الجبروت والجبار من يالطا الى مسقط (محمد صادق الحسيني)

كتب محمد صادق الحسيني:

أمام رؤساء أميركا السابقين، كان نتنياهو يردّ بقوة؛ بل و يهاجم أحيانًا. أما أمس، فقد جلس أمام عدسات الكاميرات، مبتسمآ وصامتآ، متلقيآ الضربات من دون رد.
كانت اللحظة مُحرجة، و ربما مُهينة لنتنياهو، و كشفت عن ضعفه السياسي، و عدم قدرته على التأثير في سياسات ترامب، و اعتماده الكامل عليه.
“أمام الكاميرات، بدا نتنياهو مجرد خلفية في عرض قدم ترامب. طوال أكثر من نصف ساعة، أجاب ترامب على كل الأسئلة؛ بينما بقي ضيفه صامتآ، كما لو أنه مزهرية، على حد تعبير نتنياهو في مقطع شهير سابق.”
هذا ما نقله اعلام العدو في اهم تعليقاته على زيارة الاستدعاء الامريكية لرئيس الوزراء الاسرائيلي الى واشنطن، والتي انتهت بصعقة العمر حيث اسدل الرئيس الامريكي الستارعلى سيناريو ضرب ايران ، وفتح الباب على مصراعيه امام احجية الحوار الامريكي الايراني، والذي اعلن انه سيبدأ السبت في مسقط….
ليس خبراً عادياً ابداً بعد كل طبول الحرب والحشد الاعلامي والعملياتي عبر البحار والذي مارسته آلة الدعاية الغربية والصهيونية تجاه طهران ، ان ينتهي كل ذلك الى اذعان واشنطن بالجلوس بمثابة الند للند مع عدوها الايراني اللدود في مسقط بوم السبت…
اعرف انها ليست المرة الاولى التي تحتضن فيها سلطنة عمان مثل هذه المفاوضات برعايتها الخاصة ، وهي التي سبق ان رعتها ايام الرئيس الاسبق محمود احمدي نجاد، بل قدمت الضمانات للطرفين يوم جازف وعلى مسؤوليته الخاصة ، ولكن بموافقة الامام السيد علي الخامنئي ، صديقي الوزير الاسبق علي اكبر صالحي، الذي كان هو المجازف يوم كان كل من احمدي نجاد الرئيس، وسعيد جليلي رئيس المجلس الاعلى للامن القومي، معارضين لخطوته تلك ، لكن ارادة الاعلى كانت هي الضمانة يومها.
وكذلك ضمانات السلطان المكتوبة كانت المعادلة التي جعلت السفينة المحفوفة بالمخاطر تصل الى شاطئ الامان يومها وتتجاوز خطر الغرق ….
وهي المفاوضات التي انتهت في العام ٢٠١٥ وفي عهد الرئيس الاسبق حسن روحاني الى ما بات يعرف باتفاق “خمسة + واحد” النووي الشهير الذي قيل انه منع حربا ضروساً كانت ستقع…!
اتفاق خرج منه ترامب بالطبع بعد ان مزقه في دورته السابقة، وصبرت عليه طهران استراتيجيا تاركة اياه يتساقط كاوراق الخريف….!
وها قد جاء الوقت ليتوسل فيه المارق، اتفاقاً جديداً ، تحاصره شروط ايران القاسية جداً هذه المرة…فهو لم يعد مرضياً لايران… لذلك ستفاوض طهران ليس عليه بل على تطويره تحت تهديد اللجوء الى تغيير عقيدتها النووية، إن بادر المارق هذه المرة الى المس به او المس بها، اي بأمنها القومي…!
في مثل هذه الظروف استدعى ترامب نتنياهو الى واشنطن على عجل … واستعمله كمزهرية، تماماً كما استعمل غيره من قبل ، والقرعة القادمة ستكون على المزهرية الاكثر تعرضاً للكسر، الا وهي سلطان العثمانية الجديدة حارس مرمى الناتو الجنوبي اردوغان …!
لكن امريكا التي ستجلس السبت المقبل مع ايران وجهاً لوجه في مسقط ستكون دون بقية الخمسة زائد واحد، وهي لن تكون امريكا القوية القائدة والرائدة لمحور الغرب فضلا عن العالم…
امريكا هذه المرة تجلس محاورة طهران وهي تسبح في حمام دم البورصة العالمية.
امريكا هذه المرة تواجه صيناً ستقاتلها حتى النفس الاخير وهي المتفوقة عليها في كل القضايا الاساسية المهمة.
امريكا هذه المرة ستخوض المفاوضات واوروبا غاضبة عليها بل حانقة.
امريكا ستكون واحدة من عدة قوى عالمية تتزاحم على كرسي الرئاسة في العالم، بينها اثنتان هما الصين وروسيا، حليفتان لايران وليس فقط صديقتان.
امريكا هذه المرة عندها عدو داخلي مهم، وهم يهود امريكا الذين يريدون امريكا معولمة وبورصة اوراق مالية وليس ترامبية صناعية عقارية تعمل عند الزعيم!
هنا بالذات يجب ان نفهم نقطة ضعف كما نقطة قوة ترامب الجديد الذي يريد توظيف عنجهية وعلو وغطرسة ومغامرات نتنياهو الصهيوني الإسرائيلي، ولكن لمصلحة مشروعه الوطني الامريكي : امريكا أولا !
اي تمد له “الرسن” ولكن بشروط امريكية ، اي هي من تحدد له متى وكيف واين يضرب!؟
وليس لمصلحة يهود امريكا البايدنيين او الديمقراطيين المعولمين والمخنثين !
امريكا هذه المرة ستكون المكسورة والمنهزمة عالمياً… لكنها البلطجية في فلسطين ولبنان وسورية، وإن عبثاً تحاول مع اليمن المنصور بالله .
انه تناقض مهم وخطير تجتمع فيه وحوله قوة وضعف الشيطان الاكبر في آن معاً.
هل تمكنت ايران من ترويض الوحش ، وبتنا على مسافة قريبة من يالطا جديدة!؟
ام ان الامبراطورية الامريكية ستخرج هذه المرة من اللعبة بخفي حنين !؟
في العام ١٩٤٥ صنعت يالطا بين روزفلت وتشرشل وستالين،فهل سترسم مسقط معادلة عالمية جديدة ستكون فيها امريكا لاعبا بين لاعبين جدد، ام ستخرج بخفي حنين!؟
معادلة مجاهيلها اكثر من معاليمها حتى الان…!
انها موازين القوة الجديدة بعلم المتغيرات وعالم المفاجآت في جغرافيا آخر الزمان..!؟
عالم ينهار..
عالم ينهض..



