطة من الميليشيات إلى الجيش اللبناني، عندها سيكون هناك حوار مختلف مع إسرائيل. لكن كل ما يُقال سيبقى مجرد كلام ما لم يحدث تغيير فعلي. إسرائيل لن تنظر إلى لبنان نظرة مختلفة حتى يقوم لبنان بخطوة مختلفة. وتلك الخطوة هي نزع سلاح عدو الشعب الإسرائيلي. لا تسألوني أي أسئلة عمّا ستفعله إسرائيل قبل أن تنزعوا سلاح حز.ب الله”. كما تساءل “لماذا لا نقيم علاقة مع لبنان نلتزم من خلالها فعليًا بالدفاع عمّا تقومون به؟ إنني أعتقد أنّ من مصلحة الولايات المتحدة الدفاع عن التنوّع الديني، سواء كنتم دروزًا أو علويين أو مسيحيين أو غير ذلك. إنّ فكرة أن يكون لأميركا يومًا ما اتفاقية دفاع مع لبنان ستُحدث تغييرًا في لبنان لا يشبه أي أمر آخر يمكنني تصوّره. ولماذا أدافع عن هذه الفكرة؟ لأنني أريد أن أدافع عن التنوّع الديني. وأريد لأولئك الذين يسعون إلى تدمير هذا التنوّع الديني أن يفهموا أنّ أيامهم باتت معدودة”. ومن المقرر أن يقوم برّاك اليوم بجولة على الحدود اللبنانية الجنوبية وترافقه بعثة وصفت بانها تقنية.
أما الموقف اللبناني، فأبلغه الرئيس جوزف عون إلى الوفد، فجدد “التزام لبنان الكامل بإعلان 27 تشرين الثاني لوقف الاعمال العدائية والذي أقر برعاية أميركية- فرنسية ووافقت عليه الحكومة السابقة بالإجماع”. وجدّد “التزام لبنان ورقة الإعلان المشتركة الأميركية- اللبنانية التي أقرها مجلس الوزراء ببنودها كافة من دون أي اجتزاء”. وشكر الرئيس عون الجانب الأميركي على “استمراره في دعم الجيش اللبناني والقوى المسلحة اللبنانية وتعزيزها في كل المجالات لتقوم بمهامها الوطنية لجهة حصرية الأمن والاستقرار في لبنان، متمنياً على الجانب الأميركي متابعة الاتصالات مع الجهات المعنية كافة، وخصوصا مع البلدان العربية والغربية الصديقة للبنان لدعم والإسراع في مساري إعادة الإعمار والنهوض الاقتصادي”.
- صحيفة الأخبار عنونت: الأميركيون للسلطة: الجيش بأمر إسرائيل
وكتبت تقول: كثيرٌ من الكلام سُجِّل في الهجمة الأميركية المحمّلة بالرسائل والدلالات عبر «ضيوف» سلطة الوصاية أمس، الذين لم يكتفوا بترداد خطاب النفاق المفضوح حول دور واشنطن التفاوضي المزعوم، بل ذهبوا إلى ما هو أبعد حين طالبوا الحكومة اللبنانية، وبكل صلف، بتمكينهم من الاطّلاع على خطة الجيش لنزع سلاح المقاومة فور إنجازها، على أن يكون لإسرائيل «رأيها» فيها، وفق ما كشفته مصادر واسعة الاطّلاع على محادثات الوفد.
لحظة الذروة في هذا المشهد الوقح كانت مع السيناتور الصهيوني ليندسي غراهام، الذي عبّر بلا مواربة عن جوهر الموقف الأميركي: انحياز مطلق لإسرائيل، وتجريد كامل لدور واشنطن من أي مصداقية بعدما ظهر جلياً أنه مُبرمج حصراً لخدمة المصلحة الصهيونية. وكل ذلك، بلا حرج ولا أقنعة، وعلى حساب المصلحة اللبنانية. وما يزيد خطورة المشهد أنّ هذا الخطاب الفجّ يجد في السلطة اللبنانية الحالية أرضاً رخوة، خاضعة، لا تملك سوى الانصياع لسلطة الوصاية والتسليم بإملاءاتها.
