رأي

الفجوة بين الطوائف والمناطق :إقتراحات لتحقيق التوازن (عماد عكوش)

 

بقلم د. عماد عكوش – الحوارنيوز

 

يواجه المجتمع اللبناني انقسامًا حادًا بين فئتين: فئة تعيش في المناطق السياحية غير الزراعية وتسيطر على غالبية الوظائف العليا والوكالات التجارية ، ساعدها على ذلك النظام الطائفي منذ العام 1943 ، وفئة أخرى تعيش في المناطق الزراعية والصناعية الحرفية وتُهمش في الفرص الاقتصادية والوظيفية.

هذه الإشكالية ليست مجرد اختلاف في مصادر الدخل ، بل هي نظام طبقي جغرافي يكرس التفاوت ويُهدد التماسك الاجتماعي وهدده سابقا، فكانت الحروب الاهلية على مدى اكثر من ثمانين عاما .

تشير تجارب عالمية مماثلة كما في حالة البندقية حيث تقلص عدد السكان المحليين من 120 ألفا إلى 60 ألفا بسبب الهيمنة السياحية، إلى خطورة استمرار هذا النموذج غير المتوازن . ففي المدن السياحية ، تميل مجموعة صغيرة إلى التحكم في الموارد والفرص ، بينما تتحمل الأغلبية تبعات هذا التركيز غير العادل للثروة والسلطة.

الأبعاد الهيكلية للمشكلة

1-الهيمنة الاقتصادية لفئة محددة:

  •      احتكار الوظائف العليا: تستأثر هذه الفئة بأكثر من 50% من الوظائف في الفئات الأولى والثانية والثالثة ، ما يحرم الكفاءات من المناطق الأخرى من عدالة فرصة الوظيفة والترقية.
  •      الاحتكار التجاري: السيطرة على الوكالات الحصرية تخلق احتكارات ترفع الأسعار وتحد من المنافسة ما يؤدي إلى ارتفاع تكاليف المعيشة لسكان المناطق .
  •      اقتصاد غير متنوع: الاعتماد المفرط على السياحة يجعل الاقتصاد عرضة للأزمات، كما ظهر خلال جائحة كوفيد-19 عندما انهارت اقتصادات تعتمد بشكل أحادي على السياحة.
  •      الاحتكار السياسي للسلطة يؤدي الى اقرار تشريعات هي لصالح سكان المدن ومناطق محددة يمكن ان تتضرر نتيجة قرارات سياسات حمائية لقطاعات انتاجية كالزراعة والصناعة .

2- تهميش المناطق الزراعية والصناعية:

  •      نقص الاستثمار: التركيز على المناطق السياحية حرم المناطق الزراعية من البنية التحتية والتكنولوجيا الحديثة.
  •      هجرة الكفاءات: اضطر الشباب في المناطق الزراعية إلى الهجرة إلى المناطق السياحية ومدينة بيروت بحثًا عن فرص أفضل، ما افقد المناطق الأصلية طاقاتها الإبداعية.
  •      تدهور الصناعات الحرفية: عدم وجود دعم حكومي أو أسواق كافية ادى إلى تراجع الصناعات التقليدية التي تشكل هوية المجتمع.

3-الحلول المتكاملة للمشكلة:

أولاً: الحلول السياسية

1.    اللامركزية الادارية

o     منح سلطات أوسع للمجالس المحلية في المناطق الزراعية والصناعية لاتخاذ القرارات التنموية الملائمة لخصوصياتها.

o     الغاء التوزيع التحاصصي الطائفي في الوظائف الحكومية ومنح فرصة عادلة لكل المواطنين في تبوأ كافة الوظائف .

2.    إصلاح نظام التوظيف

o     وضع معايير موضوعية للتوظيف ترتكز على الكفاءة والاحتياجات التنموية للمناطق.

o     إنشاء هيئة مستقلة لمراقبة التوزيع الجغرافي للوظائف العامة وكشف التمييز في حال وقوعه.

3.    تشريعات لمكافحة الاحتكار

o     سن قوانين تمنع تركز الوكالات الحصرية في يد فئة أو منطقة واحدة وتفعيل قانون المنافسة واصدار المراسيم التطبيقية .

o     فرض ضرائب تصاعدية على الشركات التي تسيطر على قطاعات متعددة لتشجيع التنوع الاقتصادي.

ثانياً: الحلول الاقتصادية

1.    تنويع مصادر الدخل

o     استثمار عوائد السياحة في تطوير القطاع الزراعي عبر التكنولوجيا الحديثة كما فعلت مصر حيث زادت المساحة المزروعة بمئات الآلاف من الأفدنة .

o     دعم الصناعات الحرفية بمنح وتمويلات وتسهيلات تصديرية.

o     فرض رسوم جمركية تصاعدية على المنتجات الزراعية المستوردة وفق مواسم محددة لمنع اغراق الاسواق بسلع منافسة .

2.    إعادة توزيع الثروة

o     فرض ضريبة سياحية إضافية تُوجه عائداتها لتنمية المناطق المهمشة ، كما تفعل بعض المدن الأوروبية .

o     إنشاء صندوق تنموي لإعادة توزيع الموارد بين المناطق بناءً على مؤشرات الفقر والبطالة.

3.    تشجيع السياحة الزراعية

o     تطوير نمط سياحي جديد يربط بين المناطق السياحية والزراعية، مثل مزارع السياحة البيئية.

o     إبراز التراث الحرفي كجزء من الجذب السياحي، كما هو الحال في الأردن حيث تشكل الحرف اليدوية جزءًا من التجربة السياحية .

مشكلة لبنان تتطلب أكثر من حلول تقنية ، فهي تحتاج إلى إعادة نظر في العقد الاجتماعي بين الطوائف والمناطق المختلفة في البلد . كما يشير تقرير “انكسارات عربية” لمؤسسة كارنيغي، فإن استمرار التهميش يؤدي إلى تفكك النسيج الاجتماعي ويهدد الاستقرار السياسي .

الحل الأمثل يكمن في تبني رؤية تنموية متكاملة:

1.    العدالة المكانية: ضمان توزيع عادل للاستثمارات والفرص بين جميع المناطق.

2.    التمكين الاقتصادي: تحويل المناطق الزراعية من مستهلكة للمساعدات إلى منتجة للثروة.

3.    التكامل بين القطاعات: جعل السياحة محفزًا لتنمية الزراعة والصناعة وليس منافسًا لها.

كما يؤكد ديفيد هارفي في “مدن متمردة”، فإن الحق في المدينة أو في القرى يجب أن يشمل الحق في المشاركة الاقتصادية والعدالة الاجتماعية ، فقط عبر هذا النهج الشامل يمكن تحويل التناقض بين المناطق إلى تكامل يعود بالنفع على الجميع .

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى