كتب واصف عواضة – خاص الحوارنيوز
دخل دونالد ترامب إلى البيت الأبيض ومبنى الكابيتول اليوم بعقلية القيصر. فهو صبر أربع سنوات كي يعود إلى السلطة في ولاية ثانية على حصان أبيض،بعد حملة إنتخابية جارفة ،قدم فيها للشعب الأميركي وعودا لا يعهدها إلا القياصرة والأباطرة.
اعتبارا من هذه الليلة سوف يتقاسم العالم قيصران ،على الرغم من تفاوت القدرات:واحد في البيت الأبيض في واشنطن ،وآخر في الكرملين في موسكو.دونالد ترامب وفلاديمير بوتين صديقان حميمان،وبينهما سيقع فلاديمير زيلينسكي رئيس أوكرانيا المنكوبة في شرك المصالح الدولية التي لا ترحم.هذا مثال راهن في الأزمات الدولية اليوم.
أقسم ترامب اليمين الدستورية أمام نخبة القوم بهدوء لافت.لكن خطاب القسم كان إمبرطوريا وساخنا جدا.تحدث وكأن أميركا في الحضيض، وقد أرسله الله لينقذها:”لقد أنقذني الله من عملية الإغتيال لكي أجعل من أميركا عظيمة”..هو قال ذلك ب”عظمة لسانه”..صفّق الجمع طويلا وكثيرا لكلام ترامب ،إلا سلفه جو بايدن ونائبته كاميلا هاريس،كانا جالسين كالتلميذ المعاقب.
بدا ترامب “واثق الخطوة يمشي ملكا”..قال إن العصر الذهبي لأميركا سيبدأ الآن.وعد بتوقيع عشرات القرارات في الساعات الأولى من ولايته،بما يحدث إنقلابا على التقاليد الأميركية وعلى “الدولة العميقة” التي سادت في عهد سلفه. نال المهاجرون غير الشرعيين حصة مميزة في خطابه حيث وضعهم في “شدق الأسد”، وقال إنه سيوقع الليلة أمرا بإعلان حالة الطوارئ على الحدود الجنوبية مع المكسيك،ولسوف يغير إسم خليج المكسيك إلى خليج أميركا،وسيستعيد قناة بنما “التي صرفنا الكثير من الأموال من أجل بنائها”،وسنفرض ضرائب على الواردات الأجنبية،وسنقف على عتبة أربع سنوات هي الأعظم في تاريخ أميركا”.
خاطب ترامب العالم بلغة الآمر الناهي:جيشنا سيكون الأقوى في العالم.سنضع حدا لكل الحروب”..هي سياسة “السلام بالقوة”.ولكن أي سلام؟ هل هو السلام العادل للشعوب المظلومة ،أم أنه السلام الذي يحاكي الإنحياز الأميركي الفاقع الذي شهدناه طوال الأشهر الخمسة عشر الماضية في فلسطين ولبنان والشرق الأوسط برمته؟
بعد هذا الخطاب ثمة من يخاف على ترامب نفسه،إذ ليس سهلا أن تتغير أميركا وفق وعوده وعهوده. فأميركا ولدت هكذا وليس يسيرا تغييرها.والمصالح الكبرى لشركاتها ومؤسساتها ورجال أعمالها وأصحاب المليارات فيها ،أكثر سطوة وقوة وخبثا من إداراتها وجيشها وأجهزة أمنها وخزائنها،وكثير من هؤلاء صفقوا لكلام ترامب هذه الليلة في مبنى الكابيتول.
وفي الخلاصة ،تبدو أمام العالم أربع سنوات صاخبة،سوف يقف فيها العالم على “رجل ونصف”. فالقيصر الأميركي الجديد لا يمزح ،وهو على دين سعيد عقل الذي كان يقول:”أحب عقلي ،ولكن ليس خاليا من جنون”.