إلى الأخ / الرفيق / البيك والقاضي نواف سلام (إبراهيم الأمين)
الحوارنيوز – صحافة
تحت هذا العنوان كتب إبراهيم الأمين في صحيفة الأخبار:
ثمّة حيرة واضحة لدى غالبية القوى السياسية والشخصيات التي تتعامل مع نواف سلام. ليس واضحاً من يُصدِّقُه القول، كما ليس واضحاً من يبدو أن سلام نفسه يثق به حتى يصارحه بكل أفكاره. لكنّ الظاهر حتى الآن أن هناك أزمة ثقة قائمة بين الرجل وكل القوى السياسية. وحتى الفريق الذي دعمه ورشّحه وساعده، يعاني من القلق نفسه.
الكلّ يعرف النكتة عن ذلك المبنى المخصّص لبيع الدجاج. يصل الزبون إلى الطابق الأول فيسأل عن طلبه، فيكون الجواب سؤالاً تفصيلياً حول الطلب، ويُطلب منه الصعود إلى الطابق الثاني. هناك يجد أيضاً من ينتظره بسؤال أكثر دقّة عن طلبه، قبل أن يُطلب منه التوجه إلى الطابق الثالث. ويتكرّر الأمر نفسه قبل أن يصل الزبون إلى الطابق الأخير، ليجد في انتظاره موظّفاً يقول له: نأسف لعدم توافر طلبك، لكن ما رأيك بالتنظيم؟
اليوم، هناك مشكلة جدّية. قد يخرج من يقول إن سلام نجح في إرباك السياسيين التقليديين بطريقته في إدارة اللعبة. لكنّ المسألة هنا لا تتعلق بإستراتيجيات التفاوض أو المهارة في تنظيم الأفكار، بل تتعلق بالقواعد الفعلية التي تنظّم العمل السياسي والمؤسساتي في لبنان، إذ فيما تُعتبر الطائفية مرض لبنان العضال، فإن الطائفية نفسها هي المانعة لقيام ديكتاتورية أو حصول انقلاب. وبالتالي، تجد القوى المحلية نفسها محكومة بقواعد عمل، لا تحقّق العدالة في التمثيل ولا في توزيع الثروة ولا في فتح الباب أمام طموحات الناس، وهو ما يفسّر أحد أهم أسباب هجرات الكفاءات اللبنانية. وهي هجرات لم تكن نتيجة الحروب والتنازع فقط، إذ إن العقود الثلاثة الماضية كشفت أن الهجرات كبرت في فترات الاستقرار، بل سببها الحقيقي أن التسويات التي تتحكّم بإدارة الدولة تمنع الفرص عن الناس العاديين.
بهذا المعنى، فإن سلام مضطر أن يضع أمامه ورقة يكتب عليها: من أتى بي رئيساً للحكومة، ولأي غرض؟ وعليه أن يجد أصدقاء يقولون له الحقيقة، لا أن يرسموا فرضيات بعيدة عن الواقع. كما عليه أن يسأل: ماذا يريد هؤلاء من تسميتي رئيساً للحكومة؟ وعليه، هنا أيضاً، أن يجد من يجيبه بصراحة عن الأهداف الفعلية لمن دعمه بالوصول إلى هذا المنصب. وفوق ذلك، عليه أن يسأل نفسه: كيف لي أن أستغلّ هذه الفرصة من أجل اللعب على التناقضات بما يجعلني أقرب إلى قناعاتي وطموحاتي؟
لكن قبل كل ذلك، عليه أن يتعرّف إلى وقائع البلد كما هي، لا كما يتخيّلها أو كما يرغب بأن تكون عليه. والواقعية لا تعني حكماً التخلّي عن التغيير، ولا تعطّل القدرة على الفعل. لكنها، في حالة لبنان، مثل معرفة الطرقات، كي لا تضيع وأنت في طريقك إلى مكتبك أو عائدٌ إلى منزلك. وهي وقائع تتحكّم بالآليات اليومية لإدارة البلد، وتسبّبت مراراً في إفشال خطط وضعتها أكثر الدول نفوذاً في العالم.