وقد استبق «الضيوف» الأميركيون أي احتمال لأن تجرؤ هذه السلطة على رفع أي مطلب، فوضعوا محاذير محكمة لا يُسمح بالاقتراب منها، انسجاماً مع ما أعلنه بنيامين نتنياهو بوضوح: «لا خطوة إسرائيلية قبل نزع السلاح بالكامل». وبذلك، فإن ما نفّذته الحكومة اللبنانية حتى الآن من إملاءات، ورغم أنه حظي بـ«تقدير» الإسرائيليين، ليس كافياً.
عملياً، جاء الوفد الأميركي ليكرّس كلام نتنياهو ويؤكّده، ويثبت مجدّداً أن مسار التفاوض مع عدو من هذا النوع مسار عقيم، وأن «سلطة الوصاية» في بيروت لن تحصد سوى الخيبة، لا لعجزها وحده، بل لأنّ واشنطن وتل أبيب لا تشبعان من إذلال الدولة اللبنانية، ولن تكتفيا بما قدّمته من تنازلات.
لهذا، لم يتطرّق الوفد إلى أيّ من المطالب اللبنانية، ولا حتى التفت إليها، بل تحدّث بوقاحة متعالية عن وجوب تنفيذ المطلوب: نزع سلاح المقاومة، بمعزل عن أي التزامات أو ضمانات، على أن يكون لإسرائيل الحكم الفصل بعد ذلك. أما في الجانب اللبناني، فكان الاستسلام سيّد الموقف. لا جديد يجرؤ أركان السلطة على قوله، باستثناء الترقّب السلبي لإملاءات الخارج، والتسليم بدور المتجاوب الأبدي مع الضغوط، حتى حين تبلغ الإهانة حدوداً غير مسبوقة.
بدأ وفد الوصاية الأميركية، الذي ضمّ إلى جانب السيناتور ليندسي غراهام، السيناتور جين شاهين، الموفد الرئاسي الأميركي إلى لبنان وسوريا توماس برّاك، نائبة الموفد الرّئاسي إلى الشّرق الأوسط مورغان أورتاغوس، والسفيرة الأميركية في بيروت ليزا جونسون، جولته على الرؤساء الثلاثة من بعبدا بلقاء رئيس الجمهورية جوزيف عون.
وكشفت المصادر أن «ما صرّح به أعضاء الوفد علناً لم يختلف عن ما أُبلغ به المسؤولون اللبنانيون»، مشيرةً إلى تأكيد الوفد على «ضرورة اتخاذ خطوات لتنفيذ قرار نزع سلاح حز.ب الله، والاطّلاع على الخطة التي يعدّها الجيش اللبناني لعرضها على المسؤولين في إسرائيل للنظر في ما إذا كانت تفي بالغرض، مع إمكانية إدخال تعديلات».
وأكّدت المصادر أن «الوفد لم يترك أي مجال أمام أركان السلطة للمطالبة بأي شيء، مع التأكيد على أن كل الخطوات المقابلة معلّقة إلى حين تنفيذ المطلوب، بمعزل عمّا ستفعله إسرائيل».
وأضافت أن الوفد أبلغ الرؤساء بأن «إسرائيل لن تنسحب من النقاط التي احتلّتها، ولن توقف عملياتها قبل الاطّلاع على الخطة ورؤية تنفيذ سحب السلاح عملياً من حز.ب الله»، مع التأكيد على عدم إعطاء أي ضمانات بأن أميركا ستُلزِم إسرائيل بتنفيذ كل ما هو متفق عليه لا قبل سحب السلاح ولا بعده».
وقد اختصر السيناتور العنصري غراهام هدف الجولة من بعبدا بالقول إن «إسرائيل لن تنظر إلى لبنان بطريقة مختلفة إلا إذا قام لبنان بأمر مختلف، وبدون نزع سلاح حز.ب الله ستكون أي مناقشة حول الانسحاب بلا جدوى». فيما أشار برّاك إلى أن «حكومة لبنان ستقدّم اقتراحها قريباً حول كيفية نزع سلاح حز.ب الله، على أن تقدّم إسرائيل اقتراحاً مقابلاً عند تسلّم الخطة اللبنانية»، مؤكداً أن الهدف هو «إقناع حز.ب الله بالتخلي عن السلاح، وليس خوض حرب».
وشدّد على أن الرئيس السوري أحمد الشرع لا يسعى لعلاقة عدائية مع لبنان، ويريد التعاون معه. من جهتها، قالت أورتاغوس إن «إسرائيل مستعدّة للتحرك خطوة خطوة مع قرارات الحكومة اللبنانية، وستساعدها على المضي قدماً في هذا القرار التاريخي، وتشجّع إسرائيل على تنفيذ خطواتها».
في عين التينة، أكّدت مصادر سياسية أن «رئيس مجلس النواب نبيه بري جدّد رفضه إقامة منطقة عازلة، مؤكداً على ضرورة عودة الجنوبيين إلى قراهم، وإعادة الأسرى، والشروع بعملية إعادة الإعمار، ووقف الاعتداءات». أما في السراي الحكومي، حيث التقى الوفد الأميركي الرئيس نواف سلام، فلم تختلف الأجواء عما حصل في بعبدا، وسط تأكيدات بأن «سلام هو الأكثر انخراطاً في المشروع الأميركي، والأسرع هرولة لتنفيذ الطلبات، بل يضغط على الآخرين للّحاق به».
وسيجول برّاك وأورتاغوس اليوم في الجنوب، حيث يصلان بطوافة إلى ثكنة الجيش في مرجعيون، ويجولان على الخيام والبياضة والناقورة وعلى المواقع الأثرية في صور.
- صحيفة الديار عنونت: براك يستبعد الحل العسكري ويضغط لحوار مباشر بين لبنان و”إسرائيل“
الحز.ب يطلق اعادة الاعمار في الضاحية
هل تنجح بيروت ودمشق في الانتقال الى بلورة اطار سياسي؟
وكتبت تقول: بين حدي خطاب الأمين العام لحز.ب الله الشيخ نعيم قاسم، وما تمخض عن لقاءات الوفد الاميركي، المؤلف من توم براك ومورغان أورتاغوس، يرافقهما اعضاء من الكونغرس الأميركي، إلى بيروت، يقف لبنان أمام لحظة استراتيجية دقيقة تُعيد رسم مشهده الداخلي والإقليمي. فالوقائع المتراكمة في الأسابيع الأخيرة، وفي مقدمتها الرد الإسرائيلي الرسمي على الورقة الأميركية، المتعلقة بالوضع الحدودي وترتيبات «حصر السلاح»، أدخلت البلاد في مرحلة من التعقيد السياسي والأمني تُنذر باصطفافات حادة، وربما تحولات كبرى، مؤكدة أن الملف اللبناني لم يعد هامشيًا في الحسابات الإقليمية والدولية، بل بات في صلب الترتيبات المتعلقة بأمن شرق المتوسط، وموازين النفوذ بين القوى المختلفة.
في قلب هذه اللحظة، يتقاطع الداخل اللبناني المنقسم حول مستقبل سلاح حز.ب الله ودور الدولة، مع خارطة إقليمية تتغير ببطء تحت ضغط التسويات وموازين الردع الجديدة. فالموقف الإسرائيلي، وإن جاء محاطاً بالحذر، أشار بوضوح إلى دعم إسرائيل للطرح الأميركي القاضي «بترتيب السلاح داخل لبنان»، وفتح الباب لتسوية تبدأ من الجنوب. من هنا فان زيارة براك – أورتاغوس، وهي الثانية من نوعها في أقل من شهر، تشير إلى تحرّك أميركي فاعل لتثبيت التفاهمات أو دفع الأطراف نحو الخيارات الحاسمة.
ثلاثة مسارات
ضمن هذا الإطار، يبدو لبنان عالقا بين ثلاثة مسارات استراتيجية: الأول، تثبيت التفاهمات الدولية حول حصر السلاح مقابل ضمانات أمنية واقتصادية؛ الثاني، التصعيد الداخلي الذي قد يأخذ شكل شلل سياسي أو اضطراب أمني؛ والثالث، التجميد المرحلي بانتظار استحقاقات إقليمية أوسع.
في كل الأحوال، فإن هذا التداخل بين الحراك الأميركي، الرد الإسرائيلي، وخطاب حز.ب الله، يُنتج واقعاً سياسياً هشاً لكنه قابل للتشكّل. والسؤال الأبرز هنا: هل سيتمكّن لبنان من ترجمة الضغوط الدولية إلى مسار تفاوض داخلي متوازن؟ أم أنه ذاهب نحو مواجهة مفتوحة بين الدولة والمقاومة تحت مظلة إقليمية مضطربة؟
الاكيد إن ما بعد جولة الوفد الأميركي ليس كما قبلها. إذ دخل لبنان مرحلة اختبار جدّي لموقعه، ودوره، وهويته السياسية المستقبلية، في ظل اشتباك إقليمي – دولي يتجاوز ساحته الجغرافية الضيقة إلى عمق موازين القوى في الشرق الأوسط، على ما تؤكد اوساط الوفد الاميركي.
اللقاءات الرئاسية
فجولة الوفد الأميركي، التي شملت لقاءات مع الرؤساء الثلاثة وعدد من القيادات، حملت رسائل حازمة بشأن ضرورة تسريع عملية «ضبط السلاح»، والانخراط في إصلاحات فورية مقابل دعم اقتصادي مشروط، كما اكدت اورتاغوس خلال عشاء الجميزة. لكن ما بين سطور التصريحات الأميركية، ظهرت ملامح تحول استراتيجي في المقاربة الأميركية: لم يعد المطلوب فقط احتواء الانهيار، بل السعي إلى إعادة صياغة التوازنات السياسية الداخلية بما يتوافق مع أهداف واشنطن الإقليمية، وتحديداً في ظل الرد الإسرائيلي الأخير على الورقة الأميركية.
في المقابل، أظهرت القيادات اللبنانية تبايناً في تلقي الرسائل الأميركية، بين من اعتبر أن «الفرصة قد تكون الأخيرة لإنقاذ الدولة»، ومن يرى أن الضغوط الخارجية تحمل أجندة تتجاوز المصلحة الوطنية، وتستهدف محور المقاومة مباشرة.
هذا على الاقل ما خرجت به المعطيات التي تجمعت من اللقاءات في المقار الرئاسية الثلاثة، حيث اعاد الرؤساء عون وسلام التاكيد على المواقف اللبنانية المبدئية، مؤكدين ان ما اتخذ من قرارات لا رجوع عنه، وان بيروت ملتزمة بالورقة التي اقرتها والتي تشكل اقصى ما يمكن ان يقدمه لبنان.
غير ان الكلام في بعبدا، واللهجة الاكثر صراحة التي سمعت في السراي، لم تكن ذاتها في عين التينة التي بدت اكثر تشددا، مصرة على مواقفها السابقة، مضيفة ان الالتزام بالقرار 1701 يفترض التجديد لقوات اليونيفيل في الجنوب.
في كل الاحوال تكشف مصادر مواكبة لجولات الوفد ان البحث تطرق الى ثلاثة ملفات، تفاوتت الايجابية بشان كل منها، وهي: الرد الاسرائيلي، التجديد لليونيفيل، والملف السوري، في ظل غياب كامل لاي حديث عن الاصلاحات والمساعدات بشكل مفصل.
الرد الاسرائيلي
واشارت المصادر الى وجود «ايجابية اسرائيلية شكلية»، مشروطة بالخطة التي سيضعها الجيش اللبناني وستتطلع عليها كل من واشنطن وتل ابيب، التي ستضع على ضوئها خطة للانسحاب التدريجي من لبنان، مشروط بانجاز الجيش اللبناني حصر السلاح في منطقة الجنوب، وموافقة الدولة اللبنانية على اقامة «منطقة ترامب الصناعية» بتمويل قطري – سعودي، على طول الحدود، لا تتضمن اي مبان سكنية.
وتابعت المصادر، بان «ريفييرا غزة التي نقلها الرئيس الاميركي الى الجنوب»، ستشكل على ما يبدو منطقة عازلة، يطالب بها سكان المستوطنات الشمالية، رغم ان معالمها وعمقها والنقاط التي ستشملها لا تزال غير واضحة، ولا يملك الاجابة عليها سوى اسرائيل واميركا، علما ان الجانب الرسمي اللبناني لم يتبلغ شيئا واضحا او جديا او مفصلا في هذا الخصوص، وسط تاكيد رسمي بان لبنان سيرفض بشكل كامل اي مشروع تهجيري للاهالي تحت اي مسمى.
وختمت المصادر، بان الضغوط الاميركية نجحت في التخفيف من حدة وكثافة الغارات والاستهدافات التي تنفذها اسرائيل فوق الاراضي اللبنانية وعمليات الاغتيال، مؤكدة ان الاتصالات ستسمر مع تل ابيب لاستكمال المشاورات، التي ستزورها اورتاغوس فور مغادرتها لبنان قبل توجهها الى نيويورك، لمناقشة نتائج الجولة في بيروت.
ملف اليونيفيل
وحول هذه النقطة تؤكد المصادر ان براك ابلغ المعنيين التوصل الى اتفاق في مجلس الامن يقضي بانهاء مهمة اليونيفيل في 31 آب 2026، حيث على لبنان الاعتماد على قواه الذاتية للقيام بالمهام الموكلة اليه، كاشفة ان اللقاء في عين التينة في هذا الخصوص كان اكثر تشددا حيث ربط رئيس مجلس النواب بين القرار 1701 ووجود القوات الدولية، وهو ما فهم منه ان الالتزام بالقرار 1701 يفترض بقاء قوات اليونيفيل.
وتابعت المصادر بان رئيس الجمهورية اكد بدوره على خطورة سحب اليونيفيل من لبنان، مطالبا باستمرار التفويض المعطى لها لمدة ثلاث سنوات على الاقل باعتبار التمديد سنة واحدة فقط لن يؤدي المهمة المطلوبة، الى حين استكمال انتشار الجيش على كامل الاراضي اللبنانية، من جهة، وعملية تجهيزه لتمكينه من القيام بكافة المهام المطلوبة منه، اذ ان وجود تلك القوات خلال هذه الفترة يؤمن الغطاء الدولي للبنان، ويساعد الدولة اللبنانية في مجالات الانماء الاجتماعي والصحي والاجتماعي في المناطق الحدودية.
البعد السوري للزيارة
اما في شقها الثالث، فقد تناولت المشاورات رد السلطات السورية، التي ابدت كل تعاون ورغبة في التنسيق مع الجانب اللبناني، على ما اكد براك نقلا عن الرئيس احمد الشرع الذي ابدى استعداده وانفتاحه لفتح صفحة جديدة في العلاقات بين البلدين، معلنا «تخطي سوريا لمسالة حز.ب الله»، على ما اشار.
وفي هذا الاطار كشفت مصادر مواكبة ان واشنطن انتزعت من دمشق قرارا بنقل مستوى العلاقات والتفاوض مع بيروت من المستوى العسكري الى المستوى السياسي والدبلوماسي، والذي ستكون اولى بوادره زيارة الوفد السوري الى العاصمة اللبنانية.
وتشير المعطيات الى ان اللقاء الذي سيحصل في بيروت هو الاول من نوعه على هذا المستوى، حيث سيبحث في ملفات شائكة كما سيمهد لعقد لقاءات رفيعة المستوى بين الطرفين لاحقا، اذ علم ان تشكيلة الوفد اللبناني ستكون موازية لما يحمله الوفد السوري من صفات، حيث سيتم بحث ملف ترسيم الحدود بشكل تفصيلي في ظل التقدم الحاصل على صعيد ضبط عمليات التهريب ومكافحة المخدرات والممنوعات، ملف المعتقلين، حيث سيعمل على تحضير اتفاقية لتبادل المعتقلين يقسم بموجبها الموقوفون الى فئات، عودة النازحين، حيث ستطالب الدولة اللبنانية باعطاء الاولوية لاعمار المناطق التي يعود اليها النازحون، واخيرا ستتم مراجعة كامل الاتفاقات المبرمة سابقا ومن بينها المجلس الاعلى اللبناني – السوري، الذي تميل الامور نحو الغائه.
