العلامة الخطيب في خطبة الجمعة والمجلس العاشورائي:إنتصار إيران إنتصار للأمة العربية والإسلامية والمستضعفين والمظلومين

الحوارنيوز – محليات
رأى نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى العلامة الشيخ علي الخطيب أن “انتصار الجمهوية الاسلامية الايرانية على الغرب متمثلا بالولايات المتحدة الامريكية واداتها العدو الصهيوني، هو انتصار لنا جميعا وللامتين العربية والاسلامية ولجميع المستضعفين والمظلومين في العالم، وكان من نتائجها هذا التقارب الاسلامي والعربي الذي سيتعمق اكثر فأكثر باذن الله، وعسى ان يكون ذلك قريبا وان يقف الجميع صفا واحدا في مواجهة العدو”.
وطالب العلامة الخطيب المسؤولين اللبنانيين برفع الصوت ومواجهة العدوان الإسرائيلي المستمر على لبنان ،داعيا اللبنانيين إلى الوقوف صفا واحدا في مواجهة العدوان.
![]()
أدى العلامة الخطيب اليوم الصلاة في مقر المجلس على طريق المطار وألقى خطبة الجمعة التي استهلها بالحديث عن عاشوراء وثورة الإمام الحسين فقال:
نحن في اليوم الاول من محرم ،ذكرى ثورة الحسين .ان توظيف عاشوراء للدفاع عن الامة ومصالحها كما ارادها سيد الشهداء في خطاب اعلان الثورة ضد السلطة الاموية الجاهلية الظالمة تمثل في :
* احباط هدف السلطة لتثبيت شرعية سلطة القبيلة على حساب الرسالة ومبادئها
*الحفاظ على جوهر الرسالة في الابقاء على جذوتها مشتعلة في نفوس ابناء الأمة حفاظا على اهدافها وعلى رأسها الحفاظ على وحدتها ودورها في مواجهة قوى الطغيان والبغي الداخلي والخارجي.
لقد اريد للأمة ان تتحول الى خادمة للسلطة التي انقلبت على اهداف الرسالة وتحويل الانجازات التي تحققت الى قوة بيد السلطة لتحقيق اهدافها الخاصة، فكانت ثورة الامام الحسين التي أفشلت هذا الانقلاب وما زالت، ولم تزل هذه المعركة مستمرة وقائمة على وعي الامة في مواجهة محاولات السلطة في العمل على اثبات شرعيتها، اولا عبر تشويه اهداف الثورة ومحاولة التركيز على تصوير الحدث على انه مجرد صراع عائلي تاريخي على السلطة، فيما هي تجهد في اثبات الشرعية لنفسها التي ارادت ان تختصر الامة بها والغاء دورها ومصادرة قرارها.
اذاً فالمواجهة مع السلطة كانت على وعي الامة بهدف استعادتها لدورها وقرارها وفضح اهدافها وسلخ الشرعية عنها. فالمعركة نشأت اساسا دفاعا عن المشروع الاسلامي واهدافه في وجه حركة ارتدادية واجهت الاسلام في بدايته، فلما هزمت تحولت الى حركة منافقة لتنقلب عليه من الداخل، مستخدمة التضليل وتصوير الامر على ان المشكلة مشكلة صراع سلطوي لا علاقة له بالرسالة وانه شأن زمني من شؤون الامة ترك لها حرية ادارته باختيار من تشاء على قاعدة الشورى التي لم تحصل على الاطلاق ولم تمارسها الامة ابدا في اي وقت من الأوقات، حتى قال علي ع في شقشقيته في تعجب منه واضح واعتراض فاضح على الشورى ( فيا لله وللشورى متى اعترض الريب فيَّ حتى صرت اقرن الى هذه النظائر لَكِنِّي أَسْفَفْتُ إِذْ أَسَفُّوا وَطِرْتُ إِذْ طَارُوا فَصَغَا رَجُلٌ مِنْهُمْ لِضِغْنِهِ وَمَالَ الْآخَرُ لِصِهْرِهِ مَعَ هَنٍ وَهَنٍ ) .
وكان عرض البيعة منهم لعلي اولا اعترافا واقرارا باحقيته بها، وكان التخلص منه ان شرطوا عقدها له بان يلتزم فيهم سيرة الشيخين وعدم الاكتفاء بكتاب الله وسنة نبيه، فشرطوا له ما يضمنون به اخراجه لعلمهم برفضه القبول بهذا الالتزام. فالمشكلة هنا مع علي لم تكن مشكلة الصراع القبلي المزعوم بين هاشم وامية، وانما مع نهج علي وتنمره في ذات الله، كما اشار الخليفة الثاني لذلك بشكل غير مباشر حين قال: “أما والله لو أعطيتموها علياً لحملكم على المحجة البيضاء” .
وهو ما فعله س حين ولي الخلافة حيث قال في شأن المال العام : (والله لو وجدت المال قد تزوجت به النساء وملكت به الاماء وبنيت به الدور لرددته الى بيت المال ) وقال ايضا : ( والله لو كان المال ملكا لي لساويت بينهم فكيف والمال مال الله ).
اما المسألة مع بني امية فلم تكن مشكلة النهج والتشدد في تطبيق العدالة فقط، وانما كانت من جانبهم تسيد بني هاشم وهو السبب اساسا في عداوتهم للاسلام ومواجهتهم له ومحاربتهم لاتباعه وخسارتهم الحرب معه وتحملهم خسارة ابطالهم الذين قتلوا في هذه المواجهات ،ما زاد في اشعال نار الحقد في قلوبهم فتحينوا فرصة الانتقام واضطروا للدخول في الاسلام نفاقا وعرفوا بالطلقاء. وقد صرح علي ع لابي سفيان عما يعتمل في صدره من الكيد للاسلام واهله حينما جاءه عارضا عليه بعد البيعة لابي بكر التحالف في مواجهة السلطة الجديدة قائلا له:
( والله ـ ما أردت بهذا إلا الفتنة، وإنك ـ والله ـ طالما بغيت للإسلام شراً، لا حاجة لنا في نصيحتك ).
لقد شكلت واقعة الطف خطا فاصلا من فصول المواجهة بين هذين النهجين: بين نهج الاسلام المحمدي الاصيل وبين النهج الانقلابي الذي اراد استخدام الامة ومقدراتها لصالح سلطته فكان الامام الحسين لهذا النهج بالمرصاد. وقد عبّر س عن هذا الواقع الانقلابي الذي كاد يصفو لبني امية حين رأوا ان الفرصة سانحة ليأخذ هذا الانقلاب الشرعية، حيث استطاعوا ان يسكتوا الاصوات المعارضة اما بالقتل او السجن او بشراء الضمائر، ولم يبق من يتخوف منه الا البعض القليل، واخطر هؤلاء الامام الحسين، فكان لا بد لهم من تخييره بين البيعة ليزيد الفاسق وبين القتل لما يمثل من اهمية كونه ابن بنت رسول الله. وهذا ما حصل حين استدعاه والي المدينة بحضور مروان ابن الحكم الذي حرضه على قتل الامام ان لم يبايع، ولكن الامام س كان قد استعد لهذه اللحظة واحضر معه من رجاله ما يمتنع بهم، وهكذا فوت سلام الله عليه فرصة الغدر هذه، ولكنه علم ان هؤلاء لن يتوقفوا عن الغدر به، ولذلك عزم على الوقوف بوجههم وان يجعل من استشهاده قضية مواجهة الانقلاب على نحو واضح تفوت عليهم فرصة قتله غيلة بلا قضية، كما تفوت عليهم تحقيق الهدف في اضفاء الشرعية على ملكهم وتحول استشهاده الى قضية بحد ذاتها ، ومدرسة مستمرة في مواجهة الانحراف والدفاع عن حق الامة ودورها في مواجهة من يبغي مصادرتها واستغلال مقدراتها لمصلحة السلطة وازلامها.
يقول الامام الحسين ع واصفا الحال الذي غدت عليه الامة في ظل الحكم الاموي : الا ترون الى الحق لا يعمل به والى المنكر لا يتناهى عنه )، وهو ما وصف الامام امير المؤمنين علي ع بني امية في عهد عثمان في بيان فسادهم قائلا :
( إلى أن قام ثالث القوم نافجا حضنيه، بين نثيله ومعتلفه، وقام معه بنو أبيه يخضمون مال الله خضم الإبل نبتة الربيع )
لقد كانت ثورة ابي عبد الله الامام الحسين ع أن تعي الامة دورها التاريخي والحضاري الإلهي، وهو الحفاظ على القيم واشاعة العدل والمعرفة الربانية التي تعني استخدامها في خير الانسانية وتقدمها، والا تكون اداة بيد السلطة لتقوية وتوسعة نفوذها على الامم الاخرى بديلا عن الامة، تستخدمها لترسيخ دعائم العدل والامر بالمعروف والنهي عن المنكر. فليس للسلطة في الاسلام اي ذكر وانما للامة
( كنتم خير امة اخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن النكر ). فهي وجدت لتكون في خدمة الانسان ومن واجبها الدفاع عنه والارتقاء به في كل الصعد ايا كان، والى اي جنس انتمى، وليس لها فضل عنده على الامم الاخرى الا بمقدار ما تقوم به من خدمة لها دون اي مكاسب دنيوية على حسابها. فهي ليست قوة استعمارية توسعية تبتغي النفوذ ونهب الثروات والخيرات والاستعباد.
لقد اراد الامام الحسين ع ان يعيد للامة هذا الدور الذي صادرته السلطة الاموية التي تحولت الى سلطة غاشمة باسم الإسلام، مشوهة صورة الدين، واساءت الى الامة والغت دورها الرسالي الحضاري واصبح الاسلام مجرد طقوس وعادات، وتحولت امة بلا رسالة وبلا دور، وامة تابعة تتناتشها الامم ، ومن امة اريد لها ان تخرج الناس من الظلمات الى النور الى امة غارقة في الظلام والجهل، ومن امة حرة كريمة الى امة مستعبدة لنظم لم تصنعها، وانما صنعتها ايدي القوى الدولية الظالمة والغاشمة التي حولت العالم الى ساحة صراع على النفوذ والطغيان والبطش والابادة.
لقد بقيت ثورة الامام الحسين ع علامة الضوء والامل الوحيدة التي تدفع بحاملي قيمها ورسالتها الى مواجهة هذا الواقع المخيف والخروج من هذا النفق المظلم .
لقد شكلت القضية الفلسطينية هذا التحدي للامة بين هذا الانحدار الى حد الانسحاق، وبين حالة الوعي لهذا الواقع الذي يبعث على التمرد والمواجهة والانبعاث من جديد، فكانت الثورة الحسينية هي المنبع الذي يمدها بالقوة لتلمس الحياة من جديد. لقد استلهمت الامة من هذه الثورة اليوم المدد الذي استطاعت به ان تنهض وبسرعة، فتسجل في جنوب لبنان اول مواجهة جدية نابعة من الاسلام المحمدي الاصيل الذي انبعث من فكر الامام السيد محمد باقر الصدر المتوقد والنافذ ، والامام السيد الخميني وثورته العظيمة والمباركة، والامام السيد موسى الصدر ونهضته المباركة، والائمة الاعلام ورثة أئمة اهل البيت ع ومدرسة عاشوراء لتمتد الى فلسطين، ولتشكل مع لبنان والجمهورية الاسلامية الايرانية واليمن العزيز ساحة المنازلة والجهاد مع قوى الطغيان العالمي وصنيعته الصهيونية في فلسطين، وتحقق واقعا جديدا في حياة الامة من التضامن والتأييد بين دولها وابنائها، وفاضحة لكل الاشاعات والفبركات التي سعت الى زرع الشقاق بين مكوناتها الطائفية والمذهبية، ليكون سدا مانعا من التفاعل بينها ولتتضح الصورة الحقيقية لابناء علي والحسين الذين لا يبغون سوى القيام بواجبهم الديني والاخلاقي في نصرة ابناء امتهم، وان اختلفت مذاهبهم وطوائفهم، فهم لم يعتبروا انفسهم الا نفسا واحدة ّواخوانا لمن هم من ابناء السنة والجماعة،والطوائف الاخرى، فانفسهم انفسنا واعراضهم اعراضنا ودماؤهم دماؤنا، ولا نبتغي من وراء نصرة اخواننا في غزة الا القيام بالواجب الديني والاخلاقي والإنساني.
لقد رأيتم بأم اعينكم كيف بهت الله المثبطين عن نصرة فلسطين، لما اثبتت ايران ان عداوتها للصهاينة حقيقية، وان قتالها لهم لم يكن ادعاء كما كان يصوره الأعداء، وان المقاومة في لبنان كانت النصير الوحيد مع الجمهورية الاسلامية لغزة والشعب الفلسطيني العزيز.
