حكومةسياسة

حكومة “الميثاقية” و”التوازن المفقود”: هؤلاء هم الرابحون والخاسرون (محمد حمية)

 

كتب محمّد حميّة:  

 

نجَح رئيس الحكومة القاضي نواف سلام باستيلاد حكومة العهد الأولى بثلاثة أسابيع فقط، مُسجلاً رقماً قياسياً في تاريخ تأليف الحكومات في لبنان، متجاوزاً الكثير من العقد والأعراف والقيود. وتمكن من تخفيف ثقل الأحزاب السياسية فيها الى الحد الأدنى، ووازَن قدر الإمكان بين مواصفات المجتمع الدولي وثلاثي النفوذ واشنطن – باريس – الرياض تحديداً، كشرط للتعامل مع الحكومة، وبين واقع التوازنات الطائفية والسياسية والشعبية في لبنان.

ويُمكن تسجيل ملاحظة هي أن المسار الدولي الذي بدأ بانتخاب رئيس الجمهورية وتكليف رئيس لتشكيل الحكومة ضمن موازين قوى دولية وإقليمية ومحلية، انسحب أيضاً على عملية تأليف الحكومة، فجاءت بتوازن لمصلحة الفريق المتحالف مع المحور الغربي – الخليجي على حساب فريق المقاومة. وفي التدقيق بهوية الوزراء يتبين أن الكثير منهم يملكون علاقات وطيدة جداً بالأميركيين والفرنسيين.      

وفي قراءة للتوازنات السياسية للحكومة يُمكن كشف الرابحين والخاسرين:

الرابحون:

*رئيس الجمهورية الذي نالَ حصة وازنة في الحكومة (وزير الدفاع) (وزير الاعلام)، (ووزيرين بالتشارك مع حزب القوات اللبنانية)، وبالتالي لم تحصل القوات على أربع حقائب “صافيين” كما يؤكد أكثر من مصدر سياسي، فيما تنفي مصادر “معراب” ذلك   مؤكدة اختيارها للوزراء الأربعة بالتنسيق مع رئيسي الجمهورية والحكومة، ويمكن وضعها في خانة الرابحين من خلال الحضور في الحكومة على حساب أخصامها المسيحيين من التيار الوطني الحر والمردة، وبالتالي الاستفادة من ذلك كنافذة خدماتية للانتخابات البلدية والنيابية المقبلتين.

*رئيس الحكومة نواف سلام الذي استطاع حصر تمثيل الطائفة السنيّة به، إضافة الى تشاركه مع رئيس الجمهورية والقوات اللبنانية باختيار أكثر من وزير مسيحي ومشاركته في اختيار الوزير الشيعي الخامس بالتوافق مع الرئيسين عون وبري.

*الثنائي الوطني حركة أمل وحزب الله الذي نالَ كامل الحصة الشيعية (خمسة وزراء) من ضمنها وزارة المالية رغم كل الحملة السياسية والإعلامية الخارجية والداخلية للحؤول دون ذلك، مع محاولة تصوير أن حزب الله انهزم عسكرياً وفق تصريحات المندوبة الأميركية مورغن أورتاغوس قبل يوم من تأليف الحكومة، وومحاولة الضغط لعكس ذلك بكسر الحزب في المعادلة الحكومية والسياسية الداخلية، إلا أن إصرار رئيس مجلس النواب نبيه بري وتماسك الثنائي أجهض مخطط إقصاء الثنائي، لا سيما وأن قوى المعارضة لا سيما القوات وبعض التغييريين عبروا عن رفضهم الشديد لمطالب الثنائي، بالتالي تمكن “الثنائي” من امتلاك الميثاقية المتمثلة بالوزراء الخمسة والشراكة الشيعية في السلطة التنفيذية (مجلس الوزراء) عبر وزارة المال.

*الحزب الاشتراكي والنائب السابق وليد جنبلاط بحصوله على كامل الحصة الدرزية بوزيرين.

*على الرغم من انقسامهم لأكثر من فريق غير أن كتلة “التغييريين” نجحت في ركب موجة الرئيس المكلف بنيل وزيرين بالحد الأدنى (حنين السيد وريما كرامي)، ويُقال إنها تقاطعت بتسمية وزير الداخلية مع رئيسي الجمهورية والحكومة.

الخاسرون

*أول الفريق الخاسر هو التيار الوطني الحر باستبعاده عن التمثيل في الحكومة، بعدما كان طيلة حكومات عهد الرئيس ميشال عون وحكومتي الرئيسين حسان دياب ونجيب ميقاتي يتمثل بالحصة المسيحية الأكبر.

*ثاني الخاسرين هو تكتل الاعتدال الوطني والنواب المتحدرين من كنف تيار المستقبل.

 *حلفاء المقاومة (التيار الوطني الحر وكتلة النائب فيصل كرامي وما يعرف بـ”سُنة” المقاومة، وتيار المردة)، وبالتالي لم يستطع حزب الله مع حلفائه انتزاع الثلث الضامن الذي كان يناله في كل حكومات الرئيس فؤاد السنيورة بسبب الخلافات التي عصفت بهذا الفريق خلال السنوات الماضية، ما حال دون التماسك والتوحد والتفاوض مع رئيس الحكومة من منطلق قوة، حيث فاوض “الثنائي” بشكل منفرد عن الوطني الحر والمردة والحلفاء السنة، مقابل حصول الفريق الأميركي – الفرنسي في لبنان على الثُلثين المقررين في الحكومة (حوالي 16 وزيراً) من دون حصة رئيس الجمهورية “الصافية” والوزير السابق وليد جنبلاط.

 يمتلك الثنائي حركة أمل وحزب الله مع رئيس الجمهورية والحزب الاشتراكي الثلث الضامن (9 وزراء)، ما يطرح السؤال هل يستطيع الثنائي معارضة التوجهات والإملاءات الخارجية التي ستُطرح على طاولة مجلس الوزراء؟ وفي أي موقع سيكون رئيس الجمهورية ووليد جنبلاط على الحياد أم في الوسط أم حسب الملف؟.

وتحت عنوان حكومة يقبلها المجتمع الدولي وتخاطب الأميركي ودول الخليج وبقوة دفع خارجي واسع جداً، تمكن الرئيس المكلف من كسر التوازنات النيابية الحالية ومعادلات تأليف الحكومات كما درجت العادة، فتمثل الثنائي حركة أمل وحزب الله رغم كل الضغوط الخارجية والداخلية للحد من تمثيله في الحكومة، وتمثل الحزب الاشتراكي الذي يمثل كامل النواب الدروز، لكن تم إقصاء ممثلي الطائفة السنية في الشمال وبيروت والبقاع والجنوب بما يطيح بنتائج الانتخابات النيابية، الى جانب إقصاء تكتل نيابي وازن على الساحة المسيحية التيار الوطني الحر وحزب الطاشناق (14 نائباً)، إضافة الى كتلة تيار المردة، ما يعني أن التوازن النيابي والسياسي مفقود في الحكومة ولو تحقق التوازن الطائفي والميثاقي، وبالتالي الحكومة الحالية لا تعبر عن الإرادة النيابية والشعبية الحقيقية بانتظار استحقاقين أساسيين سيشكلان اختباراً لكشف التمثيل الحقيقي: الانتخابات البلدية في أيار المقبل والانتخابات النيابية في أيار العام المقبل.

ويبقى السؤال الأخير بعد معرفة برنامج عمل الحكومة وبيانها الوزاري، هل ينفتح الخارج الأميركي – الغربي – الخليجي على الحكومة “السلامية” ووفق أيّ شروط؟.

 

 

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى