
الحوارنيوز – صحافة
تحت هذا العنوان كتب نبيه البرجي في صحيفة الديار:
الأجواء ملبدة اقليمياً ولبنانياً. الهدف الخفي ليس نزع حزب الله، وانما ترحيل قادة الحزب ومقاتليه الى خارج البلاد. ما يستشف من الحملة الراهنة بأبعادها السياسية والطائفية، “ازالة” الشيعة بكل اتجاهاتهم من لبنان، واحلال اللاجئين الفلسطينيين والنازحين السوريين. في هذه الحال تستقيم الصيغة اللبنانية. لا توازن بين الطوائف، وقد أثبت فشله بتناسل الأزمات أو الانفجارات، بل التناغم بين الطوائف.
أحاديث الظل تشير الى محادثات تركية ـ “اسرائيلية” حول مسار الأوضاع في سورية، وفي اتجاه عقد لقاء بين مسؤولين سوريين و “اسرائيليين”، لبلورة صيغة معاهدة للصلح تكون من أولوياتها الاستراتيجية ترتيب الأوضاع على الساحة اللبنانية.
مثلما يفترض اختيار وزراء لحقائب حساسة، معادين سياسياً وطائفياً للحزب، تبدو الفضيحة اشد وقعاً حين تجري واشنطن اختباراً مباشرا للمرشحين لحاكمية البنك المركزي. واذا كان دونالد ترامب قد توعد “أنصار الله” في اليمن بالجحيم، كل الدلائل تشير الى أن هذا ما يحاول البعض تطبيقه على حزب الله، الذي يتعرض لحملة هائلة وعلى كل المستويات.
رئيس الحكومة نواف سلام تجاوب مع مطلب بعض الوزراء ووعد بتخصيص جلسة لمجلس الوزراء للبحث في نزع سلاح الحزب، الذي يعمل الكثيرون لتضييق الحصار عليه، في حين أن أحداً لا يرفع صوته في وجه “اسرائيل” التي أقامت بالنار، وتحت أنظار الجميع منطقة عازلة من البلدات المهدمة، والممنوع اعادة اعمارها، بتعهد من أركان الائتلاف الى سكان الجليل. كل ما يحكى عن الاعمار اما للتضليل أو للخداع. خداع الذات.
في الأبحاث التي تصدر عن “معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى”، الحروب الأخيرة وفي اطارها، تم تنفيذ السيناريو التركي بتقويض النظام في سوريا، انما وقعت من أجل اقامة حزام من الدول المنزوعة السلاح حول الدولة العبرية. هذا ما أعلنه أمام الملأ بوعاز بيسموت، رئيس لجنة الأمن القومي في “الكنيست” (سورية مثل الأردن دون قدرات عسكرية)، باعتبار أن امكانات لبنان لا تسمح له ببناء جيش، يمكن أن يشكل أي خطر على “اسرائيل”. واللافت في هذا السياق، الأسئلة التي تطرح في الاعلام “الاسرائيلي” حول الغاية من تعزيز الجيش المصري، مع ان مصر عزلت نفسها عن اي دور جيوسياسي، أو أي دور جيوستراتيجي في المنطقة.
حقاً، لقد تغير الشرق الأوسط. لم يعد هناك سوى احتواء ايران وتحويلها أيضاً الى دولة منزوعة السلاح، حتى وان فقدت أي تأثير لها في مجرى الأحداث. معلقون أميركيون يتحدثون عن الاختبار الخطير بين دونالد ترامب وآية الله خميني. أيهما الأكثر براعة في ممارسة سياسة حافة الهاوية (Brinkmanship politics)، وبوجود خلل هائل في موازين القوى.
حتى اللحظة الايرانيون يرفضون التفاوض “تحت التهديد”، وهم واثقون من أن الرئيس الأميركي الذي اختط سياسة وقف الحروب، وعدم الانزلاق الى “مستنقعات النار”، لن يتخلى عن هذه السياسة، كما أن تشديد العقوبات (روجر كوهين يسأل عن جدوى العقوبات حين تفرض على هياكل عظمية) لم يعد يأتي بالنتائج المتوخاة. في البنتاغون واثقون من أن أي حرب تخوضها “اسرائيل”، أو أميركا و “اسرائيل” ضد ايران، لا بد أن تستدعي الضربة النووية بتداعياتها الكارثية على المنطقة.
لكن الايرانيين يدركون مدى الصعوبات والمرارت، التي يعيشها حلفاؤهم في المنطقة. الآن محاولات متعددة الأطراف (الامارات، سلطنة عمان، روسيا) في اتجاه شق الطريق أمام “ديبلوماسية منتصف الطريق”، في حين يسأل محللون أميركيون عن جدوى ضرب الحوثيين للضغط على ايران، وبعدما تبين للبنتاغون أن تدمير هذه الجماعة يقتضي حملة عسكرية برية في تضاريس طبيعية وقبلية، لطالما أثارت ذهول الرحالة والجنرالات، لا سيما الجنرالات الانكليز، الذين تحدثوا عن الطبيعة بــ “البعد الميثولوجي”.
احدى الشاشات العربية الكبرى تبنت ميكانيكياً رواية وزارة الدفاع السورية حول حادثة الأحد (تصوروا أن حزب الله يأسر ثلاثة عناصر عسكرية داخل سوريا ويجرها الى الأراضي اللبنانية لاعدامها ميدانياً). الثابت أن العناصر الثلاثة دخلوا الى الأراضي اللبنانية، وتبادلوا النار مع أبناء المنطقة. الشاشة استجلبت محللاً استراتيجياً بدماغ الأفعى، وبلغة الأفعى، لكي يشن حملة شعواء ضد الحزب، فاقت بأضعاف الحملات “الاسرائيلية”، مشهده كان غرائبياً حين بدت الكلمات تخرج من أسنانه لا من شفتيه.
نستذكر قول الجنرال رافاييل ايتان “العربي الجيد هو العربي الميت”. هل ثمة أحياء بين العرب؟ لا مشكلة لدينا في أن نكون أميركيين، وبعدما حلت “الديانة الأميركية” بكل طقوسها وبكل ادواتها محل كل الديانات الأخرى. ولكن هل يمكن أن نكون “اسرائيليين” أكثر من “الاسرائيليين”، الذين لا يرون فينا سوى الأشكال البشرية بأرواح حيوانية؟
مثلما تحتل “اسرائيل” الضفة والقطاع، تحتل لبنان وسورية، بل وتحتل الزمن العربي، تقتل من تشاء وتقتلع من تشاء. نعلم أن أميركا حلت محل القضاء والقدر. ماذا حين تحل “اسرائيل” محل القضاء والقدر؟ هذا واقعنا الأن قهرمانات الهيكل، من يعترض عليه أن يقضي تحت سقف منزله.
من زمان قال لنا “الحاخام” مئير كاهانا “منازلكم قبوركم”. نقول لأولياء أمرنا “… أيضاً قصوركم قبوركم”!!