الإقرار بالوقائع اللبنانية ضرورةٌ حتى لتحقيق التغيير، وهي وقائع ظلّت على الدوام أقوى من قوة وأموال ونفوذ كل قوى العالم مجتمعة
وعليه، فليرسم سلام المشهد ببساطة. تمّ اختياره بخلاف رغبة غالبية وازنة ممن رشّحوه. المعترضون على تسميته وجدوا أنفسهم مضطرين إلى التعامل معه. هذا صحيح، ومناسب للجزء المتعلق بالتسمية. لكنه غير كافٍ لمواصلة المشوار. لأن «الوقائع إياها» كافية لجعل حياته جحيماً، متى قرّر أبطال الوقائع اللبنانية عرقلة عمله. وهؤلاء لا يهمّهم التهديد بأن الناس سيعاقبونهم، لأنهم يعرفون أن آليات صنع السلطات في لبنان محكومة بالانقسامات الطائفية والمذهبية والمناطقية. ومهما تعاظم موقع رئيس الحكومة في الإقليم أو العالم، فهو مضطر في نهاية المطاف إلى مراعاة أصغر اللاعبين المحليين. ولدينا أمثلة كبيرة على ذلك. لنأخذ، مثلاً، تجربة رفيق الحريري، أو قوى ذات قدرات تتجاوز حدود لبنان، مثل حزب الله. الأول كان يعود إلى بيروت بعد جولة التقى فيها قادة دول كبرى في العالم، ليجد على باب مكتبه مسؤولاً محلياً مغموراً، يمسك بقرار السير بأي مشروع من عدمه. أمّا حزب الله الذي كان يسبّب الأرق لكل القوى الكبيرة في الإقليم والعالم، فقد كان مضطراً إلى مراعاة عشيرة أو جهة صغيرة حتى لا تنفجر الأمور في وجهه.
كلّ ذلك يقودنا إلى نتيجة واحدة: لبنان بلد صعب، مُتعِب ومُنهِك، ويتسبب بالإحباط. لكنه بلد المفاجآت، وبلد الفرص الاستثنائية، أمّا الفوز بالفرصة وتحويلها إلى وقائع، فهذا شرطه السير وفق قواعد اللعبة، ثم العمل على محاولة تغييرها. وكل مغامرة بتغييرها عبر تفجيرها دفعة واحدة، تجعل صاحبها مجرد انتحاري ينفجر الحزام الناسف به وحده، بينما لا يسمع الآخرون سوى صوت الانفجار.
الحقيقة القوية التي لا تشكّل عيباً في النظام السياسي في لبنان، هي أن هناك أحزاباً وقيادات تمثّل عناوين التمثيل السياسي والطائفي والمناطقي. هذه القوى هي التي تتحكّم بقواعد اللعبة. ومن يريد مواجهتها يجب أن يكون مستنداً إلى قواعد شعبية قادرة على خلق مساحات يجري اقتطاعها من هذه القوى، وهو أمر متعذّر الآن. وبما أن هذه الحكومة يراد لها الإشراف على الانتخابات البلدية والنيابية، فإن من الأفضل لنواف سلام أن يضع منذ الآن رهاناته على الطاولة. لكن، عليه أن يتفحّص ما في يديه، لأن الأوراق لم توزّع كلها بعد، والبطاقة التي يحملها جرّاء تسميته لا تمنحه فرصة كافية للفوز.
رفيق نواف، أو أخ نواف، أو نواف بيك، أو دولة الرئيس، تذكّر، بأنّ عليك أن تجلس وحدَك قليلاً، وتنظر إلى ما بين يديك من أوراق حقيقية، قبل أن تدخل إلى قاعة يحتلّها مقامرون مغامرون، وبينهم من خسر الكثير من أهله، لكنه لم يخسر مقعده… وعندها قَرِّرْ خطوتك التالية. لكن، يجدر بك عدم الرهان على صيصان لم يكن ممكناً أن يخرجوا من مداجن طبيعية، إذ إنهم من فئة لا ينفع معها حتى العلف المحلي الصنع!