إقتصادموازنة

القطاع العام في مهب الريح: دولة “كل من صوتو أعلى”(ديما زرقط)

أمين صالح: السلطة تخلت عن فكرة الدولة..

 

ديما زرقط – الحوارنيوز- خاص

في مشهد لم يعد مفاجئاً في بلدٍ تفتقد فيه السلطة التنفيذية الى رؤية علمية اقتصادية / مالية أم إجتماعية، شهدت لجنة المال والموازنة يوم الثلاثاء 25 حزيران سجالاً محتدماً حول مشروع قانون يرمي إلى فتح اعتماد إضافي بقيمة تفوق ملياري ليرة لصالح صندوق تعاضد القضاة، لتعود وتقره يوم الخميس بقيمة مليار وخمسماية مليون ليرة لبنانية بالتوازي مع إقرار قانون إعفاءات ضريبية للمتضررين من الاعتداءات الإسرائيلية الأخيرة في ما يشبه المقايضة بين الأمرين! 

وبينما يجري تمرير الزيادات والدعم لفئة من الموظفين دون أخرى وفقاً لمن “صوته أعلى” أو لغايات سياسية، تستمر الدولة في إدارة ظهرها لمطلبٍ بديهي: العدالة بين موظفيها والحاجة الى دراسة علمية لسلسة الرتب والرواتب تشمل مختلف الاسلاك العامة المدنية والعسكرية، تقوم على التناسب بين الرتب والأكلاف الفعلية للعيش الكريم ووقف مهزلة التعويضات الخاصة.

 

الاقتراح الذي تبنّاه رئيس لجنة المال والموازنة النائب إبراهيم كنعان بدعم من نواب حزب الكتائب، أثار اعتراضات من كتل نيابية أخرى، على رأسها نواب “حركة أمل”، الذين ذكّروا بأن مساعدات مماثلة مُرّرت سابقًا للعسكريين ما يكرس سياسة الاستنساب مطالبين برؤية موحدة لأوضاع القطاع العام. 

لكن السؤال البسيط بقي معلقًا في الهواء: إلى متى ستبقى الدولة تتعامل مع القطاع العام بمنطق الترقيع والتمييز؟

 

السجال لم يكن تقنياً فقط، بل كَشف عمق الأزمة البنيوية في إدارة الدولة اللبنانية. دولة، أو ما يشبه الدولة، عاجزة عن مقاربة شاملة لموظفيها، وتعيش على منطق “من يضغط أكثر ينال أكثر”. لا رؤية، لا عدالة، ولا حتى أدنى حس بالمسؤولية تجاه عشرات آلاف الموظفين الذين سُحِقت أجورهم.

 

  أمين صالح: السلطة تمعن في ضرب القطاع العام

 في حديثٍ صريح للحوارنيوز، اعتبر الدكتور أمين صالح، المدير العام السابق للمحاسبة العمومية، أن ما نشهده هو انهيار مبرمج لدولة قررت التنكّر لوظائفها الأساسية.

ويقول صالح:”نحن لا نعيش أزمة إدارية فقط. نحن في بلد تخلّت فيه السلطة عن فكرة الدولة نفسها. لا دفاع، لا أمن فعلي، لا سياسات مالية، لا عدالة. هناك نظام يخطط لتدمير القطاع العام، لا إصلاحه.”

ويحمّل صالح السلطة السياسية مباشرةً مسؤولية الانهيارمن خلال:

-     نهج الخصخصة لتقليص الدولة وبيعها “بالقطعة”

 

-     وقف التوظيف وملء الإدارات بـ “شراء الخدمات” كوسيلة للزبائنية

 

والنتيجة؟

 إدارة بلا كفاءة، قطاع مشلول، وفقدان كامل للثقة بين المواطن ومؤسساته.

بحسب صالح، لا يمكن تبرير تجاهل الموظفين بحجّة أن كتلة الرواتب مرتفعة. فالأرقام، حين تقرأ بالدولار، تُسقط ورقة التوت عن كل روايات السلطة.

قبل الانهيار، كانت الرواتب تمثّل 33% من موازنة 17.5 مليار دولار (نحو 7 مليارات)

أما اليوم، تمثّل الرواتب حوالي 50% من موازنة تقلصت إلى 2.5 مليار دولار

وبهذه الحال يكون الموظف قد فقد أكثر من 90% من دخله الفعلي، فالنسبة ارتفعت فقط لأن الموازنة انهارت، لا لأن الرواتب زادت.

 

 

ما يزيد من خطورة المشهد هو أن السلطة لا تفعل شيئًا لتغيير المسار. بل أكثر من ذلك، تستثمر في الانهيار، وتعيد ترتيب أولوياتها بما يخدم مصالحها، لا مصلحة الناس.

 

ويرى صالح أن السلطة لا تريد إصلاحاً، لأنها مستفيدة من الفساد. الإصلاح يتطلب هيكلاً وظيفياً عادلاً، وهي ترفض ذلك لأنّه يعاكس مصالحها”.

 

ويضيف: “هذه سلطة تخلّت عن الإنتاج، دعمت الريوع، قدّمت المصارف على الناس، وساهمت في ضرب كل ما تبقى من منظومة اجتماعية واقتصادية”.

 

التذرّع بسلاح المقاومة: الهروب إلى الأمام

 

في واحدة من أكثر النقاط جرأة، رفض صالح حجّة أن سلاح “حز.ب الله” هو السبب وراء امتناع الدول عن دعم لبنان.

 

ويسأل: ما علاقة السلاح بعدم تحصيل الدولة لعائداتها من الأملاك البحرية؟ هل يمنع السلاح مكافحة التهرّب الجمركي؟”

 

ويُذكّر “أن المقاو.مة كانت قائمة أيضاً في زمن الحكومات التي نالت دعماً دولياً سابقاً، معتبراً أن السلطة الحالية تختبئ خلف شعارات وهمية لتبرير شللها التام”.

 

 

ويضيف: إنّ ما يجري في لجان البرلمان ليس نقاشًا تقنيًا على بند مالي، بل مرآة لوطن يُدار بالتمييز والفوضى السياسية، حيث الوظيفة العامة تُكافأ بالولاء لا بالكفاءة، والرواتب تُعدّل بالقوة لا بالعدالة.لبنان لا يحتاج إلى زيادة مليارية لفئة على حساب أخرى، بل إلى ثورة شاملة في مفهوم الدولة، تبدأ بإصلاح الهيكل الإداري، وتنتهي بمحاسبة من دمّر الدولة وأفقر شعبها.

الانفجار آتٍ إن لم يتحرّك الشارع

ويختم صالح حواره بالتحذير من استمرار هذه النهج سيولد ثورة اجتماعية وقال:

“ثلث الأسر اللبنانية تفتقد الأمن الغذائي. الناس تزداد فقراً. لا يمكن التعويل على مساعدات المغتربين للأبد. إذا لم يتحرك الناس، ستستمر هذه الطبقة في سحق ما تبقى من المجتمع.

لا شك أن السلطة التنفيذية برأسيها أثبتت حتى اليوم أن الوعود الإصلاحية مجرد خطاب واه طالما انها لم تبادر الى أي معالجة شاملة ولم تقدم رؤية متكاملة، لكن هل تتحمل السلطة التنفيذية المسؤولية وحدها أم أن السلطة التشريعية معنية ايضاً بتقديم رؤية وطنية للحل انطلاقا من رفضها للعمل بالقطعة في بلدة يحتاج الى رؤى متكاملة؟

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى