رأي

الحكومة ستُشكّل وتحدّيان بارزان: انتخابات بلدية وقانون جديد للانتخابات (جوزف القصيفي)

 

  الحوارنيوز – صحافة

 

كتب جوزف القصيفي نقيب محرري الصحافة في صحيفة الجمهورية:

 

تتواصل الاتصالات والمساعي للإسراع في تشكيل حكومة العهد الأولى، وقد دخلت السعودية على خط هذه الاتصالات بقوة وتنسيق مع الإدارة الاميركية. وبمعزل عن التجاذبات السياسية التي تحوط عملية التأليف، والشروط والشروط المضادة بين الكتل النيابية، يكثر الحديث عن «فيتو» خارجي يتناول تمثيل «الثنائي الشيعي»، بلغ حّد التدخّل في تسمية الأشخاص، وعن توجّه لعدم تمثيل حزبيين.

في نهاية المطاف، ستُؤلف الحكومة وتمثل أمام المجلس النيابي، ويرجح أن تنال الثقة وتُعطى فرصة لإدارة المرحلة الفاصلة عن الانتخابات النيابية في العام 2026. حتى لو وجدت الحكومة العتيدة نفسها أمام سيناريو أسوأ يتمثل في عدم نيلها ثقة المجلس، وفي حال رفض الكتل النيابية صيغتها، فإنّها تلقي سلاحها، بل ستصرّف الأعمال إلى حين إتمام استحقاق الانتخابات التشريعية. وإنّ أول استحقاق فعلي سيواجهها بعد البيان الوزاري، وما سيتضمن من عناوين كبيرة أصبحت معروفة، هو إجراء الانتخابات البلدية في أيار المقبل، وأنّ دوائر وزارة الداخلية والبلديات بدأت الاستعدادات اللوجستية وإنجاز لوائح الناخبين، لتكون جاهزة إذا ما عزمت الحكومة على إجرائها. وذلك على رغم من الإشكالية الناتجة من الدمار والتهجير، الذي يعمّ البلدات والقرى الجنوبية التي تعرّضت للاعتداء الإسرائيلي. وفي هذه الحال يمكن استنساخ تجربة العام 1998 عندما أُجريت الانتخابات البلدية الأولى بعد اتفاق الطائف، خارج المنطقة المحتلة من إسرائيل في الجنوب والبقاع الغربي، أو اعتماد طريقة «الميغا سنتر» للمرّة الأولى في الانتخابات. إنّ إنجاز الانتخابات البلدية سيمنح العهد والحكومة زخماً قوياً، لأنّ هذا الاستحقاق سيعيد تشكيل السلطة المحلية على امتداد المناطق اللبنانية، كما يعيد الحياة إلى الدورة الإنمائية. والانتخابات البلدية تشق الطريق أمام الانتخابات النيابية. لكن هل ستجري الإنتخابات وفق القانون الحالي؟ وهل استمرار العمل بهذا القانون يساعد في توفير صحة التمثيل الشعبي ويحصّن الفائزين بالنيابة بالمشروعية؟ في الحقيقة لا يمكن القول إنّ قانون الانتخابات المعمول به حالياً قد فشل كلياً، لكن الواضح أنّه لم ينجح في توفير صحة التمثيل على نحو مرضٍ، وفتح باب الاحتكار بين الاحزاب والتيارات الكبرى، سواء تحالفت أو تنافست. وإنّ هناك الكثير من النواب الذين فازوا بكسر الحاصل بسبب الصوت التفضيلي. وهناك أرقام مضحكة – مبكية أهّلت اصحابها في بعض المناطق للفوز بمقاعد نيابية. ومن دون الخوض في الأسماء، أو أسماء الأشخاص، انتفى المنطق والعدالة بوجود نائب فاز بأصوات هزيلة لا تتجاوز العشرات أو بضع مئات على منافسه الحائز على آلاف الأصوات. ما هكذا تكون النسبية، ولا تقسيم الدوائر. وإذا كان يستحيل العودة إلى القانون الأكثري، ولو رغبت فيه بعض القوى،أو اعتماد نظام: «صوت واحد لمرشح واحد» ONE MAN ONE VOTE، أو الدائرة الفردية المصغّرة، لماذا لا تكون العودة إلى «القانون الارثوذكسي» القاضي بأن تنتخب كل طائفة نوابها على قاعدة النسبية، مما يتيح تشكّل قوى سياسية لدى كل طائفة تحظى بتأييد يوطد أركان شرعيتها ومشروعيتها، ويفتح الباب أمام قيام تحالفات سياسية على مستوى الوطن بين المجموعتين الإسلامية والمسيحية، وقيام موالاة ومعارضة على أساس موازين القوى المنبثقة من الانتخابات، وتنشأ كتلتان رئيسيتان على غرار ما كان حاصلاً أيام الكتلة الدستورية والكتلة الوطنية. هاتان الكتلتان كانتا أقرب إلى التحالف الجبهوي، منه إلى الحزبية الصارمة. وقد تداعى هذا النموذج بعد العام 1952 على إثر الإطاحة بالرئيس بشارة الخوري في «ثورة بيضاء»، ووضع أوزاره بدءاً من منتصف ولاية الرئيس كميل شمعون. وكان النائب السابق والخبير الدستوري المتمكن الدكتور إدمون نعيم قد خصّني في العام 1992، على إثر إعلان القوى المسيحية بقيادة بكركي الانتخابات، بتصريح دعا فيه جهاراً إلى أن ينتخب كل مكون طائفي نوابه، وأن حال المشاركة الوطنية في التشريع وإدارة البلاد تنبثق من التحالفات على المستوى الوطني.

هل ستكون الأرضية ممهدة لوضع قانون جديد للانتخابات، بعدما لم يفلح القانون الحالي في تحقيق الغاية التي من أجلها وضع؟ إنّ نظرة واحدة إلى توزع الخريطة السياسية في المجلس النيابي، تكفي للإجابة.
هناك ما يشبه الإجماع على ضرورة تغيير قانون الإنتخابات النيابية الحالي، بالاتفاق على قانون جديد يماثل «القانون الارثوذكسي» مع تبديل في تسميته ليكون نتاج توافق وطني. قد يرى البعض انّه من المبكر إثارة هذا الموضوع في ظل تعثر ولادة الحكومة. لكن ولادة الحكومة ستتمّ، أُزيلت العقبات كلها أو بعضها، و»بين غمضة عين وانتباهتها» ستكون البلاد أمام الاستحقاقين: البلدي والنيابي، وإنّ عدم البت في شكل قانون الانتخابات الجديد، قد يحمل في طياته مؤشرات غير إيجابية. لأنّ أمام المجلس النيابي الذي سيُنتخب في العام 2026، ورشة تشريعية كبرى لمواكبة المتغيرات، وإيجاد البنية القانونية الحاضنة لخطاب القَسَم وتوجّهات العهد الإصلاحية.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى