لبنان بين فكّي الضغوط الأميركية-الإسرائيلية وخيارات الدولة الصعبة (بهاء حلال)

العميد المتقاعد بهاء حلال – الحوارنيوز
يعيش لبنان لحظة مفصلية تتجاوز الحسابات المحلية إلى عمق الصراعات الإقليمية والدولية، وذلك مع تصاعد الضغوط الأميركية والإسرائيلية لنزع سلاح حز. ب الله خلال مهلة زمنية حُدّدت بأربعة أشهر، بدأت عملياً في الأول من آب وتمتد حتى نهاية تشرين الثاني. فقد حمل المبعوث الأميركي توماس باراك هذا المطلب بشكل واضح وصريح خلال زيارته الأخيرة إلى بيروت، واضعًا الحكومة اللبنانية أمام معادلة حرجة: إما الاستجابة للمطلب بنزع سلاح المقاومة، أو تحمّل تبعات التصعيد.
المسار الرسمي اللبناني بدأ يتحرك مع اقتراب انعقاد جلسة خاصة لمجلس الوزراء لمناقشة مسألة “حصرية السلاح بيد الدولة”. هذه الجلسة قد تكون أولى الخطوات العلنية لمحاولة صياغة موقف رسمي من قضية شائكة منذ عقود، لكنها محفوفة بالمخاطر. فقرار استخدام القوة ضد حز. ب الله لا يهدد فقط وحدة الدولة بل ينذر باندلاع فتنة داخلية، نظراً إلى التركيبة الطائفية الحساسة، وارتباط السلاح مباشرة بالتوازنات الداخلية والإقليمية. في المقابل، خيار الحوار الداخلي أو البحث عن مقاربة توافقية قد يُغضب الولايات المتحدة وإسرائيل، اللتين ترغبان بحسم فوري للملف في سياق إعادة رسم خرائط النفوذ في المنطقة.
من جهته، يرفض حز. ب الله أي طرح لنزع سلاحه، معتبراً أن ما يجري ليس سوى فصل من المشروع الإسرائيلي الأوسع لإنهاء دور المقاو. مة في لبنان. يستند الحزب في موقفه إلى المعطيات الميدانية:
إسرائيل، لا تزال تحتل الخمس نقاط الحدودية بالاضافة الى ١٣ نقطة متنازع ومُتحفظ عليها من الدولة اللبنانية ولن ننسى مزارع شبعا وكفرشوبا في الجنوب اللبناني.
لم تتوقف اسرائيل عن تنفيذ عمليات عسكرية أو اغتيالات على الأراضي اللبنانية، ما ينفي، أي ضمانات يمكن البناء عليها للتخلي عن( عناصر القوة).
وفي الوقت نفسه، يربط حز. ب الله سلاحه بالمعادلة الإقليمية الأوسع، حيث تُعدّ إيران شريكا اساسيا في محور مقاوم يتعرض لضغوط متصاعدة. أي خطوة لعزل سلاح الحزب أو استهدافه ستُفهم في طهران كضربة سياسية وعسكرية عامة للمحور الذي اختل توازن الردع فيه بعد سقوط النظام في سوريا وهذا ما ما يزيد من احتمالات الانفجار الإقليمي.
الضغط الأميركي لا يأتي دون “جزرة” موازية للعصا. فقد تم التلويح بإطلاق برامج دعم اقتصادي وإعادة إعمار ما دمرته الاعتداءات الإسرائيلية، وهو أمر قد يُغري بعض القوى السياسية اللبنانية الباحثة عن أي متنفس في ظل الأزمة الاقتصادية الخانقة. إلا أن وعود واشنطن ترافقها تهديدات مباشرة بالسماح لإسرائيل بشن عملية عسكرية موسعة في حال لم يتم تحقيق “التقدم المطلوب” في نزع السلاح خلال المهلة المحددة، ما يثير المخاوف من دفع لبنان إلى فوهة حرب جديدة قد تكون الأشد منذ 2006.
أما السيناريوهات المطروحة، فهي تتراوح بين:
1. *تسوية داخلية محدودة* تُبقي على سلاح المقاو. مة بضوابط معينة دون الإعلان عن ذلك، في مقابل التزام حز. ب الله بضبط حضوره في بعض الملفات الداخلية، وهو سيناريو ممكن لكنه مرفوض مبدئياً من واشنطن وتل أبيب.
2. *انفجار أمني داخلي* نتيجة أي قرار يُتخذ ضد الحزب، أو محاولة تنفيذ مطلب نزع السلاح بالقوة، ما يعني تفكك الدولة ومؤسساتها، وربما عودة الحرب الأهلية بصيغة جديدة.
3. *عدوان إسرائيلي مباشر* على مواقع الحزب والبنية التحتية اللبنانية، بذريعة عدم تجاوب بيروت مع “الفرصة الأخيرة”.
4. *مخرج إقليمي/دولي* من خلال تفاهمات أكبر تشمل الملف النووي الإيراني، ووضع سوريا، وترتيب التوازن في العراق واليمن، ما يسمح بإعادة تموضع أوسع في المنطقة ومنها لبنان.
وفي خضم هذه التحديات، يبرز تساؤل جوهري: هل هناك قوى لبنانية قد تستقوي بالموقف الأميركي أو بالضغط الإسرائيلي لتحقيق مكاسب سياسية أو فرض معادلات جديدة؟
يشير المراقبون إلى مواقف واضحة من قبل القوات اللبنانية وبعض الأطراف المسيحية الداعمة لفكرة حصرية السلاح، في حين تتمسك حركة أمل وحز. ب الله بخطاب المقاو. مة، مع تريث حذر من أطراف أخرى كالحزب التقدمي الاشتراكي وتيار المستقبل.
*تحليل ختامي:*إن ما يواجهه لبنان ليس مجرد نزاع حول قطعة سلاح أو جهة عسكرية غير رسمية، بل هو صراع حول هوية الدولة، توازناتها، وتموضعها الإقليمي. الحسم السريع الذي تطالب به واشنطن وتل أبيب يصطدم بحقائق داخلية وديمغرافية وسياسية لا يمكن القفز فوقها دون كلفة كارثية. والسؤال الأهم: هل تجرؤ الحكومة اللبنانية على اتخاذ قرار مصيري دون توافق داخلي واسع؟ أم أن البلاد متجهة نحو اختبار قاسٍ يُعيد رسم خريطتها السياسية وربما الجغرافية؟
الأسابيع المقبلة ستكون حاسمة، ليس فقط لمصير المقاو. مة، بل لمستقبل الدولة اللبنانية كلها.
*عميد ركن متقاعد – الجيش اللبناني



