الدكتور نسيم الخوري – الحوارنيوز خاص
كيف تبدو صورة الولايات المتحدة الأميركية في العين العالميّة، إذ يهزّ وباء "الكورونا" العالم وجذور الصين التي كانت تعربش لبسط منتجاتها لا في أسواق الأرض وحسب، بل نحو الكواكب المأهولة ولربّما نحو تخزينها فوق سطح القمر والشمس؟
أقلق إنفجار الصين الهائل الدول، واليوم يدبّ الرعب العالميّ وتطفو الأفكار والتحليلات وردود الأفعال في وسائل الإعلام والإتّصال باعتبار هذا الوباء صناعة سياسيّة تتجدّد في الصراعات الدولية والألغاز المتزاحمة في نفخ العظمة الدولية.
تقودني هذه الإستهلاليّة إلى سؤآل وفكرة: يقول السؤآل القديم والمتجدّد:
هل ما زالت تلك الصورة موصومة بكره البيت الأبيض منذ أن سأل رئيسها الأسبق جورج دبليو بوش بعد دكّ البرجين في 11 أيلول 2001 مستغرباً: why they hate us أي: لماذا يكرهوننا؟
أما الفكرة في النظرة الراهنة إلى الصين فلربّما تذهب إلى حدود القول: رحم الله دولةً عرفت حدودها فوقفت عندها، وهذا القول ضرب خرافة في العلاقات الدولية وعصر العولمة الذي جعل الأرض بساطاً لا يجب أن تغرب عنه الشمس.
وهنا قصّة رواها صديقي الأستاذ الجامعي إذ اشترى مجسّماً للبيت الأبيض بعدما قام بزيارته، وعندما وصل إلى البيت وقلب المجسّم الصغير بين يديه هاله أن يرى ملصقاً مذهّباً وعليه: made in China أي صنع في الصين.
تدفع الدول ثرواتها وثقافاتها ثمناً لانهيار حدودها احتفاءً بزمن العولمة وتقليداً أو تقديراً لها، بعدما كانت دفعت اعداداً هائلة من مواطنيها وثقافاتها وثرواتها بهدف رسم حدودها وضمان عدم التدخل في شؤونها الداخليّة في أعقاب الحرب العالمية الثانية.
ويبقى السؤآل: لماذا يكرهون أميركا؟
1- بدت أميركا وقد ارتاحت من الخط الأحمر أو الخطر الشيوعي وساعدها المسلمون في ذلك. فالبترول ماء العولمة وكلأ شعوبها المتناثرة في العالم. وكان يعني سقوط الإشتراكية إزالة العدو المشترك للغرب والمسلمين وترك كلاًّ منهما كي يصبح الخطر المتصور أو المضمر للآخر. وللتذكير، لقد أسّس تنظيم القاعدة أسامة بن لادن في العام 1988 مكتب خدمات كان يعنى بتجنيد المقاتلين وتدريبهم ودفعهم الى القتال ضدّ السوفيات في أفغانستان. ولقد حصل تمويّل القاعدة جزئياً من قبل الولايات المتّحدة وبعض الدول الإسلاميّة وكانت النتيجة رسم اشارة الدفن فوق قبر "هيجل" الجدلي مع كل ما رشح عنه من ثورات متنقّلة كان ويستمرّ وقعها الأليم في التاريخ المعاصر. وعاد الصليب الأرتوذكسي يمسح معظم ما أنجزته الماركسية، مُثبتاً ما تفوّه به لينين، بعد عودته من منفاه بأن" أياماً لا عقوداً تصنع التاريخ البشري". وراح يخفي ارتياح موسكو الشكلي الى حاضرها الروسي الجديد، قلقاً عارماً من المستقبل، فحجم الولايات المتحدة في الشرق يفوق المتغيرات الحاصلة في أفغانستان والعراق وسورية وإيران والدول المسكونة بالهلع والديمقراطية المستوردة التي لم تتضح مراميها من ناحية، بينما تذبل، من ناحية أخرى، زهور الوحدة الأوروبية في القارة الموصومة أميركياً بشيخوختها وتعثّر وحدتها الإقتصادية والمهدّدة بالإنفراط والإرهاب.
2- إعتمدت أميركا سياسة المهادنة مع الخط الأصفر أو الخطر الصيني، وبقيت شحن الغرب بالنظر الى قوة الصين التي بقيت مسيطرة في آسيا ألفي سنة لتظهرها وكأنّها الدولة المعضلة القادمة عالمياً. صحيح أن العولمة صارت تعني الأمركة، لكن الصحيح أيضاً أنه في الوقت الذي تحلم فيه الدول بتعليم أجيالها اللغة الإنكليزية ليمارسون أحلامهم أو يحقّقون ذواتهم ومهاراتهم في الأسواق العالميّة، كان الكثر من الأميركيين ينجذبون نحو تعلم اللغة الصينية. كان يمكن إعتبار الصين قلعة الأقصى من الشرق تغري الغرب المعاصر اللاهث وراء هذا الشرق أو " عشّ الشمس" كما يسميه طلابنا في جامعات الغرب الباحثين عن الحقائق والمعارف عبر إيقاظ ذواتهم وطاقاتهم الداخلية وتجديد فلسفات التأمّل القديمة ومشتقاتها واعتبارها موضة العصر التي تخلّص الإنسان من الضمور والأمراض والعنف والرعب من الأمراض البيئية والسيدا والسارس وجنون البقر والكورونا ثمّ أنفلونزا الطيور مجدّداً وغيرها من المظاهر العلمية المحيّرة بمراميها وألغازها بشكل كامل.
3- قامت أميركا، بالهندسة الدقيقة لإعلان الحروب المفتوحة على الخط الأخضر أو الإسلامي. وعلى الرغم من الإقرار بأن الإسلام هو دين التسامح والحوار والسلام من قبل بعض صانعي القرارات، فإنه إقرار لم يستقم منذ فلسطين وصولاً الى "صفقة العصر مروراً بالربيع العربي ومحنة القدس الكبرى بما أفاض درجة هائلة من العدائية التي حملتها الحروب المفتوحة عنوانين ضخمين، وأعني بهما "الشرق الأوسط الجديد" و"الفوضى الخلاّقة" التي لم تخلق فأراً.
قد تهدّد الصراعات الدولية العالم لتبدو الثقافات مثل حيوانات مهددة بالإنقراض الوهمي لكنّ الصحيح أنّ هناك حقائق حضارية شغلت العصور وتتجدّد، لكن ليس هناك من لا تناهٍ في حياة الدول وصراعات الشعوب والدول مهما بلغت قوّتها ونفوذها.