أمين صالح: رؤية سياسية إقتصادية إجتماعية للبنان (1)

أمين صالح – الحوارنيوز – خاص
يمر لبنان في أزمة سياسية وإقتصادية ومالية ونقدية غير مسبوقة في تاريخه ، تتزامن هذه الأزمة مع ظروف سياسية وأمنية وعسكرية بالغة التوتر تسود المنطقة العربية ومنطقة الشرق الأوسط، قد تشكل مفصلاً تاريخياً هاماً في حياة المنطقة السياسية ومنها لبنان بما يراد لها من أهداف استراتيجية تتركز حول إستقلالية القرار الوطني والتحرير والعلاقة مع الدول الشقيقة والصديقة والعدوة ، ويتطلب ذلك خيارات وطنية وقومية كبرى بحاجة الى التوافق والإجماع الوطني. غير أن هذه الأهداف وتلك الخيارات رغم أولويتها وأهميتها أصبحت الآن متأخرة عن مشاكل الشأنين الإقتصادي والإجتماعي اللذين يعاني منهما المواطن اللبناني ، وهما يتساويان في أهميتهما مع الشأن السياسي وهمومه بل يتقدمان عليه .
إن لبنان الذي سبق أن خرج من حربه الداخلية التي استمرت زهاء خمسة عشر عاماً دمرت بناه الإقتصادية والسياسية وأضعفت مركزه الثقافي والحضاري والوظيفي إستطاع إنجاز إستقرار أمني نسبي وتحقيق بعض النتائج في إعادة الإعمار والنهوض رغم الكلفة الباهظة ، وحقق إنجازاً تاريخياً بتحرير معظم أراضيه التي احتلها العدو الصهيوني. إلا أنه فشل في توطيد وحدته الوطنية وتطوير نظامه السياسي وحسم خياراته المصيرية ، فما زال يعاني من أزمة وطنية حقيقية حادة تعود في جذورها الى نظامه السياسي الطائفي ، حيث يستقوي بعض طوائفه ومذاهبه على البعض الآخر بالقوى الخارجية وهذه الأخيرة عملت عبر التاريخ وتعمل الان وبواسطة هذه البنى الطائفية على فرض مشيئتها وسيطرتها على الوطن . هذا فضلاً عن أزمة إقتصادية متفاقمة ناتجة عن إختلال الهيكل الإقتصادي ، تباطؤ النمو ، تفاقم مشكلتي عجز الموازنة والدين العام ، تزايد أعباء الدولة والعبء الضريبي ، إستشراء الفساد المالي والإداري وتضاؤل القدرة السياسية والإقتصادية على مواجهة تلك الأزمات وغياب إرادة المساءلة والمحاسبة والإبتعاد عن الشفافية والوضوح .
ومما زاد من تفاقم الأزمتين السياسية والإقتصادية إستمرار العدوان الصهيوني على لبنان منذ 8 تشرين الأول 2023 وما تسبب به من تدمير للقرى والبلدات والبنى التحتية وخاصة في الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية وبيروت وبعض المناطق في لبنان .
إن معالجة الأوضاع السياسية والإقتصادية والإجتماعية تستوجب إرادة وطنية صلبة ، وتوافقاً راسخاً على مقاربات جادة مختلفة عما جرى تتسم بالعلمية والموضوعية والعقلانية والشمولية على شتى الصعد والمستويات ، فلا يتقدم القومي على الوطني ولا يستأخر المحلي عن الإقليمي، ولا يغلب الشأن السياسي على الشأن الإقتصادي، أو يعالج الشأن الإقتصادي بمعزل عن المسألة السياسية. إنها خيارات سياسية ، ومسارات إقتصادية ، ورؤى إجتماعية ، متلازمة تشكل بمجموعها حلولاً للأزمة الوطنية التي هي أزمة الخيارات الكبرى.
*المدير العام السابق للموازنة العمومية
يتبع