لقد كان انتصار الجمهوية الاسلامية الايرانية على الغرب متمثلا بالولايات المتحدة الامريكية واداتها العدو الصهيوني، انتصارا لنا جميعا وللامتين العربية والاسلامية ولجميع المستضعفين والمظلومين في العالم. وكان من نتائجها هذا التقارب الاسلامي والعربي الذي سيتعمق اكثر فأكثر باذن الله، وعسى ان يكون ذلك قريبا وان يقف الجميع صفا واحدا في مواجهة العدو وسيكون ذلك اهم عوامل القوة في مواجهة العدوان والصلف الغربي الذي يبتز دولنا وشعوبنا وينهب خيراتنا.
وعسى ان يكون في ما جرى من ثبات للجمهورية الاسلامية الايرانية نتائج ايجابية على الساحة اللبنانية بسقوط المراهنات على العدو الإسرائيلي، وان يعلم الخائفون واصحاب الحسابات المادية الخائبة ان القوة لله جميعا، وان النصر بيد الله، وان الاستسلام للوهم والجبن لن تكون نتائجه الا الخزي والعار في الدنيا والاخرة، وانه لا كرامة ولا استقلال، ولا حفظ سيادة الاوطان الإ بالتضحيات، وان الآخرين لن يهبوك سلامة الا ان ياخذوا منك الكرامة والحرية. فالسيادة والكرامة والحرية لا توهب وانما تنتزع، وسيفكر العدو بعد فشله المدوّي في عدوانه على الجمهورية الاسلامية الايرانية الف مرة، في بقائه محتلا لجزء عزيز من وطننا ، بل لن يزيده هذا الفشل الا خوفا على المستقبل، فلم يعد يشكل القوة الحاسمة في المنطقة، وقد كشفت هذه الحرب هشاشته وحاجته الى من يدافع عنه، وانه غير قادر على الدفاع عن نفسه. وهذا ما يسلبه الشعور بالأمان، وهذا ما يستدعي الجهوزية من المسؤولين والمقاومة، وان يحذروا من تحركاته وتحركات واقوال داعميه ووسوستهم وضغوطهم وتخويفهم ومن شياطينهم، شياطين الانس والجن الذين ينفخوين في ابواق الفتنة والتضليل في حروبهم النفسية التي يجيدونها.
اليوم يسجل العدو مزيدا الاعتداءات في جنوب لبنان ،ولا نرى موقفا عمليا في مواجهة هذا العدوان والخروقات. على الجميع الوقوف صفا واحدا في مواجهة العدو ،لا ان يقف بعضنا ضد البعض وان يواجه المسؤولون ويرفعوا صوتهم لتحرير الارض التي يحتلها العدو.
قل اعوذ برب الفلق من شر ما خلق ومن شر النفاثات في العقد ومن شر حاسد اذا حسد (سورة الناس)
تحية الى صانعي مجدنا واستقلالنا وسيادتنا الاحرار الابرار من الشهداء الابرار والمجاهدين الاخيار.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المجلس العاشورائي
وبرعاية وحضور العلامة الخطيب جرى إحياء الليلة الاولى من عاشوراء في مقر المجلس على طريق المطار ، بحضور علماء دين وشخصيات سياسية وقضائية وعسكرية وتربوية وثقافية واجتماعية ومواطنين.
![]()
وبعد تلاوة اي من الذكر الحكيم للقارئ احمد المقداد قدم الحفل د. جهاد سعد مستهلاً كلمته بقوله تعالى: “إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم”. في خبايا النفس تنقدح شرارة ثورة ما عندما يرتقي الوعي إلى مرحلة إدراك الظلم والتردي في الواقع السياسي أو الإجتماعي أو الإقتصادي أو الروحي…. والوعي مسألة معقدة، تزداد أهمية في العصر الحديث بسبب قدرة الظلم المسلح بتقنيات الحداثة على الحؤول بين الوعي والواقع، إما عن طريق خلق واقع إفتراضي، أو عن طريق التلاعب بالحواس ومصادر المعلومات واللغة والمفاهيم والصور التي تعمل على كي الوعي ومنعه من النفاذ إلى حقيقة الصورة، هنا يصبح حجب الصورة السائدة والتشكيك بها من أهم طرائق تحرير الوعي ليواصل حركته نحو الأعماق. لقد كانت الأمة سنة 60 للهجرة في حالة من تحلل الوعي بفعل قوة الدعاية الأموية، النخبة مدركة ولكن خائفة، والعامة تساق بالسيف أو بالسم أو بالدعوة المزيفة لطاعة الملك العضوض . السلطة المنحرفة أصبحت وصية على الدين ، وشارب الخمر وملاعب القردة أصبح أمير المؤمنين، والثقافة السائدة تنحدر إلى حضيض الجاهلية الأولى وتمجد طاعة السلطان، فلا بد من صفعة تنبه العقول وتحيي الضمائر ، لا بد من صفعة تضع أمام عين الامة مشهد التدهور الذي وصلت إليه، صفعة مضمخة بالدم ، صارخة بالفاجعة، عميقة الألم، بارزة المظلومية …. لعلها تحدث فتحا في بصيرة الامة كفتح مكة فتفصل قدسية الدين عن السلطة السياسية ، وتحرر الأمة من إملاءآت المستبد، وتسقط هالة الشرعية المزورة التي تضفيها أجهزة الدعاية الأموية على الملك العضوض.
فكانت كربلاء وكانت فاجعة عاشوراء ، وقدم الحسين نفسه وأهله و18 عشر قمرا من بني هاشم سمتهم السيدة زينب عليها السلام:” نجوم الأرض”، مع من صمد معه من خيرة الاصحاب ، فإذا بالنخبة تستيقظ على هول الفاجعة وترى بأم العين ثمن صمتها وتفريطها بالأمانة، وتنفك في لحظة المأساة تلك الصلة الوهمية بين خلافة رسول الله صلى الله عليه وآله ، وطغاة بني أمية، فلا يعود بإمكان أي سلطة جائرة بعد اليوم أن تدعي ارتباطها بالإسلام ، وإلى الأبد أصبح الموقف من شهادة الإمام الحسين مناراً ومعياراً للبصيرة السياسية والوعي المجتمعي والديني. ومن هذه الذخيرة تمكن أئمة أهل البيت من بسط سلطة العلم على حساب علم السلطة، وتأسست بعيداً عن ايادي الطغاة صروح حضارة أمة كان آل البيت عليهم السلام المحرك الأساسي لها في كافة المجالات العلمية والعملية.
إذن كانت الشهادة فتحاً ولكن في معركة الوعي، كانت فتحاً في أفق البصيرة، وكانت فتحاً في تحديد معايير الحكم ، ومسارات الأمة حتى ظهور الإمام المنتظر عج .
وبحراسة الحب والشعائر المنصوصة مغسولة بالدمعة تنتقل عين البصيرة الحسينية من جيل إلى جيل، وتزداد تألقاً من زمن إلى زمن، مؤيدة بالغيب وبالتسديد الإلهي والكرامات التي تفيض على المؤمنين في كل مواسم الحزن الواعي والحب المقدس.
قال عليه السلام : من لحق بي استشهد ومن لم يلحق بي لم يبلغ الفتح.
كلمة العلامة الخطيب
![]()
والقى العلامة الخطيب كلمة قال فيها: عاشوراء هذه المسيرة المستمرة منذ 1400 عام تقريباً، وما زالت هذه المجالس تقام، لأن عاشوراء لم تكن في الواقع صورة لزمان معين وحدث في مكان معين، وإنما هي دائمة باقية مع الزمان ومع المكان، وهي ليست حدثاً مختصاً بتاريخ معين وزمان معين، وإنما هي باقية بمبادئها واهدافها، بمبادئها في الدفاع عن الدين وعن القيم وفي مواجهة الظلم والظالمين وبأهدافها في تحقيق العدل وفي الدفاع عن مبادئ الدين وقيمه.
لذلك يمتاز الامام الحسين (ع) بأن هذه البصمة هي بصمته الخاصة في كل زمان، ليس هناك حسين آخر، هو حسين واحد، وليس هناك كربلاء أخرى، هي كربلاء واحدة صنعها مع أهله وأصحابه ،ولكن خصوصية الامام الحسين(ع) أنه كان مبدعاً، أنه كان الأقدر على هذا الفعل في وقت معين وكل ما يأتي بعده يتعلم منه، ولذلك لا يجوز لنا على الاطلاق أن نُساوي بين أحد مهما علا شأنه وبين الامام الحسين (ع) الحسين ذلك لانه فريد، ولهذا نتعلم منه هذا الدرس في كل عام ونجدّد ذكراه ع ،وننهج منهجه ، ولذلك الثورة الحسينية لم تكن محدودة الأهداف في زمن معين وفي أرض معينة، هي دائماً وُجدت لكي تقوم بهذا الدور، بدور المواجهة والبذل حينما يقف الحفاظ على الدين والمبادئ والقيم على بذل النفس وعلى بذل المهج وعلى بذل الأبناء والأعزاء، حينئذ ينبغي أن يُفعل ذلك.
الإمام الحسين هو مدرسة، مدرسة التاريخ نجددها في كل عام لنتعلم منها، لأن الأحداث هي تقريباً متشابهة، دائماً هناك صراع بين الحق والباطل، هو صراع اختبار الذي هو فلسفة الحياة، الله سبحانه وتعالى إنما خلقنا ليختبرنا وليرى ما نُقدِّم نحن في هذه الحياة، فلا بدّ أن تكون هذه الأحداث متكررة وهذه الصُّورة متكررة، هذا الصراع متكرر بين الحق وبين الباطل، تتغيّر أسماء الأشخاص ويتغيّر القائمون بالفعل ولكن الحقّ والباطل لا يتغيّران، هذا الصراع هو صراع دائم، عبرّ عنه الله سبحانه وتعالى في كتابه حينما تحدث عن إبليس وعن آدم (ع)، لا بدّ أن يكون هناك نموذج، النموذج الذي يستطيع أن يُؤثر في الآخرين، المعلم، المعلمون كانوا دائماً هم لأنبياء ثم الأوصياء، وكان الحسين (ع) هو آخر صورة سجّلت هذا الحدث وهذا الموقف وأعطت الدرس إلى آخر يوم من أيام الدنيا حتى يرث الله الأرض ومن عليها، الإمام الحسين بعد النبي وبعد أبيه أمير المؤمنين والإمام الحسن صلوات الله عليهم، والإمام الحسين سلام الله عليه هو المعلم الأخير والانموذج الأخير لنا وللبشرية لكي نهتدي به ونسير على خطاه ونواجه الظلم والعدوان ونقف من أجل الحفاظ على القيم وعلى المبادئ وعلى الحق ونواجه الظلم ونواجه الباطل، كما هو اليوم منذ محرم الماضي إلى محرم اليوم، عاشوراء الماضي إلى عاشوراء اليوم، خضنا في هذه المنطقة وفي هذا البلد مع عدو الإنسانية مع العدو الإسرائيلي المدعوم من كل قوى الظلم في العالم، خضنا معه معركة على طريق الحسين وعلى طريق كربلاء، واجهنا فيها هذا الظلم، وهذا العدوان الذي دفعنا فيه الكثير من الشهداء، الشهداء القادة، الشهداء الكبار من الأبناء من الإخوة والأهل، هذه المسيرة كانت مأخوذة من صورة كربلاء، وتعلمنا فيها أن نسير على طريق الإمام الحسين عليه السلام وأهل البيت في مواجهة هذا الظلم العالمي، وهي اليوم الصورة الوحيدة في هذا العالم، هي الضوء الوحيد في هذا العالم الذي يواجه الظلم والعدوان ويواجه قوى الشر ويواجه قوى الإبادة ويدافع عن القيم وعن الأخلاق في كل هذا العالم، فقط هذه الصورة موجودة هنا في الشرق في العالم العربي والإسلامي وفي فلسطين وفي لبنان وفي اليمن وأمس كانت في إيران.
وأضاف سماحته…هذه المعركة المستمرة والتي ستستمر طالما بقي هذا العدوان وطالما استمر هذا العدوان، هي صورة أخرى من صور كربلاء نأخذ فيها نموذج الامام الحسين (ع) ونتعلم من مدرسته كيف نقف حينما يجب علينا أن نقف، وحينما لا يكون هناك سبيل إلا الوقوف وإلا البذل وإلا العطاء، وهذا الطريق لا يسلكه إلا الشرفاء وإلا الكبار.
