رأي

إسقاط لبنان أميركيا يُنجز “جدار الحماية” لإسرائيل (نسيب حطيط)

 

كتب د. نسيب حطيط -الحوارنيوز

 يتقدّم المشروع الأمريكي بشكل متسارع، لإنجاز جدار الحماية لدولتها الوظيفية إسرائيل ولحماية مصالحها واستعادة السيطرة على الشرق الأوسط، بثرواته ونفطه وغازه، للتحكم بمصادر الطاقة العالمية التي تخوّلها فرض سيطرتها السياسية على العالم ، بعدما أطلت روسيا الجديدة لتشاركها في المنطقة، وكذلك الصين التي تفوّقت عليها اقتصاديا وتحاول لعب دور سياسي في العالم (طريق الحرير).

بعد إسقاط سوريا ،لم يبق من دول الطوق لإسرائيل سوى لبنان ،كدولة متمردة على الإملاءات الأميركية، ترفض توقيع اتفاقية سلام مع اسرائيل ،بعدما أسقط المقاومون اللبنانيون المحاولة الأولى (إتفاق17أيار)قبل 40 عاما عند اجتياح عام 1982!

تحاول أميركا إقتناص الفرصة الذهبية، لتنفيذ مشروعها وتأمين الحماية لإسرائيل وانهاء  “المؤثر” المركزي في قضية الصراع العربي-الإسرائيلي الذي يزعزع استقرار المنطقة، والذي يُبقي الأمة على قيد الحياة سياسياً، والمتمثل بالقضية الفلسطينية، حيث يعتقد الاميركيون ان إطفاء “نار” القضية الفلسطينية ،سيسلب الأمة نقطة التجمع الوحيدة الباقية ،كقضية مشتركة بين العرب أولاً، وبين العرب والمسلمين ثانياً، ما يفتح المجال أمام الخطط الأميركية، لإشعال الفتن والحروب بين شعوب المنطقة بدوافع مذهبية وطائفية وإثنية وقومية، ويُنهك المنطقة ويجعلها شعوبا وقبائل، تتقاتل بدل ان تتعاون وتتعارف، ضمن السياق الديني والإنساني العام واعادتها الى جاهليتها الأولى بالغزو المتبادل.

أسقطت أميركا في قبضتها ،أكبر دول الطوق مصر بإتفاقية “كامب ديفيد”، ثم أسقطت الاردن بإتفاقية “وادي عربة”، وأسقطت نصف الداخل الفلسطيني بإتفاقيات “أوسلو “، وكانت جائزتها الكبرى الزلزالية إسقاط سوريا عبر “جبهة النصرة”، بالتعاون مع تركيا وقطر، ولم يبق أمام المشروع الأميركي سوى لبنان والذي تعرّضت المقاومة وأهلها فيه لحرب متوحشة ما زالت مستمرة من الطرف الإسرائيلي وبرعاية وقرار أميركي وتواطؤ دولي وتشجيع من أغلب القوى السياسية اللبنانية، ولن تتوقف أميركا عن مشروع إسقاط لبنان والقضاء على المقاومة، سواء بالحرب الساخنة او بالحرب الناعمة او الفتن الداخلية، وسيبدأ تطويق المقاومة بشكل هادئ ومستمر مع بعض الضربات الساخنة والإقلاق الدائم “لتطهير” لبنان وفق المصطلح الأميركي وتحويله الى ساحه نقية توالي أميركا وتؤمن البيئة الحاضنة والترفيهية لسفارتها في “عوكر”، والتي ستكون مقر القيادة السياسية والعسكرية والأمنية لمنطقة الشرق الأوسط، والتي ستتجاوز في فعاليتها كل القواعد العسكرية في الخليج وسوريا والأردن والعراق. ويمكن توصيف سفارة “عوكر” بأنها “إسرائيل الصغرى السياسية” ومركز عمليات التخطيط والقيادة، وستعمل أميركا لتوظيف الجماعات التكفيرية من الشمال والشرق بالضغط على المقاومة وإسرائيل جنوبا والدولة اللبنانية والجيش وأجهزتها الأمنية في الداخل ،ضمن خطة تتراوح زمنياً بين خمس سنوات وعشر سنوات، للسيطرة الشاملة على لبنان ،للقضاء على المقاومة، ما سيؤدي الى إطفاء وإجتثاث الفكر التحرري  العربي والإسلامي المقاوم في المنطقة، و يؤمن فترة سيطرة أمريكية_إسرائيلية لمدة 50 عاماً مقبلة، ستكون فترة استعمار أميركي للمنطقة اسوأ من الإستعمار الفرنسي والإنكليزي.

هذا ما تخطط له أميركا وتعمل على تنفيذه، لكنه ليس قدراً محتوماً يمتلك عناصر الإنتصار، ويمكن مواجهة هذا المشروع عبر إئتلاف القوى المقاومة في العالم العربي او ما تبقى منها، ومواجهة هذا المشروع على محاور متعددة ثقافية وسياسية وفكرية واعلامية ودينية، الى جانب المحور العسكري الذي يجب ان ينتقل من حالة تقليد حركات المقاومة للجيوش الكلاسيكية ما أدى لتعرّضها لضربات قاسية، وعليها العودة  لمنظومة  حركات المقاومة الشعبية المسلّحة ،بما يًعرف بحرب العصابات المتنقلة.  

ان مواجهة المشروع الأميركي وهزيمته ، ليست مستحيلة او مسدودة الأفق، لكن بشرط إعتماد العقل والمعرفة والخبرات ،بالتلازم مع الإلتزام ” العقائدي” ومن دون فك الإرتباط بينهما ،فلا العقيدة والإيمان وحدهما يستطيعان هزيمه أميركا، ولا العقل والمعرفة كذلك، ووجوب  إعتماد ثلاثية  “العقل والخبرة والعقيدة “، كمنظومة  مقاومة للمستقبل، ستحقق نتيجة مؤكدة تتمثّل بعرقلة المشروع الأميركي وإصابته بخسائر كبرى وتأخير تحقيقه في اسوأ الإحتمالات ،بل ويمكن الإنتصار عليه ،مهما كان الزمن طويلاً والتضحيات كبيرة، المهم الا نخاف أو ننهزم ولا نغامر ولا نتصرف بإنفعالية وعاطفة، والا نصاب بالغرور وتسخيف أراء الآخرين من الناصحين والمؤيدين، او تسخيف قدرات العدو او الإعتماد في خططنا على ما نظن انه سيفعل !.

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى