منوعات

رسالة إلى صديقي حلمي في غزة(واصف عواضة)

 

كتب واصف عواضة – الحوارنيوز

بداية نحمد الله ونشكره على سلامتكم وسلامة من كُتب لهم النجاة من الأهل والأحبة والأصدقاء وأهالي غزة بشكل عام،على الرغم من الخسائر الجسيمة التي طاولتهم.

ثم أنه قد لفتني مضمون رسالتك اليوم حول قراءة الفلسطينيين في غزة للحرب ونتائجها ،ولم يفاجئني الإختلاف في الرأي حول هذا الموضوع ،فحالنا في لبنان ليس أفضل من حالكم في هذا المجال،وأنا أراه أمرا طبيعيا في مثل هذه الحالات ،إذ ليس غريبا ولا مستغربا بعد حرب ضروس حصدت كل هذه الأثمان الباهظة ،أن تهتز وتتخلخل عقائد الناس ومعتقداتهم وثوابتهم.حسبنا أن أهلنا وأهلكم لم يفقدوا أصالتهم تجاه العدو،إن لم نقل إنها ازدادت حدة نظرا للوحشية المدقعة التي مورست عليهم خلال هذه الحرب.

ولكن يا صديقي لا نلومنّ رأيا فقد أهله عزيزا أو أعزاء عليهم ،وقد سكنوا العراء والخيام وتحملوا المعاناة ظلما وقهرا وخوفا وجوعا ،ثم يعودون اليوم إلى ديارهم فلا يجدون دورا ولا رزقا ولا مدرسة ولا مستشفى ولا متجرا، ولا ما يعينهم على تبعات الحياة.

علينا يا صديقي، عندنا وعندكم ،وعلى المعنيين بالحرب،أن نستوعب هؤلاء الناس حتى يستوعبوا ما حصل نتيجة هذه الحرب الضروس. فالمشاهد المؤلمة في غزة وجنوب لبنان والضاحية والبقاع تدعونا إلى التأمل في الأمس والغد،والتفكر في مقتضيات المستقبل ،ليس لتبديل جلودنا ،إنما من أجل تغيير ثيابنا الرثة ،فالعدو باق ،والحرب لم تنته بعد،ليس لأننا من دعاتها والمتحمسين لها ،بل لأن عدونا يأنف السلم والإستقرار ،وقد ثبّت أقدامه في بلادنا بالحديد والنار.

بعد حرب تموز عام 2006 ،وقد عشناها معا لحظة بلحظة في “السفير”،إعتقدنا وهماً أن الحروب قد إنتهت إلى غير رجعة ،فراح أهلنا يبنون الدور والقصور على الشريط الشائك والجدار الحدودي ،وقد صارت اليوم قاعا صفصفا . تصور يا صديقي أن القرى والبلدات الحدودية من الناقورة إلى بنت جبيل إلى كفركلا (وأنت تعرفها واحدة واحدة، ولطالما تجولنا فيها سويا) ،ليس فيها اليوم منزل واحد صالح للسكن ،نتيجة حقد لم يعرف التاريخ له مثيلا.فمن لم تُدمّره الطائرات الحربية والمسيّرة ،تم إحراقه أو هدمته الجرافات كليا أو جزئيا ،بعدما حفرت الطرق وجرفت البساتين والحدائق.حتى شجرة التوت الستينية العمر، ياحلمي، أمام منزلنا في الناقورة التي لطالما تفيأنا معا في ظلها ،جرفوها وألقوا بقاياها في العراء،مثلما جرفوا شجرات الليمون والزيتون والحامض في حديقتنا .وأحسب يا صديقي أن بستانك الصغير في شمال غزة صار أثرا بعد عين.أما منزلنا الجديد الذي شيدناه في غيابك فقد بات ركاما،وهو لم ننعم بسكناه سوى بضعة أشهر.

الله يا صديقي كيف ننسى كل هذا الصلف ،وكيف يستقيم حالنا مع هكذا عدو،وكيف لا تقوم غدا مقاومات أشد عزما وأكثر عنفا من جيل شهد أطفالنا يموتون بردا ونساؤنا تهتك أعراضها ومجاهدونا يسقطون غيلة ،قادة وكوادر وعناصر،لدرجة بتنا نحسد الشهداء على ارتقائهم إلى السماوات العلى.

وإذا كان هذا حالنا في لبنان ،فماذا أقول عن غزة الجريحة وأهلها الصامدين الذين أفشلوا أهداف العدو المعلنة والمبيّتة لتهجيرهم وإلغاء القطاع،وتحملوا طوال هذه المدة ما يعجز “صبر أيوب” عن تحمله.

وعود على بدء،

نحمد الله على سلامتكم ،ونسأل الله أن يمنحنا نعمة الصبر والنسيان ..

 “وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون”(صدق الله العظيم)      

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى