
الحوارنيوز – ترجمات
كتب زابينه كينكارتس ونينا فيركهويزر في موقع “دوتشه فييله ” الألماني:
فاز التحالف* المسيحي في الانتخابات المبكرة ومُني حزب المستشار شولتس الاشتراكي بهزيمة تاريخية، فيما صوت خمس الألمان لليمين المتطرف.
ماذا تعني هذه النتائج لألمانيا؟ وما هي التحديات التي تنتظر الحكومة الألمانية المقبلة؟
“أن نصبح أقوى قوة في البرلمان وأن يكون المستشار الألماني المقبل من صفوفنا”، هذا هو الهدف المنشود الذي حققه التحالف المسيحي المحافظ من الحزب المسيحي الديمقراطي وشقيقه المسيحي الإجتماعي البافاري في هذه الانتخابات.
عن هذا قال مرشح التحالف المسيحي فريدريش ميرتس لمنصب المستشار، في فرح غامر وحماسة واضحة بعد إعلان نتائج الانتخابات الأحد (23 فبراير/ شباط 2025): “لقد فزنا في الانتخابات البرلمانية الألمانية 2025”.
لكن رغم ذلك لم يكن الاحتفال كبيرا في المقر الرئيسي للحزب المسيحي الديمقراطي، فقد كان الحزب يتوقع نتائج أفضل في هذه الانتخابات، حيث رفع خلال الحملة الانتخابية شعار “30 بالمائة وأكثر”.
حوالي 28 بالمئة من الأصوات لا تكفي التحالف المسيحي للحكم بمفرده، وبات عليه أن يبحث عن شركاء لائتلاف حاكم. من حيث حصته في الأصوات، يمكن أن يكون حزب البديل من أجل ألمانيا اليميني الشعبوي والمُصنف كمتطرف في بعض ولايات ألمانيا هو الأقرب في لغة الأرقام إذ جاء في المرتبة الثانية بعد التحالف المسيحي. فخمس الناخبين الألمان اختاروا الحزب الذي يتخذ الكثير من المواقف المتطرفة.
أليس فايدل، الرئيسة المشاركة لحزب البديل قالت في تعليقها على نتائج الانتخابات: “لقد ضاعفنا حصتنا من الأصوات! كانوا يريدون تقليصنا إلى النصف، لكن العكس هو الذي حدث”. وأضافت أن التحالف المسيحي لا يمكنه تحقيق وعوده الانتخابية إلا بالتعاون مع حزب البديل، كتلك المتعلقة بالهجرة غير النظامية. “يدنا ستكون ممدودة دائماً للمشاركة في تشكيل الحكومة، من أجل تنفيذ إرادة الشعب وإرادة ألمانيا.”
لكن التحالف المسيحي المحافظ كان قد استبعد بالفعل خلال الحملة الانتخابية التحالف مع حزب البديل بشكل قاطع. وكرر فريدريش ميرتس مرة أخرى موقفه الرافض في مساء الانتخابات: “لدينا آراء مختلفة تماما، على سبيل المثال في السياسة الخارجية، في السياسة الأمنية، في العديد من المجالات الأخرى، بما في ذلك القضايا المتعلقة بأوروبا، وحلف الناتو واليورو”. وأضاف مخاطبا فايدل: “يمكنكم مد يدكم إلينا كما تشاءون”. وهددت فايدل بأن حزب البديل من أجل ألمانيا باعتباره أكبر قوة معارضة في البرلمان ستضغط من أجل تنفيذ سياسة معقولة في البلاد. “سوف نلاحق الآخرين لكي يتخذوا سياسة معقولة من أجل بلادنا.”
التحالف المسيحي في مهمة تغيير اتجاه البوصلة
كان الموضوع الرئيسي في الحملة الانتخابية بجانب الأداء الضعيف للاقتصاد الألماني هو سياسة اللجوء. “يمكنك أن تشعر بعدم الأمان لدى الألمان”، قال ماركوس زودر، رئيس الحزب الاجتماعي المسيحي البافاري، محللاً أسباب نجاح حزب البديل من أجل ألمانيا. وأوضح أن الناس لم يكونوا متأكدين من أن الاتحاد المسيحي سيفي بوعده بالفعل أم لا. ولذلك، تعلق العديد من الناخبين بحزب البديل، كما يقول زودر. “سنفعل كل ما في وسعنا لتنظيم تغيير في الاتجاه في ألمانيا.”
الأحزاب المؤهلة للتحالف مع المسيحيين المحافظين هي الحزب الاشتراكي الديمقراطي والخضر. لكن الأحزاب الحاكمة الحالية يجب أولا أن تستوعب خسائرها في هذا الانتخابات. وكان أكثرها تأثرا بالخسارة هو حزب المستشار أولاف شولتس الاشتراكي الديمقراطي، الذي حصل على نحو 16 في المئة من الأصوات، مما جعله يسجل أسوأ نتيجة انتخابية منذ عام 1890. اعترف المستشار الحالي أولاف شولتس بهذه الخسارة المدوية قائلا: “إنها نتيجة انتخابية مريرة للحزب الاشتراكي الديمقراطي”. كما وصف وزير الدفاع بوريس بيستوريوس النتيجة بأنها “نتيجة محبطة وكارثية”.
شولتس..الإنهيار
المستشار أولاف شولتس هو المستشار الوحيد في الخمسين عاما الأخيرة الذي لم يُعاد انتخابه في منصبه. لم يحكم شولتس مع ائتلافه المكون من الحزب الاشتراكي والخضر والديمقراطي الليبرالي حتى ثلاث سنوات، قبل أن ينهار الائتلاف المسمى بـ “إشارة المرور” مطلع تشرين الثاني/ نوفمبر 2024 بسبب الخلاف حول الشؤون المالية للدولة. وقد أعلن بالفعل أنه لا يرغب في تولي أي منصب وزاري في حال شارك حزبه في الحكومة المقبلة.
لم يعاقب الناخبون الألمان الحزب الاشتراكي الديمقراطي وحده في هذه الانتخابات، فقد خسر الحزب الديمقراطي الليبرالي بشكل كبير، ولم يتجاوز عتبة الخمسة بالمئة اللازمة لدخول البرلمان الألماني المقبل. بعد الهزيمة، أعلن رئيس الحزب كريستيان ليندنر عن انسحابه من السياسة.
أما خسائر الخضر فتظل ضمن الحدود. تحدث مرشح الحزب لمنصب المستشار روبرت هابيك عن “نتيجة انتخابية مشرفة”. وقال: “لم نُعاقب بشكل كبير، ولكننا كنا نريد المزيد ولم نحققه”. وأضاف هابيك أنه إذا احتاج الاتحاد المسيحي إلى التحالف مع الخضر، فإن حزبه مستعد للتفاوض.
حزب اليسار يعود إلى البرلمان
كان الاتحاد المسيحي قد استبعد تحالفا مع حزب اليسار قبل الانتخابات تماما كما استبعد التحالف مع حزب سارة فاغنكنيشت الذي انشق عن حزب اليسار في بداية 2024. وعلى نحو غير متوقع نال حزب اليسار على أكثر من 8 بالمئة من الأصوات، وكان الحزب الفائز المفاجئ بين جميع الأحزاب الصغيرة.
المفاوضات لتشكيل ائتلاف حاكم، فإن الحكومة الألمانية المقبلة ستواجه تحديات ضخمة. وفي هذا السياق طالب فريدريش ميرتس في مساء فوزه الانتخابي بضرورة تشكيل الحكومة بسرعة في ضوء العديد من المهام. وقال: “العالم في الخارج لا ينتظرنا، ولا ينتظر أيضا محادثات وتحضيرات ائتلافية مطولة.”
وأضاف ميرتس أن على ألمانيا الآن أن تصبح قادرة على العمل بسرعة مرة أخرى، “لكي نكون حاضرين في أوروبا والعالم. ألمانيا ستُحكم بشكل موثوق مرة أخرى”. يمكن أن يتحقق ذلك بشكل أفضل إذا تم تصميم اتفاق الائتلاف الحاكم المقبل كـ “إطار عمل” وليس كوثيقة حكومية مفصلة، وفقا لما ذكره الحزب المسيحي الديمقراطي.
