رأي

العالم في مهب التوازنات الجديدة: بين جولة أولى بلا منتصر وغياب الكتلة السنيّة (أسامة مشيمش)

 

بقلم د. اسامة توفيق  مشيمش – الحوارنيوز

 

شهدت الأسابيع الماضية تطورات متسارعة في المشهد الإقليمي، بعد الجولة الأولى من المواجهة غير المعلنة – ولكن شديدة الوضوح – بين الكيان الإسرائيلي والجمهورية الإسلامية الإيرانية. ورغم كثافة التصريحات، وضجيج الإعلام، وعبور الصواريخ الأجواء، فإن النتيجة كانت توازناً سلبياً لا غالب فيه ولا مغلوب.

هي جولة استعراض عضلات، أكثر منها ساحة حسم استراتيجي. كلا الطرفين حرص على عدم الانزلاق إلى حرب شاملة، لا يتحمّلها الداخل الإسرائيلي المتوتر ولا الداخل الإيراني المنهك اقتصادياً والمعزول دبلوماسياً. لكنها، في جوهرها، كشفت عن فجوة خطيرة: غياب الطرف الثالث القادر على إعادة ضبط الإيقاع… الكتلة العربية الإسلامية السنية.

ما شهدناه هو محاولة كل طرف لتثبيت قواعد اشتباك جديدة. إيران أرادت تأكيد حضورها كقوة إقليمية تتجاوز حدودها الجغرافية، فيما سعت إسرائيل إلى كبح هذا النفوذ دون الدخول في حرب استنزاف. النتيجة: رسائل نارية محسوبة، وتوازن سلبي هشّ مرشح للانفجار، لكنه مؤجل حتى إشعار آخر.

الطرفان يدركان أن الاستمرار في هذا المسار يعني المزيد من التدهور في بيئتهما الداخلية، سواء على مستوى الاقتصاد أو الاستقرار السياسي. ومع ذلك، فإن غياب قوة عربية وازنة تفرض قواعد إقليمية عادلة يجعل من هذا الصراع مساحة مفتوحة على احتمالات خطرة.

أين الكتلة السنية؟

في خضم هذا التوازن السلبي، يبرز السؤال الأهم: أين العرب؟ وأين هو الكيان الإسلامي السني القادر على استعادة الدور الريادي الذي لعبته مصر في زمن عبد الناصر، أو سوريا والعراق حين كانت الأنظمة البعثية – رغم ما بينها من تناقضات حادة – قادرة على التأثير والتموضع في قلب الصراع؟

لقد كان لتلك الأنظمة، رغم اختلاف الأيديولوجيات وتعدد الاتجاهات، صوت في المعادلة. صوت قد لا يُتفق معه، لكنه كان موجوداً، فاعلاً، ومؤثراً. أما اليوم، فقد غاب الدور العربي لصالح محاور متفرقة، بعضها يسعى للتطبيع بأي ثمن، وبعضها الآخر يعيش في حالة من الانكفاء والتردد.

الفراغ الاستراتيجي الحاصل لا يملأه سوى مشروع جديد، عقلاني، مستقل، يجمع بين الأصالة الدينية والرؤية الواقعية السياسية. مشروع يتجاوز الولاءات الضيقة، ويستند إلى عمق تاريخي وثقافي قادر على مخاطبة الشعوب، لا فقط الأنظمة.

نحو مشروع عربي إسلامي جامع

إن الضرورة الإقليمية اليوم تتطلب ظهور كيان عربي إسلامي سني يتمتع بالشرعية الشعبية والوزن السياسي، يعيد التوازن إلى معادلة الشرق الأوسط. ليس بالضرورة أن يكون صدامياً، لكنه يجب أن يكون حاضراً، لا تابعاً، بل شريكاً في رسم المشهد.

ولعل التحولات الجارية تتيح فرصة نادرة لبناء هذا المشروع، بعيداً عن الاستقطابات الطائفية أو الأوهام الأيديولوجية. فالمنطقة اليوم بحاجة إلى محور عقلاني يرفض الاستقواء بالخارج، كما يرفض استيراد نماذج لا تنتمي إلى واقعها

الجولة الأولى بين طهران وتل أبيب لم تكن إلا بداية سلسلة من الاشتباكات السياسية وربما الأمنية القادمة. لكن الأهم مما جرى، هو ما لم يحدث: لم يكن للعرب فيها أي دور.
ولعل هذا هو أخطر ما في المشهد.

 

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى