
بقلم د. عماد عكوش – الحوارنيوز

انهىت اللجنة الفرعية المنبثقة عن لجنة المال والموازنة دراستها لمشروع قانون الاصلاح المصرفي (المرسوم رقم 193)، وقد اعدت تقريرا خاصا حول الأفكار التي تم تقديمها والشروحات التي تم تقديمها من قبل كل الاعضاء المشاركة، ولا سيما وزير المالية ، حاكم مصرف لبنان ، وبعض النواب المشاركين . لكنّ هذا التقرير يكشف تناقضاتٍ جوهريّة بين الخطاب الرسمي المطمئن للمودعين ، والثغرات التشريعية التي قد تُهدر حقوقهم تحت ذريعة “الإصلاح”. فهل يُشكّل هذا القانون بارقة أمل ، أم هو مجرّد وثيقة تُكرّس الأزمة بدلاً من حلها؟
لا بد في النهاية من الاعتراف بأن هذا القانون يتضمن بعض الإيجابيات، كما يتضمن بعض النقاط السلبية.
ومن اهم النقاط الايجابية :
1. إطار تشريعي متكامل
يُعدّ القانون محاولة لتنظيم إعادة هيكلة القطاع المصرفي، عبر إنشاء هيئة مصرفية عليا بغرفتين (عقابية وإصلاحية) ، ما يُفصل بين المساءلة والمعالجة .
حماية حقوق المودعين عبر إدراج ممثلٍ لهم في لجان التصفية (المادة 24)، وربط نفاذ القانون بإقرار قانون استرداد الودائع (المادة 37 ) .
2. الالتزام بالمعايير الدولية:
اعتماد معايير التدقيق العالمية (المادة 26) وإلغاء التعليمات المحلية الغامضة (المادة 10)، ما يُعزز الشفافية ويُرضي مطالب صندوق النقد الدولي .
3. تأجيل المواد الخلافية:
تعليق مواد مثل المادة 14 المرتبطة بـ”الفجوة المالية” حتى إقرار قانون استرداد الودائع، تجنباً لتضاربٍ تشريعي .
بالنسبة للنقاط السلبية فأهمها :
1. إشكالية الربط مع قانون استرداد الودائع:
رغم التأكيد على تعليق النفاذ، يُحذّر النواب من أن فصل القانونين (إصلاح المصارف واسترداد الودائع) قد يُفضي إلى تسريع إصلاح المصارف على حساب المودعين، خاصةً مع ضبابية آلية استرداد الأموال وتأخر إصدار القانون الموازي .
معظم جمعيات المودعين ترفض المشروع واصفةً إياه بـ”الإعدام القانوني للودائع”، خصوصاً مع شطب الفوائد وتقييد شروط الإسترداد .
2. هيمنة السلطة السياسية:
تركيب الهيئة المصرفية العليا لا يزال خاضعاً للتوازنات السياسية، حيث طُرح استبدال نائب الحاكم بـ”خبير من النقابات”، ما يُثير شكوكاً حول استقلاليتها .
توصيف الأزمة بأنها “نظامية” (كما يروج الحاكم كريم سعيد) حيث يُنذر بإعفاء المصارف من المساءلة الفردية، وتحميل الدولة عبء الخسائر عبر المادة 113 من قانون النقد والتسليف .
3. غياب الضمانات التنفيذية:
آلية “الإنقاذ الداخلي” (Bail-in) في المادة 13 تُترك للتفاصيل المستقبلية، ما يفتح الباب أمام تحويل خسائر المصارف إلى المودعين، كما حصل في تعاميم مصرف لبنان السابقة .
انتقاد الخبراء لـ”صندوق استرداد الودائع” المقترح، إذ يُخشى من تحوّله إلى أداة فساد كـ”صندوق المهجرين”، مع صعوبة توفير سيولة كافية .
يُظهر المشروع تناقضا صارخا بين سعيه لاستعادة الثقة الدولية عبر إصلاحات شكلية طلبها صندوق النقد الدولي ، وإغفاله المطالب الجوهرية للمودعين الذين يُعانون منذ 2019. وبالتالي لن يكون هذا المشروع ذا معنى إلا إذا :
- أقرّ قانون استرداد الودائع قبله او معه في نفس الوقت ، مع ضمانات واضحة لترتيب أولويات المودعين كافة .
- التأكيد على محاسبة المرتكبين سواء كانوا مودعين ، أصحاب مصارف ، او موظفين لدى المصرف المركزي ومن اعلى الهرم ونزولا الى اصغر موظف ، وبالتالي حذف عبارة مشكلة نظامية من اي مشروع قانون .
- يجب اقرار ألية لتمويل ولتعويض المودعين، بعيداً عن الصناديق الوهمية وبشكل يراعي مبدأ الشفافية .
من هنا نقول ان لبنان أمام مفترق طرق: فإما تشريعٌ يُعيد بناء القطاع المصرفي على أسس عادلة ، أو ترقيعٌ يُعمّق الأزمة ويُبقي الجرح نازفاً.