وختمت المصادر، بان الاجتماع، الذي لم يحدد تاريخه بعد، سيشكل اختبارا جديا لامكان الانتقال من ادارة الملفات التقنية الى بلورة اطار سياسي جدي للعلاقة بين بيروت ودمشق، ومدى نجاح الضغوط الاميركية والسعودية في وضع العلاقة بين البلدين على السكة.
في غضون ذلك، علم ان رئيس الحكومة نواف سلام كلف نائب رئيس مجلس الوزراء طارق متري بمتابعة ملف العلاقات اللبنانية – السورية، نظرا للعلاقات التي تربط الاخير بالامم المتحدة وعواصم القرار، في اطار القرار اللبناني باعتماد مسار مؤسساتي وهادئ يعيد العلاقات بين البلدين الى اطارها السياسي والدبلوماسي.
«اشكال» بعبدا
وكان شهد المؤتمر الصحافي للوفد الاميركي في قصر بعبدا، «اشكالا»، حين وجّه برّاك كلامًا استفزازيًا للصحافيين قائلاً: «اصمتوا لحظة… في اللحظة التي يصبح فيها الوضع فوضويًا و›حيوانيًا› سنرحل»، دون ان يرد اي من الصحافيين الموجودين، ما اثار لاحقا موجة من الردود واصدار البيانات من نقابة الصحافة والمحررين ومن رئاسة الجمهورية.
الوفد الاميركي
اوساط مقربة مطلعة على اجواء الوفد الاميركي، كشفت ان الزيارة الاخيرة للوفد الاميركي «الفضفاض»، وللشخصيات التي ضمها، حملت الكثير من الرسائل والمؤشرات الاستراتيجية لمن يعنيهم الامر، من مسؤولين رسميين في الدولة اللبنانية، وللقيادات السياسية المختلفة، مشيرة الى ان واشنطن ارادت تثبيت رؤيتها الجديدة للبنان، وعدم الاكتفاء بدور «الراعي المساعد»، بل باتت تدفع نحو صياغة معادلة سياسية – امنية جديدة في لبنان، تنطلق من حصر السلاح تدريجيا، اقامة ترتيبات امنية جنوبية بضمانات احادية منها، وهو ما تخفيه خلف قراريها بانهاء مهمة اليونيفيل من جهة، وانشاء منطقة صناعية، من جهة ثانية.
وتابعت الاوساط، بان زيارة براك – اورتاغوس، جسدت «تصعيدا ناعما» عبرت عنه التصاريح التي سبقت ورافقت واعقبت اللقاءات في المقرات الرئاسية، حيث لا مساعدات دون تغييرات سياسية عميقة، وبالتالي فان المرحلة المقبلة ستشهد ضغوطا اكبر على مكونات السلطة، من دون الانخراط في مواجهة مباشرة.
ورات الاوساط بانه من الواضح ان المحاولات الاميركية لفصل المسار اللبناني عن النزاع الإقليمي، عبر خلق مساحة تسوية خاصة بلبنان، قد نجحت، بالتقاطع مع الجهود التي تبذلها المملكة العربية السعودية، من هنا فان الزيارة جاءت متزامنة مع الرسائل الاسرائيلية حول حرب محدودة انهت تل ابيب استعداداتها بشانها.
وختمت الاوساط، بان الزيارة شكلت تحركا اميركيا مدروسا ضمن مرحلة انتقالية دقيقة يعيشها لبنان، فبين الدعم والتحذير تراوحت اللهجة والخطاب، فالخيارات ضيقة، اما السير في تسوية اميركية مشروطة ومراقبة دوليا، و اما الانزلاق الى مزيد من الانهيار السياسي – الامني، وربما تفجير الوضع الحدودي، وفي الحالتين لم يعد التوازن القائم حاليا قابلا للحياة.
العشاء في “السنترال”
وكان سبق لقاءات الامس عشاء بدعوة من النائب راجي السعد ضم اكثر من 50 شخصية سياسية واقتصادية ومن المجتمع المدني، في احد مطاعم الجميزة، المملوك من احد المصرفيين، شاركت فيه مورغان اورتاغوس وغاب عنه توم براك، لارتباطه بمواعيد اخرى اخرت وصوله الى بيروت.
ووفقا لاحد المشاركين فان الجانب الاميركي المح الى استعداد اسرائيل لشن عملية عسكرية واسعة في لبنان في حال اقتضى الامر، معتبرا ان ايران لا زالت «تسعى لمنع تحقيق لبنان لاي تقدم»، مؤكدا من جديد ان لا استثمارات او مساعدات قبل انجاز عملية سحب السلاح، ملمحة الى ان واشنطن اعدت خطة متكاملة تتضمن تعويضات واعمار وفرص عمل ومناطق صناعية على الحدود.
مبادرة حز.ب الله
التصعيد الاميركي اذا جاز التعبير، قابله قرار من حز.ب الله بالاعلان عن رصد مبلغ مليار دولار لمباشرة اعادة الاعمار في الضاحية الجنوبية والمناطق المتضررة، باستثناء قرى الحافة الامامية والبلدات التي لا تزال تحت خطر الاعتداءات الاسرائيلية، والذي علم ان الحز.ب قد سدد بدلات الايواء لسكانها من ايجار شقق خارج المنطقة لمدة سنة بالكامل عن عام 2026.
ووفقا للمعطيات فان الاموال المرصودة باتت جاهزة، وكذلك المخططات والخرائط والمسح العقاري للمناطق والمباني، بعدما تم تحديث «داتا» التي كانت اعدت عام 2006،والتي يتوقع ان تنتهي الاعمال فيها في غضون ثمانية اشهر، كحد اقصى في المرحلة الاولى.
وتوقعت المصادر ان يتم الاعلان عن هذه الخطوة خلال احتفال تابيني كبير بمناسبة استشهاد امين عام حز.ب الله السابق السيد حسن نصرالله، في 27 ايلول الحالي، معتبرة ان هذه الخطة مؤشر الى ان الامور ذاهبة باتجاه التهدئة في لبنان، وان كل ما يحكى عن حرب وتصعيد في غير محله.
خطة الحز.ب تاتي في وقت كشف فيه وزير المال ياسين جابر، عن انشاء صندوق مخصص لاعادة اعمار البنى التحتية في المناطق المتضررة على ان يمول من قرض البنك الدولي البالغ 250 مليون دولار، حيث ستبدأ الاعمال من المناطق المكتظة بالسكان والتي تعرضت لاضرار كبيرة، كما سيخصص مبلغ لاعادة ترميم الطرقات في المناطق الامامية لتوفير امكان الوصول الى القرى.
سلامة واخلاء السبيل
قضائيا، وفي تطور لافت، أصدرت الهيئة الاتهامية المكلفة برئاسة القاضي نسيب ايليا قرارًا باخلاء سبيل الحاكم السابق لمصرف لبنان رياض سلامة بكفالة مالية قيمتها 20 مليون دولار وخمسة مليارات ليرة لبنانية. ونص القرار على منع سلامة من السفر لمدة عام، في إطار الملاحقات القضائية المستمرة بحقه. كفالة وهي الاغلى على الاطلاق في تاريخ لبنان شكلت موضع اعتراض من وكلاء الدفاع عن سلامة الذين اعترضوا عليها كون امواله محجوزة في لبنان وخارجه.
اوساط حقوقية كشفت ان فريق سلامة يدرس خيار الانتظار حتى بلوغ تاريخ 3 ايلول للمطالبة بتخفيض قيمة الكفالة، خصوصا انه كان طلب سابقا تسديد اي كفالة مطلوبة بالليرة اللبنانية.
علما انه كان من المتوقع اطلاق سراح سلامة في الثالث من ايلول تطبيقا للمادة 108 من قانون اصول المحاكمات الجزائية، الا ان استباق الامر من قبل الهيئة الاتهامية جاء لفرض الكفالة المالية الكبيرة ومنعه من السفر.