نقص بالمليارات في الميزانية
أكبر التحديات أمام الحكومة الجديدة سيكون في آلية تمويل الميزانيات المستقبلية. لم تكن الإيرادات الضريبية كافية مؤخرا لدفع جميع المهام الحكومية المقررة. النفقات العسكرية المتزايدة وإصلاح البنية التحتية المتداعية والتحول البيئي الصديق للمناخ في البلاد – كل هذا يستهلك مليارات اليوروهات. بالإضافة إلى ذلك، تواجه ألمانيا أكبر أزمة اقتصادية منذ إعادة التوحيد.
كانت انتخابات البرلمان الألماني “بوندستاغ” هي الأولى منذ الغزو الروسي لأوكرانيا في 24 شباط/ فبراير 2022. ومنذ ذلك الحين، قدمت الحكومة الاتحادية مساعدات عسكرية ضخمة تصل إلى أكثر 28 مليار يورو لأوكرانيا. وبذلك، كانت ألمانيا بعد الولايات المتحدة أكبر داعم لحكومة كييف.
منذ تولي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب منصبه، تغيرت الإشارات القادمة من الضفة الأخرى من الأطلسي: الحكومة الأمريكية الجديدة تدير ظهرها لأوروبا. وبحسب ما ورد في واشنطن، فإن تقديم مزيد من المساعدات لأوكرانيا هو في المقام الأول مهمة الأوروبيين. كما يجب على أوروبا أن تعمل بشكل أكبر على تطور قدرتها الدفاعية من الآن فصاعدا.
ماذا ينتظر العالم من ألمانيا؟
بالنسبة للحكومة الألمانية الجديدة، يعني ذلك أنه يجب عليها تحديد الأولويات بسرعة، خاصة إذا كان من المفترض أن تتولى ألمانيا القيادة التي تحدثت عنها المسيحيون المحافظون خلال حملتهم الانتخابية. في هذا السياق قال الأمين العام للحزب المسيحي الديمقراطي كارستين لينيمان قبل الانتخابات مباشرة في القناة الأولى من التلفزيون الألماني: “يجب أن نتولى مرة أخرى دور القيادة في أوروبا، ليس من الأعلى إلى الأسفل، بل مع فرنسا، مع بولندا، مع اتحاد أوروبي قوي”.
بالإضافة إلى المبادرات الدبلوماسية، يتطلب ذلك نفقات مالية كبيرة. ومن المرجح أن يكون أكبر نقطة خلاف في مفاوضات الائتلاف: هي من أين ستأتي هذه الأموال؟ من قروض جديدة أم من إعادة تخصيص في ميزانية الحكومة الاتحادية؟ وهناك خلاف كبير من التحالف المسيحي والاشتراكيين الديمقراطيين في هذه النقطة بالتحديد.
ما مصير نظام “كبح الديون”؟
لا يُسمح بنفقات أكثر من الدخل، وهذا ما ينص عليه الدستور الألماني. الاستثناءات موجودة فقط في حالات الطوارئ والكوارث الطبيعية والأزمات الاقتصادية الشديدة. من جانبه يرى الحزب الاشتراكي وحزب الخضر أنه من الضروري تحمل ديون جديدة. أما مرشح التحالف المسيحي لمنصب المستشار فريدريش ميرتس فيتبنى نهجا مختلفا: فهو يراهن على النمو الاقتصادي ويدعو إلى تقليصات في المساعدات الاجتماعية. وهذا غير مقبول بالنسبة للحزب الاشتراكي، أما الخضر فستكون أي تقليصات في حماية المناخ أمرا محظورا.
في موعد أقصاه 30 يوما بعد الانتخابات، أي في 25 آذار/ مارس على الأكثر، يجب أن يتشكل البرلمان الألماني الجديد. وبحسب الدستور الألماني، تنتهي فترة ولاية المستشار أولاف شولتس وحكومته بالكامل مع الجلسة التأسيسية للبرلمان. وإذا لم تكن هناك حكومة جديدة حتى ذلك الحين، فإن الحكومة السابقة ستستمر في أداء مهامها بشكل مؤقت. وفي تصريحات أدلى بها مساء الأحد إثر فوز حزبه، تعهد ميرتس بتشكيل حكومة في غضون الأسابيع الستة المقبلة قبل عيد الفصح.
* أعده للعربية: ع.غ