تغيير جوهري في سياسات السعودية تجاه لبنان(حسن علوش)
حسن علوش – الحوارنيوز
شكل اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري منعطفاً في تاريخ العلاقات اللبنانية السعودية.وجرى استغلال الجريمة التي هزت لبنان من قبل قوى ودول وظفت جريمة الاغتيال لمصلحة مكاسب سياسية على الأرض، ونجحت الى حد ما بإستلام السلطة، مطلقة مشروعا سياسيا في الداخل اللبناني هو امتداد لمشروع إقليمي – دولي يعمل لولادة شرق أوسط جديد خال من المقاومات ضد لاحتلال الاسرائيلي (الفلسطينية – اللبنانية) ومن نفوذ الدول الداعمة لهذه المقاومات…
تراجعت علاقة المملكة العربية السعودية مع لبنان وانكفأت عنه، وكذلك سائر دول الخليج العربي، رغم تاريخية العلاقات بين هذه الدول ولبنان، ولم تنجح محاولات السلطة في لبنان في اعادة فتح كوة لعودة العلاقات الى طبيعتها. وما زاد الأمر تعقيدا الاشتباك السياسي الإقليمي بين “المملكة” من جهة والجمهورية الإسلامية الإيرانية من جهة ثانية، واعتبار “المملكة” أن حزب الله صاحب النفوذ القوي في لبنان هو امتداد للنفوذ الإيراني، ويجب تطويقه ومحاصرته تمهيدا لقلب المشهد اللبناني كمدخل لا بد منه لعودة المملكة الى لبنان…
لعبت المملكة سابقاً دورا ايجابيا في لبنان قبل الحرب لأهلية ، التي نشبت في العام 1975 ،والتي انتهت بمؤتمر الطائف الذي استضافته “المملكة” في العام 1989 وانتهى الى “وثيقة وفاق وطني” أوقفت الحرب الأهلية وأرست دعائم استقرار سياسي واقتصادي مدعوماً بإرادة سعودية – سورية مشتركة.
سبقت “الطائف” أدور إيجابية للمملكة ومحاولات جدية لوقف الإقتتال في لبنان، ومنها المبادرة التي أطلقتها المملكة مع دولة الكويت في تشرين الأول 1976 حيث انعقد مؤتمر قمة سداسي في الرياض، شارك فيه قادة السعودية، مصر، سورية، والكويت، ولبنان، بالإضافة إلى منظمة التحرير الفلسطينية، وكان الهدف المباشر للمؤتمر معالجة أحداث القتال الجارية في لبنان بين مجموعة مناوئ للمحورالأميركي في المنطقة، وأخرى داعمة له على اعتبار أن أسباب الإقتتال بجانب منها كانت مرتبطة أو محكومة بمعالجة الخلاف الإقليمي العربي بين مصر وسورية الذي نتج عن توقيع مصر لاتفاقية سيناء الثانية مع دولة الاحتلال في ايلول 1975.
وما بين عامي 1989 و2005 تعاظمت إسهامات المملكة سياسيا وماليا، من أجل مسح آثار الحرب وتعمير ما تهدّم، خاصة في عهد حكومات الرئيس رفيق الحريري، الذي كانت تربطه علاقات وثيقة مع قادة المملكة، وهو الذي جاء نتيجة توافق اقليمي.. قدمت المملكة المساعدات والإيداعات المالية، لدعم خزينة لبنان، في مواجهة الاعتداءات الإسرائيلية المتكرّرة، ولتغطية أعباء الديون المتراكمة، ودعم سعر الليرة اللبنانية أمام الدولار بواسطة البنك المركزي.
تعطلت المناخات الايجابية، إذاً، وتحول موقف المملكة من داعم للبنان واستقراره الى داعم للمشروع الرافض لما اسمته الهيمنة الايرانية على المنطقة وللبنان ضمناً.
الآن عادت المملكة للعب دور علني في المشهد اللبناني بعد أدوار “خلفية” تلمسها كل متابع للشأن اللبناني من خلال تقييد حركة الرئيس سعد الحريري ودعم خصومه ومحاولة توليد بدائل لتياره، دون أن يرقى كل ذلك الى الأهداف المحددة.
وبعد اغتيال الحريري الأب ومحاولة تصفية الحريري الإبن سياسياً، فإن تجربة “المملكة” في لبنان يلزمها اعادة قراءة هادئة بما يعيد للمملكة موقعيتها بصفتها داعمة لوحدة اللبنانيين وللحوار بينهم، وبصفتها المملكة الداعمة لقضايا لبنان في المحافل الدولية والحاضنة لمئات الآلآف من اللبنانيين الذين يعملون فيها ويساهمون في نهضتها كبلد ثان وحاضن…
مؤخرا ظهر في المشهد اللبناني تغيير في حركة السفير السعودي وليد البخاري، تمثل بزيارة نائب رئيس المجلس الاسلامي الشيعي الأعلى الشيخ علي الخطيب، ورئيس المجلس الأعلى لطائفة العلويين، وعكس ذلك ما يمكن وصفة بإنهاء القطيعة مع مكونين وطنيين، ما يشي بنفس جديد، ربما ارتبط بالتطورات الأخيرة.
الأمل كبير في استكمال مثل هذه الخطوات بالعودة الى دعم مؤسسات الدولة والتشجيع على الحوار كآلية لفض النزاعات والخلافات، وصون سيادة لبنان وحقوقه التاريخية، ونصرة شعبه في استرداد أرضه المحتلة، إسوة بالموقف التاريخي “للمملكة” المتمثل برفض أي نوع من أنواع التطبيع مع العدو، إلا من خلال تطبيق القرارت الدولية وقيام دولة فلسطين.