بقلم عزيزة العلوي* – الحوارنيوز – بوكسل
من خلال متابعة المرحلة التمهيدية لاستلام ترامب للسلطة ، وهي مرحلة بدأت عملياً بعد فوزه في الانتخابات ، نلاحظ جلياً بدءه ، وبعزم ، بتطبيق شعار ” السلام بالقوة ” وبمعناه الواسع .
ماذا يعني ” تطبيق الشعار بمعناه الواسع ” ؟
يعني انَّ لغة التهديد و الوعيد والقوة هي سلاح ترامب المقبل ، وسلاحه ليس فقط من اجل صنع السلام هنا وهناك ،وفي المناطق التي تشهد حروبا ومجازر ، واقصد غزّة ولبنان والضفة وكذلك أوكرانيا ، وانما سلاحه أيضاً في فرض شروطه على ايران وروسيا ، واعلان رغبته وارادته بضم كندا وجزيرة غرينلاند وقناة بنما .
اذاً شعار السلام بالقوة يعني عند الرئيس ترامب الوسيلة لتوسيع امريكا جغرافياً وسياسياً و اقتصادياً ، أي الوسيلة لتعزيز هيمنة امريكا على العالم .
ما يعزّز ويزيد مخاطر او تداعيات تطبيق شعار ” السلام بالقوة” هو قدرة الرئيس ترامب على ممارسة ” الغموض البنّاء ” ،يعني ، بعبارات ابسط ، عدم قدرتنا على التنبؤ بسلوكه و قراراته .
يقّرُ الجميع ،حلفاء واصدقاء و اعداء و خصوم الرئيس ترامب، بأمرين او بوسيلتين مناسبتيّن للتعامل معه : الأمر الاول انه جادٌ في المضي بما يقوله ،والأمر الثاني هو التعاطي بهدوء وبالتراضي وبالود وبالزيارات و الهدايا معه .
لنذكر هنا ،كشاهد على ما نكتبُ ، ما قاله مستشاره للامن القومي في دورته الاولى ، و اقصد جون بولتون ، حيث يرى التقارب مع ترامب والتودد إليه أحد الخيارات المطروحة. وينصح جون بولتون قادة العالم بذلك قائلا :”اتصلوا به والتقوا معه، وتحدثوا إليه عن أي شيء. وإذا فشل كل ذلك تعلموا كيف تلعبون الغولف”، في إشارة إلى امتلاك ترامب منتجع “غولف” فاخرا في ولاية فلوريدا. ( جريدة القدس العربي ،بتاريخ 2025/1/17 ، تحليل نشره الموقع الملكي البريطاني للشؤون الدولية تشاتام هوس ، الدكتورة ليزلي فينجاموري ). ولكن هل أسلوب التعاطي مع الرئيس ترامب بالتودّد والتراضي والزيارات يأتي بنتيجة ؟
تُجيبنا ذات الكاتبة على السؤال بالنفي وتسرد ،على ذلك ، موقف وجهود رئيس وزراء كندا ،والذي زار الرئيس ترامب نهاية شهر نوفمبر الماضي ،بعد فوزه في الانتخابات ، ورجاه ان يتخلى عن فرض ضرائب أمريكية على الصادرات الكندية .
فعل ترودو ذلك رغم اعتراض نائبته كريستيا فريلاند التي تطالب باتخاذ موقف صارم ضد ترامب، واستقالت من منصبها احتجاجا على لقاء ترودو معه. وكانت هذه الضربة الأخيرة لحكومة رئيس الوزراء الكندي الضعيفة، فاضطر هو أيضا لإعلان استقالته في وقت سابق من الشهر الحالي.
في المقابل تبنت رئيسة المكسيك كلاوديا شاينباوم موقفا أكثر تشددا تجاه تهديدات ترامب، وهددت بفرض رسوم مضادة على المنتجات الأمريكية. في الوقت نفسه تتحرك شاينباوم وتعلن عن ضبط كميات ضخمة من مخدر “فينتانيل”. ويعني هذا أن إظهار القوة في العلن في مواجهة تهديدات ترامب، مع الاستجابة لمطالبه المقبولة، يمكن أن تكون استراتيجية سليمة، لكن لا أحد يعرف على وجه اليقين، نظرا لأن ترامب نفسه شخص يصعب التنبؤ بقراراته. (القدس العربي ،ذات المصدر المذكور أعلاه ) .
نتساءل هل شعار السلام بالقوة ، والذي بدت تجلياته في وقف اطلاق النار في لبنان وفي غزّة ،والذي لم يكْ ليحصل لولا الضغوطات التي مارسها الرئيس ترامب على نتنياهو ، يتناول ايضاً الحرب في اوكرانيا ؟
نعتقد ذلك ،حيث لا يتردّد الرئيس ترامب بممارسة ضغوطه على زيلينسكي ، وعلى بعض الدول الاوروبية ( فرنسا المانيا ) ، مثلما مارس ضغوطه على نتنياهو .
أولويَة الرئيس ترامب هي وقف الحروب ، وكذلك الحيلولة دون وقوعها ، وقد استشعرت إيران نوايا وخطط الرئيس ترامب ، ويبدو ان إيران مستعدة ،اكثر من اي وقت مضى للتفاهم حول ملفها النووي ، وقد ترضى بشروط ،كانت قد رفضتها في الوقت السابق .
ووفقاً لمجلة “بلومبرغ” الاقتصادية ،فإنَّ فريق ترامب الاستشاري اعدَّ حزمة من العقوبات الصارمة على صادرات النفط الإيرانية والروسيّة بهدف اجبار الأولى على الرضوخ للشروط الأمريكية حول الملف النووي، والضغط على الثانية ( روسيا ) بهدف ايقاف الحرب .
دول عربية و اقليمية ( السعوديّة ،مصر ،الجزائر ،الأردن ،قطر ، تركيا ) تحاول توظيف شعار ترامب ” السلام بالقوة “، من اجل العمل على استصدار قرار من مجلس الامن يُلزم إسرائيل بتطبيق واحترام وقف اطلاق في لبنان و في غزّة .ولكن السؤال هو هل سيوافق ترامب على استصدار مثل هذا القرار ؟
وفقاً لمشاورات قطرية مع مستشاري الرئيس ترامب ،اوضح هؤلاء ان ذلك ممكن إذا اقتنع ترامب بأنّّ مثل هذا القرار يعزّز استراتيجيته في احلال السلام في المنطقة .
*باحثة في المركز العربي الأوروبي للسياسات وتعزيز القدرات /بروكسل .