رأي

العربي في بلاد الغرب: من جيل الواجهة إلى جيل المواجهة(محمد مصطفاوي)

 

محمد مصطفاوي* – الحوارنيوز- فرنسا

 

لنعيد صياغة الفرد العربي في بلاد الغرب  بنظرة تحليلية لواقع معاش. معايشة تترنح ما بين المتوقع الممكن في حيز بنود الشرط، ومبتغى الوصاية، وسلوك المجتمع، والتأكيدات والتأكد من صحة تطبيقها. ظرف اجتماعي يناقده ويتلقى معه، يخالفه ويختلف عنه، يتجانس ويندمج فيه، يبتعد عنه ويقترب منه، قد يكون الجزء من الكل له، أو الجزء من الكل عليه.

في أمة لها عرق لاتيني، وموروث مسيحي، وجو سياسي علماني، حاضر يصب في حضارات. هذه الجمهورية التي ثارت على طقوسها العمياء، وتقاليدها العرجاء، وبنود قوانينها الخرساء، وثقافة الإنتماء، واحتكار الإرث البشري أسست في العقدين الأخيرين من القرن الثامن عشر، ثقافة إنسانية وعدالة اجتماعية وحصة الآخر المقمع من قسطاس التبادل والمتاجرة فأصبح حق الإنسان من عطاء الواجب وثمرة الواجبات من سخاء الحقوق.

 

إذاً أين هو هذا العربي من هذا الحاضر الحضاري؟

تلك الكوكبة المهاجرة ما بين الحربين وبعد الحرب العالمية الثانية عقب سنوات التحرر، وفي مراحل الحاجة الإقتصادية، وفترات خنق الحريات جيل الواجهة يتفرج على الإحداث، بعين مسلية أو درامية لا جدوى منها، إنتزع أو أُنتزِع عنه دور الفاعل أو المحرك في مجتمع يعيش فيه.

 

كأنه ورقة في مهب الربح الغربي. عقود عمل في المناجم وصناعة النسيج وتصنيع دواليب السيارات وتعبيد الطرقات وورشات البناء، وإفراغ القمامات، نظافة الشوارع في شتى خدمات العبء والتعب. وإذا كان هذا جزء من الحقيقة الغربية، فإن العربي كان له فتاتٍ ضئيل من فضائل هذا العالم،  يكسب فيه قوته وقوت أولاده من وراء البحر، أو الذين كانوا في ضفته هاجروا تحت مظلته مع أسرهم بثغورهم الباسمة بمنافع واعدة.

 إن الجالية العربية التي اختارت أوروبا بشكل إرادي أو إختيار قاهر، حسب الظروف السياسية أو الأنماط الإقتصادية والمرامي الإجتماعية، التي كانت تعيشها الدول العربية، من حداثة الإستقلال، وفقر وفوضى اجتماعية، ومن ناحية أخرى حاجة الغرب لليد العاملة الأجنبية، كذلك عوامل الهجرات المنظمة والسوداء، واختيار الإقامة مثلا في بلد «مونتاسكيو» أو غيره  بمنظور حقوق الإنسان، والعيش الأفضل والربح الوفير والرفاهية والسعادة حسب عيون ضمائرهم. وإن كان هذا حالهم وأصبحوا حاليا جزءا من مكونات الأمة الغربية، وأنجبوا بنات وبنين من ذوي البشرة السمراء والعيون السوداء والأسماء العربية. جيل الواجهة «الجيل الثاني» بفرعيه المدمج أي (الإندماج المستهجن والمهذّب)، جيل من ناحية التصرف والسلوك والأخلاق ذاب كالأقراص في كأس المحلول الغربي، وجيل من جنس المادة محافظ ينتقى بانتباه ويتصرف بذكاء، ويميّز ما بين الأشياء ويختار ما يتناسب ويتجاوب مع تقاليده وانتماءاته وقناعاته من الأساليب والمناهج والطرائق ويكيّفها مع نفسه. فمن أي منظور يمكن الإمساك بالعربي الزئبق وإدماجه في «الترمومتر» الغربي؟ وحتى وإن أدمج خيارا أو قهرا مع مراحل الزمن الحضاري، هل يؤدي الأمر المناط به و الإخفاق؟ هل يعني خسارة غربية واستحالة ونتيجة إجابية لمصيرية العربي؟

 

 هذا العربي هامته حبلى بترسبات الماضي المتمثلة في الحقد في استغلال المجتمعات عبر الزمن، تمويه وتشويه البعد الثقافي ومحاصرة الوازع الديني وسياسة التفرقة. ولكن في سياق الحاضر وتطلعات الآونة، هذا العربي أمضى الإنتماء ووقع الإقامة وانتسب للعمل وانضم إلى هندسة استراتيجية حديثة، فأصبح أبناء العربي أعضاء من صلب ورحم نابوليون، وكون هذا المرء عضوا من جسد اوروبا، واختزاله من المعادلة الغربية الذي أدى الى نتيجة سلبية،  فحاضره وحضوره أكثر من ضرورة. فجيل المواجهة «الجيل الثاني» يجب أن يُفهم دوره للآخر رغم أن هذا الآخر نفس جزء لا يتجزأ من العالم الغربي، وهذا الشق الآخر الأصل المهجن في الماضي أن يتفهم هذا الجيل « أبناء العرب» وإسهامه في المشروع الحضاري. دونهما يكون المستقبل مجهولا تكتنفه الضبابية، والمسالك الوعرة وذروة الصراع وقمته ثمرات وانقسامات وانشقاقات وحروب، فالإهتمام والهدف يكون مشتركا لتحديد معالم التنوير، وتأسيسا لثقافة الإختلاف المؤدب والإئتلاف الحكيم واحترام قناعة الآخرين.

 

*كاتب جزائري مقيم في فرنسا

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى