
وائل فايز ابو الحسن – المكسيك – الحوارنيوز
ما بدأته الإدارة الأميركية مؤخراً في إطار حملتها المتجددة لمكافحة الإرهاب وتمويله وتبييض الأموال تجاوز الطابع التقليدي للإجراءات المالية المتعارف عليها. فبعد تصنيف كارتيلات المخدرات في المكسيك كتنظيمات إرهابية بدلاً من جماعات جريمة منظمة، جاء اليوم إعلان وزارة الخزانة الأميركية عن فرض إجراءات مباشرة ضد ثلاثة مصارف مكسيكية، إلى جانب مراكز صيرفة وتحويل أموال، في خطوة غير مسبوقة من حيث حجمها وتوقيتها.
ورغم أن ما جرى اليوم يخص المكسيك، إلا أن السياق لا يمكن فصله عن تجارب سابقة، أبرزها ما حصل في لبنان. صحيح أن الفارق جوهري من حيث الطريقة، ففي لبنان كانت السلطة نفسها هي من وضعت يدها على أموال المودعين، إلا أن المسار بدأ قبل ذلك من خلال تضييقات مماثلة مارستها وزارة الخزانة الأميركية على مصارف لبنانية كبرى، مثل البنك اللبناني الكندي وجمّال ترست بنك، تحت ذرائع تتعلق بصلات مفترضة بعمليات تبييض أموال أو تمويل أنشطة مصنفة كإرهابية.
كما لا يمكن تجاهل ما حصل داخل الولايات المتحدة نفسها خلال الأشهر الماضية، حين واجهت عدة بنوك صغيرة تعثراً مالياً دفع الخزانة الأميركية للتدخل السريع لمنع انهيار أوسع. هذه الحالات، رغم محدوديتها الظاهرية، شكلت بروفة حقيقية لنمط استجابة السلطات المالية في أزمات السيولة المصرفية.
كل هذه المؤشرات من المكسيك إلى لبنان، مروراً بالداخل الأميركي، تُظهر توجهًا ممنهجًا نحو إعادة تشكيل البيئة المالية العالمية. هذا التوجه لا يستهدف فقط مكافحة الجريمة المنظمة، بل يتجه تدريجيًا نحو تقليص الاعتماد على السيولة النقدية، تمهيدًا لاعتماد العملات الرقمية كخيار استراتيجي عالمي.
في ضوء هذه المعطيات، بات الاحتفاظ بالودائع في المصارف، سواء في دول مستقرة أو تلك التي تمر بأزمات، مخاطرة حقيقية. فالأموال لم تعد محصنة كما في السابق، وقد تتبخر أو تُجمد أو تفقد قيمتها في أي لحظة بموجب قرارات سياسية أو ترتيبات مالية دولية جديدة.
السؤال الجوهري اليوم لم يعد فقط كيف نحمي أموالنا، بل: هل نحن على عتبة نهاية عصر السيولة النقدية كما نعرفه؟
*محام مغترب مقيم في المكسيك