أما الذين يحبون الحياة الدنيا الهابطة، حياة الملذات، حياة المصالح الصغيرة، هؤلاء لم يكونوا أهلاً لكي يكونوا في هذا الصف. الذي يكون في هذا الصف وفي هذا النهج وعلى هذا الطريق هؤلاء الذين كانت القيم والأخلاق هي الأهم لديهم، لأنهم أهل القيم، وأهل الأخلاق. هؤلاء هم الذين لديهم القدرة عن الوقوف أمام قوى الشر وقوى الباطل الذي يتسع مداها والتي يكثر اتباعها، أما اتباع الحق والمدافعون عن القيم فهم القلة القليلة، ولكن هذه القلة القليلة هي الفاعلة في التاريخ، هي المواجهة لهذا الباطل على كثرته وعلى قوته وعلى ما بيديه من وسائل كثيرة، إلا أن ذلك لم يكن ليرهب هؤلاء الذين يتمسكون بهذه القيم لأن هذه القيم هي أهم و أقوى من كل السلاح الذي يمتلكه أولئك الظالمون المعتدون.
وقال: نحن في لبنان أيها الأخوة الأعزاء رأينا ذلك حينما تكون هناك إرادة و إيمان، ماذا تفعل هذه الإرادة وماذا يفعل هذا الإيمان في مواجهة الشر، إن الانتصار كان لهذه الإرادة وكانت الهزيمة لقوى الشر، نحن في لبنان لم نهزم ، الذي هزم هو العدو الإسرائيلي وقوى الشر العالمية الذي تقف وراءه، ونحن الذين انتصرنا بالسلاح وانتصرنا بالقيم وانتصرنا بالإرادة واستطعنا أن نقف في وجه هذا العدو، وأن نفشل أهدافه التي أراد تحقيقها من وراء عدوانه.
نحن اليوم في هذا الخط وفي هذا المسار نرى أيضاً الجمهورية الإسلامية الإيرانية التي وقف العالم كله مع هذا العدو بكل الاسلحة المتطورة في مواجهة إيران الوحيدة في هذا العالم، لم يقف إلى جانبها أحد ولكن أهل هذا البلد وشعب هذا البلد وقيادة هذا البلد التي تمسكت بهذه القيم بالدفاع عن القضية بالفلسطينية، وبالدفاع عن جنوب لبنان و عن قضايانا ، لم تخف من كل التهديدات وخاضت الحرب فعلياً حينما واجهت الولايات المتحدة الأمريكية وواجهت إسرائيل واستطاعت ان تسجل هذا الانتصار اليوم في وجه قوى العالم كله، وان تحقق هذه النتائج وان يرضخ العدو لأن يوقف الحرب مجبوراً بعد الفشل في تحقيق هذه الأهداف، وبعد أن وقف قادة الجمهورية الإسلامية الإيرانية وشعبها في وجه هذا العدوان واستطاعوا ان يسجلوا لأول مرة هذا الموقف وان يدكّوا حصون هذا العدو في أقدس مقدساته في تل أبيب وفي حيفا وفي كل مربعاته الحصينة، لأول مرة نستطيع ان ندكّ هذه الحصون وان نسجل للتاريخ أننا على قدر هذه المواجهة مع هذا العدو.
وتابع.. هذه ملحمة فاصلة من ملاحم التاريخ الحديث والحاضر، نحن في مرحلة جديدة بعد هذه المواجهة ننتقل إلى مرحلة أخرى أمام كل أنظار العالم الذي يرى أن هذه الفئة المؤمنة على قلتها المحاصرة تستطيع ان تقف بكل شجاعة لأنها تمسكت بهذه المبادئ وتعلمت من مدرسة أبي عبد الله الحسين سلام الله عليه.
هذا الخط سيبقى بإذن الله سبحانه وتعالى المدافع عن بلادنا العربية والإسلامية، والمدافع عن قضايانا الوطنية والقومية والاسلامية في مواجهة الظلم والعدوان، هو يسجّل اليوم ليس لإيران فقط بل يسجل لنا جميعاً هذا الانتصار وهذه الوقفة. وان شاء الله سيكون لهذا الانتصار ما بعده من ان تلتحق الشعوب العربية والاسلامية في مواجهة هذا الظلم العالمي وهذه الفرعونية العالمية، ويحقق بإذن الله أحلام شعوبنا في الانتصار،وفي الحياة الحرة الكريمة.
وفي الختام تلا الشيخ نعمة عبيد مجلس عزاء حسيني.
![]()



