إقتصاد

حلم المحاسبة في لبنان:المتطلبات والمعوقات (عماد عكوش)

 

بقلم د. عماد عكوش – الحوارنيوز

في خطوة تنظيمية لافتة، نشرت الجريدة الرسمية اللبنانية في عددها رقم 28 بتاريخ 26 حزيران 2025 قراراً مشتركاً صادراً عن وزارة المالية تحت رقم 582/1، يتناول الآلية المشتركة بين وزارتي المالية والعدل لوضع لائحة موحدة تطبيقاً للبند الرابع من المادة الوحيدة الصادرة وفق القانون 240 تاريخ 16/07/2021 ، والتي نصت على اخضاع كل المستفيدين من دعم الحكومة للدولار الاميركي او ما يوازيه بالعملات الاجنبية للتدقيق الجنائي .

أما خلفية القرار فله علاقة بما حصل أثناء تطبيق هذا الدعم من مخالفات ، احتكار ، تهرب ضريبي ، وتهريب للمواد التي استفادت من الدعم للخارج وبيعها بسعر السوق، الامر الذي حقق أرباحا طائلة للعديد من الشركات دون اي مسوغ قانوني . هذا القرار يهدف إلى تنظيم طرق التحقق من مصادر هذه الأموال والتأكد من مدى خضوعها للإجراءات الضريبية العادية وإعادة جزء من المال المنهوب .

اما من الناحية الاستراتيجية فالغاية من هذا القرار على المدى الطويل تتمثل في ضبط حركة الأموال الأجنبية الواردة إلى لبنان والتأكد من قانونيتها وخضوعها للضرائب إذا لزم الأمر. كما يسعى إلى إغلاق الباب أمام عمليات التلاعب بالتمويلات أو استخدام الهبات كوسيلة للتهرب الضريبي أو غسل الأموال.

أما أهم النقاط التي وردت به فهي على الشكل الآتي :

– إعداد دفتر شروط نموذجي من قبل وزارتي المالية والعدل يُعتمد تمهيدا للتعاقد مع مدققين جنائيين وماليين وفق الاصول المرعية الاجراء .

– يضع مصرف لبنان لوائح بالمستفيدين خلال تلك الفترة مع تبيان لقيمة المبالغ التي استفادوا منها .

– التزام المصارف بإرسال البيانات الكاملة حول التحويلات المالية المتلقاة او المرسلة الى الخارج أو من الدولة ، والمتعلقة بالأشخاص المستفيدين من الدعم.

– تقوم وزارة المالية بوضع كل التفاصيل والمستندات المتعلقة بالاسماء التي وردت ضمن لوائح مصرف لبنان ولوائح المصارف التجارية، ومنها الارقام الواردة من الجمارك ، وقوائم بضريبة الدخل والقيمة المضافة الخاصة بهؤلاء التجار .

– تعزيز التعاون بين وزارتي المالية والعدل من خلال تبادل المعلومات حول نتائج التحقيقات والتقارير الفنية، خاصة عبر هيئة التحقيق الخاصة ومصرف لبنان.

– إمكان الرجوع إلى الإدارة الضريبية لفرض الضرائب عند الضرورة، خاصة إذا لم يثبت وجود حكم قضائي يُعفي الأموال من الضريبة.

– ايداع القضاء المختص نتيجة درس هذه الملفات لاتخاذ التدابير اللازمة، كما ايداع نسخ طبق الاصل من هذه التقارير لدى وزارة العدل والمالية .

 

هذا القرار يعكس محاولة لتطوير الشفافية المالية والرقابة الضريبية في ظل الأزمة المالية المستمرة في البلاد، ويحاول ان يلبي بعض مطالب صندوق النقد الدولي ، ومجموعة العمل المالي الدولية والتي صنفت لبنان على اللائحة الرمادية ، كما يمكن ان يلبي مطالب الاتحاد الاوروبي والذي صنف لبنان على اللائحة السوداء مؤخرا خوفا على قطاعه المالي مما يجري في لبنان .

قد يثير القرار جدلاً حول مدى قدرة الدولة على تطبيق هذا القرار بدقة في ظل التحديات اللوجستية والإدارية، خاصة على مستوى المصارف والقضاء . ومن هنا نشير الى ان امكان التطبيق تبقى رهن عدة عوامل منها:

-     الجهوزية التقنية والادارية في وزارة المالية ومصرف لبنان .

-     خبرة المدققين الجنائيين والماليين في هذه الاعمال والمؤهلات العلمية التي يحملونها .

-     عدم تسييس الملف، وقد تعودنا في لبنان على هذا النوع من التدخلات في اعمال الرقابة والقضاء .

-     تفاعل القضاء اللبناني بشكل جدي وسريع مع عمل هذه اللجان ومع التقارير الصادرة عنها والسرعة في بت الملفات .

-     التنسيق الجاد بين الوزارات والادارات ولا سيما بين وزارتي العدل والمالية ، وبين مصرف لبنان ووزارة المالية ، والكل مع المدققين الجنائيين والماليين .

يعتمد لبنان اليوم على جدية هذا التحرك لتنظيف ملفه مع الخارج.. فهل ينجح في ذلك ؟

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى