سياسةمحليات لبنانية

“مدينة الأوجاع” .. في يوم الوداع !(واصف عواضة)

 

كتب واصف عواضة – خاص الحوارنيوز

كان الوجع كبيرا ومؤلماً في يوم الوداع..يا سيد !

 لقد بكينا يا سيد،عندما خرج نعشك ورفيق دربك، وصدَحتَ بصوتك الجهوري ” يا أشرف الناس وأطهر الناس وأكرم الناس ،السلام عليكم ورحمة الله وبركاته”.

 والله العظيم بكينا ،وشاهدت الجالسين من حولي وحواليّ ، يذرفون الدموع مدرارة  من المآقي ،تكاد تسقي أرض “المدينة”، بدلا من المطر الذي انحبس إكراما ليومك المشهود.

كان المشهد ،كبيرا وعظيما ومهيبا وغير مسبوق ،ولا يمكن للصورة المتلفزة أن تعبر عن حقيقته من الخارج. ولسوف أحكي لحفيدي الصغير غدا، ولكل الأطفال الذين لم يولدوا بعد ،أنني شهدت هذا اليوم العظيم .سأقول لهم بالفم الملآن: “لقد فاتكم أن تعيشوا زمن حسن نصر الله ،مثلما فات جيلنا العيش في أزمنة عظماء من التاريخ”.

في يومك يا “سيد الوجع” ،كان التنظيم رائعا و”على كيف كيفك”.

لن أدخل في لعبة الأرقام:عشرات الألوف ،مئات الألوف ،مليون ،مليون وأربعمائة ألف..لا فرق.ليس مهما كل ذلك، فالأرقام في بلدنا كما تعرف يا سيد أصبحت وجهة نظر.المهم أن المشهد كان صاخبا جدا ،ومع ذلك لم تُسجَّل حادثة واحدة.لم تُطلق رصاصة واحدة ،لا في الأرض ولا في السماء.حتى أن “شبيحة الأحياء” تهيبوا التخريب على المناسبة، وارتدعوا عن هوايتهم المعيبة.ولسوف يُسجَّل لحزبك يا سيد أنه أنجز في يوم وداعك ما تعجز عنه دول “بقضِّها وقضيضها”. وكان للجيش اللبناني والقوى الأمنية دور واضح في رعاية وحماية هذا التنظيم.لم يسمحوا ،لا لمسيرة دراجات ،ولا لاقتحام أحياء “الآخرين”.

في يومك يا سيد، جاؤوا من كل الدول ،عربا وعجما وإسلاميين وأجانب. قد تكون المشاركة الخارجية رمزية، لم يستطع مطار بيروت استيعاب أكثر منها لأسباب متعددة لا نريد أن نثير مواجعها. أما الزحف الشعبي فكان لمحبيك وجمهورك من كل الملل والنحل. لكن الحضور المنقوص كان يا سيد، سياسيا وطنيا مؤسفا ومعيبا. ولسوف يُسجِّل التاريخ أن بعض حلفائك الذين أسرفت لثلاثين عاما في احتضانهم، قد أسرفوا في التفريط بالوفاء لك.أما خصومك فلا لوم عليهم ولا عتب ،لأنهم اعتادوا التفريط بالفرص المناسبة للجمع .

آه يا سيد، لو ترى القبضات المرفوعة في وجه الطائرات الإسرائيلية التي اجتاحت سماء الحفل المهيب على ارتفاع لم نعهده من قبل .لم يهتز جفن ولا بدن أمام هدير الطائرات ،بل كان هدير الجمهور صاخبا :”هيهات منا الذلة ..الموت لإسرائيل” !

 

حتى الطقس ياسيد إحترم يوم وداعك ،فأشرقت الشمس في قلب العاصفة الثلجية التي أطنب الكثيرون في التهديد بويلها وثبورها.لم تأبه الناس ،فزحفت إلى وداعك وسط الصقيع بشتى الوسائل وسيرا على الأقدام.

ولكن :ماذا بعد؟

قال خليفتك ورفيق دربك الشيخ نعيم  يا سيد ،ماذا بعد !

كان واضحا كل الوضوح ولا حاجة للشرح والتفسير:”المقاومة مستمرة طالما الاحتلال مستمر..لكننا منخرطون في بناء الدولة العادلة القوية على مختلف الصعد”..ونقطة على السطر.

وماذا عنك وعن غيابك يا سيد ،وماذا أقول للمحبين؟

     سوف نشتاق إليك يا سيد ،لكننا سنزورك كلما دهمتنا المحن، نرتوي من عزيمتك عزيمة وصبرا.ولسوف يكون مرقدك مزارا لكل الحالمين بغد أفضل.أولست قطعة من تاريخنيا وتراثنا العريق؟

 على مر التاريخ كان للمسلمين الشيعة أبطال كبار، كلهم يستمدون حضورهم من الحسين،سيد الشهداء. وفي كل حقبة من الزمن كان للشيعة “حسينهم”…وأنت أنت واحد من الذين يجد فيهم المسلمون الشيعة رسولا للحسين ووريثا شرعيا لثورته الراسخة في أذهانهم.

 لا يستمد السيد نصر الله كل هذا الحضور لدى أنصاره ومحبيه من عمامته السوداء وصلته بأهل بيت النبي فقط.لقد سبقه وعاصره الكثيرون من أصحاب هذه العمّة، ومع ذلك لم يحظوا ولا يحظون بمثل هذا الحضور في قلوب الناس. وللسيد محطات طويلة ومناقب كثيرة جعلته في هذه المرتبة على أفئدة المحبين.ولعله من الصعب جدا على غير الشيعة فهم هذه المرتبة، واستيعاب هذا العشق.  

  بالأمس يا سيد ، أحببت أن أرثيك شعرا في يوم الوداع ،لكنني لست بشاعر. حاولت فلم أفلح ،فاستعنت بمنصة “الذكاء الإصطناعي”، وطلبت فيك قصيدة من عشرة أبيات،فكانت هذه “الملحمة الصغيرة”:

 

يا سيدَ العزِّ والمجدِ الذي شرُفا
تمضي وتُبقي لنا في دربنا شغفا

قد كنتَ في الحربِ للمظلومِ معتصماً
لا تعرفُ الذلَّ أو تُعطي لهم كَتِفا

سيفُ الكرامةِ في كفَّيكَ مُنتصبٌ
يذودُ عن أرضِنا إن جاشَ أو زحفا

يا حاملَ الرايةِ العليا بلا وهنٍ
عشتَ الصمودَ وما لنتَ الذي وقفا

إن غِبتَ فالفجرُ يشهدُ أنكَ البدرُ
وإن نطقتَ فما للحقِّ منك خفا

تبكي الجبالُ رجالًا كنتَ تصنعُهم
حتى غدوا سورَنا المرهوبَ والعُرَفا

ما كنتَ إلا ربيعَ الحقِّ مُزدهرًا
يُحيي النفوسَ إذا ما ظنَّهَا جُرُفا

تمضي جسومٌ وتبقى الروحُ خالدةً
في كل قلبٍ يرى في نهجكم شرفا

وداعُنا لكَ ليسَ الحزن نحملهُ
بل عهد صدقٍ بأنْ نرعى لكم هدفا

..السلام عليك يا سيد، يوم ولدت، ويوم استشهدت، ويوم تُبعث حيا!

  • لمن فاته متابعة الحدث ،هذا تسجيل كامل للتشييع على مدى سبع ساعات:

 

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى