رأي

النظام الاقتصادي اللبناني: عزلة الواقع وهيمنة الذاكرة المكيّة(اسامة مشيمش)

 

بقلم د. أسامة توفيق مشيمش -الحوارنيوز

يُعدّ نقد التخلف في الاقتصاد اللبناني مساراً طبيعياً، خاصة عندما يتم ربط هذا التخلف بثقافة الناس اليومية التي تضررت بشكل مباشر من نتائجه. غير أن المشكلة لا تكمن في مجرد توصيف الواقع، بل في طبيعة الحلول التي تُطرح. إذ لا يمكن أن يأتي الحل الاقتصادي الناجع من طبقة فاشلة كانت نفسها سبباً في دمار الدورة الاقتصادية، بل يجب أن يُبنى هذا الحل من داخل المجتمع نفسه، مع ارتباط رمزي فقط بالسلطة المالية والاقتصادية، وذلك من خلال مؤسسات مالية خاصة تعمل خارج نطاق البنية التقليدية للمصارف والبنوك اللبنانية.

 

ما نشهده اليوم من سلوك تمارسه السلطة المالية والاقتصادية في لبنان هو أحد أبشع أشكال “الكي الفكري”، الذي يستهدف محو الذاكرة الاقتصادية الجماعية للبنانيين. فقد أصبحنا نغفل أو نتغافل عن طرح الأسئلة الجوهرية: من أين تراكم الدين العام؟ من استفاد من الاقتصاد الريعي؟ وأين ذهبت أموال المودعين؟ ولماذا غابت المساءلة والمحاسبة؟

 

لقد نجحت هذه السلطة في تحويلنا – نحن الفئات المهمشة من اللبنانيين، بكل طوائفنا ومذاهبنا – إلى متهمين بدلاً من متضررين. فصار يُحمّلنا الإعلام والنظام عبء الأزمة، بل ويدّعي أننا نخفي 11 مليار دولار في منازلنا، أُطلق عليها زوراً اسم “الأموال الكسولة”، وكأننا نمنع الدورة الاقتصادية من الانتعاش.

 

أما مصطلح “إعادة هيكلة القطاع العام”، الذي رافق اللبنانيين منذ تسعينيات القرن الماضي، فقد ترسّخ في الوعي العام كبديهة اقتصادية، رغم أنه في الواقع كان نقطة الانطلاق لتحرير السوق ورفع الدعم. هكذا بدأ عصر النيوليبرالية اللبنانية، حيث جرى خصخصة مرافق الدولة المنتجة، التي كانت وما زالت منهوبة، لتدخل البلاد في مرحلة الفقر الجماعي وحرمان “المعترين” من أبسط مقومات العيش.

 

لقد أصبح النظام الاقتصادي اللبناني اليوم منظومة مغلقة ومنعزلة عن الواقع، ولم يعد يمارس أي دور فعّال على المستوى الإقليمي، كما كان في حقبتي العهد الشهابي وما قبله، حين كان لبنان يتمتع بفوائض في موازنته العامة. والسؤال الجوهري الذي يجب أن يُطرح اليوم هو: من يضع الخطط الاقتصادية للبنان في كل مرحلة زمنية؟

المؤسف أن الجواب سيكون ببساطة: “لا أحد يعلم”.!

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى