الطنين المستمر.. عذاب الجنوب الذي لا يهدأ (زينب إسماعيل)

زينب أسماعيل – الحوارنيوز

في جنوبنا، حيث تنبض القلوب رغم الألم، لا يعرف السكان لحظة هدوء حقيقيّة، ولا تبتسم لهم ليالٍ بلا خوف. هناك، يعيش الإنسان يومه وسط صوتٍ واحد لا ينقطع: طنينٌ مستمرّ، ثقيلٌ كقطرات المطر التي تسقط ببطء على سطح معدني، لا تتوقف، لكنه لا يمطر ماءً، بل يغرق النفس بالخوف والتوتر.
هذا الطنين هو صدى المسيرات الإسرائيلية التي تحلق بلا هوادة فوق رؤوسهم، تملأ السماء برنين يخرق أعصابهم ويعبث بسكينتهم. هو أكثر من مجرد صوت. هو عقابٌ نفسيّ متواصل، كقطرات ماء تُسقط على رأس الأسير في زنزانته، واحدة تلو الأخرى، في إهانة مبرمجة تهدف إلى تحطيم الروح قبل الجسد.
أما تلك المرأة من إحدى قرى الجنوب، فتقول:
“كلما سمعت صوت الطيران، يرتجف قلبي وتبدأ دقاتها تتسارع. كأنني في معتقل، عندما كان صوت القصف يرافقنا بلا توقف، وأشعر أنني محاصرة داخل نفسي، لا أجد الهدوء.”
ويضيف شاب في ربيع عمره:
“الطنين ليس مجرد صوت في السماء، بل هو صوت يشق أعمق جروحنا النفسية. كل ليلة، أستمع له وأنا أتساءل: هل ستكون هذه الليلة مختلفة؟ هل سنبقى على قيد الحياة؟”
لكن ما يزيد من عذاب هذا الطنين ليس الصوت وحده، بل القلق المستمر الذي لا يغادر، ذلك الرعب الخفي الذي يجعل من كل ثانية انتظارا للحظة الانفجار التالية. كيف يمكن للإنسان أن يعيش في سجن لا جدرانه حديد، بل أصداء وأوهام ومخاوف؟ كيف له أن يجد راحته عندما يصبح الصوت رمزاً للتهديد والخطر؟
أهل الجنوب، رغم هذا كله، لا يستسلمون. في عيونهم قصص بطولة لا تُروى، وصمود ينبض بالعزيمة. هذا الطنين الذي يُرهقهم، هو نبض قلب مقاوم لا يعرف الانكسار.
علينا أن نكون معهم، لا بالكلمات فقط، بل بفهم عميق لمعاناتهم ومحاولة فعلية لتخفيف هذا العبء النفسي الذي يكبل حياتهم. فصمودهم مرآة قوتنا، وطمأنينتهم مسؤولية إنسانية لا يمكن تجاهلها.



